Affichage des articles dont le libellé est قانون جزائي. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est قانون جزائي. Afficher tous les articles

lundi 14 avril 2008

حق الحرب/ قانون الحرب

وفقاً للقانون الدولي، توجد طريقتان مختلفتان للنظر إلى الحرب- أسباب قتالك وكيفية قتالك. ونظرياً، يحتمل أن تخرق كل القواعد وأنت تقاتل في حرب عادلة أو أن تشتبك في حرب غير عادلة وتلتزم بقوانين النزاع المسلح. ولهذا السبب، يكون فرعا القانون مستقلان تماماً واحدهما عن الآخر.

حق الحرب هو العنوان الذي أعطي لفرع القانون الذي يعرّف الأسباب المشروعة التي يمكن أن تدفع دولة لخوض حرب وللتركيز على معايير معينة تجعل الحرب عادلة. ومصدر حق الحرب القانوني المعاصر الأساسي مستقى من ميثاق الأمم المتحدة الذي يعلن في مادته الثانية: "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة"؛ والمادة 51: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة".

وعلى العكس من ذلك، قانون الحرب هو مجموعة القوانين التي تصبح فاعلة حالما تبدأ حرب. وغرضه تنظيم كيفية خوض الحروب، بغض النظر عن أسبابها أو كيف بدأت أو لماذا. وعليه، يجب على أي طرف ينخرط في حرب يمكن تعريفها بسهولة على أنها حرب غير عادلة (على سبيل المثال، غزو العراق العدواني للكويت سنة 1990) الالتزام بقواعد معينة أثناء مواصلة الحرب، مثلما يجب ذلك على الجانب الذي يسعى لتصحيح الجور الأولي الذي وقع عليه. ويستند هذا الفرع من القانون إلى القانون العرفي القائم على ممارسات الحرب المعترف بها، وبالمثل إلى قوانين التعاهد (من مثل لوائح لاهاي لسنة 1899 وسنة 1907) التي تنظم قواعد سير القتال. وتشمل وثائق أخرى أساسية اتفاقيات جينيف الأربع لسنة 1949 التي تحمي ضحايا الحرب- المرضى والجرحى (أولاً)؛ منكوبو البحار (ثانياً)؛ أسرى الحرب (ثالثاً)؛ والمدنيين الذين يقعون في يد طرف خصم و، إلى مدى محدود، جميع المدنيين في أراضي البلدان المتنازعة (رابعاً)- والبروتوكولين الإضافيين لسنة 1977 الملحقين باتفاقيات جينيف اللذين يعرفان تعبيرات مفتاحية من مثل العسكريين، ويتضمنان أحكاماً مفصلة لحماية غير العسكريين ووسائط النقل والدفاع المدني، ويحظران ممارسات معينة من مثل الهجوم العشوائي.

ولا يوجد اتفاق على ما يجب أن يوصف قانون الحرب به في اللغة اليومية. فاللجنة الدولية للصليب الأحمر وعديد الأكاديميين الذين يشددون على الإيجابي، يصفونه قانوناً إنسانياً دولياً ليؤكدوا هدفهم بتخفيف إفراطات الحرب وبحماية المدنيين وغير عسكريين آخرين. إلا إن المفكرين العسكريين، يظاهرهم أكاديميون آخرون، يؤكدون على أن قوانين الحرب مستقاة مباشرة من أعراف وممارسات الحرب نفسها، وغرضها خدمة جيوش الدولة، ولذا تراهم بعامة يستخدمون الوصف الأكثر تقليدية، قوانين وأعراف النزاع المسلح أو ببساطة أكثر، قوانين الحرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

vendredi 4 avril 2008

القتل بوسائل غير مادية

تنص معظم التشريعات الجنائية في العصر الحديث على جريمة القتل و تحدد عقوبتها و تدرسها كأقصى عقوبات الجرائم و أكثرها تعقيداً. و لأن كانت الجريمة و العقاب في القانون الجزائي تخضع لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات (لا جريمة و لا عقوبة إلا بقانون) ذلك المبدأ الذي يخرج من نطاق تعريف الجريمة كل فعل لم يتم النص عليه كجريمة معترف بها في القانون , و كان لزاماً على تبني هذا المبدأ ان يتم احتواء كل فعل غير مشروع ضمن نصوص القانون الجزائي كي نضفي عليه صفة الجريمة و بالتالي يصبح هذا الفعل و فاعله عرضةً لتطبيق قانون الجنايات عليه و معاقبة فاعله.

بيد إن أقدم الجرائم الإنسانية يمكن ان نصنفها ضمن نطاق القتل و السرقة , و يكاد لا يخلو تشريع قديم من ذكر هاتين الجريمتين و تعريفهما و النص على عقاب ملائم لهما, و لكن تطور الحياة خلقت أصنافاً جديدة من الجرائم لم يكن العقل البشري قديما قادراً على تصورها أو ارتكابها, و من هذه الجرائم مثلاً: جريمة الاتجار بالمخدرات أو حمل سلاح دون رخصة أو الإفلاس التجاري الاحتيالي و هذا ما دفع فقهاء القانون في العصر الحديث إلى توسيع نطاق قاعدة شرعية الجرائم و العقوبات و ادخل إليها تلك الأفعال الغير مشروعة و البسها رداء الجريمة و نص على معاقبة فاعليها بأفضل العقاب.

و إن كان فقهاء القانون المتربصين دوماً لكل جديد في عالم الجريمة متفقون على الأغلب في تجريم الكثير من الجرائم التي خلقها التطور الفكري للإنسان , إلا إن هذا الاتفاق نادرا ما يتم الحصول عليه عندما ندخل في أعماق كل جريمة على حدة و نبدأ بدراستها كجريمة مستقلة نريد أن نحدد أركانها و صفاتها و صفة الشخص الذي قد يكون فاعلها أو ضحيتها.

فإذا ما شرعنا في دراسة أول جريمة قام القانونيون في العالم بدراستها و التي هي جريمة القتل , فسيتضح لنا ذلك الاختلاف جلياً واضحاً و لاسيما في تحديد الوسائل الممكنة في ارتكاب هذه الجريمة و تصورها.

عند البحث في عناصر الركن المادي لجريمة القتل نجدها تتألف من ثلاث عناصر و هي (الفعل – النتيجة – الرابطة السببية) إي انه كي تتم جريمة القتل يجب أن يكون هناك فعل اعتداء قام به الفاعل و قد يكون هذا الاعتداء قد تم بنشاط ايجابي, كمن يحمل سكيناً طيبة و يغرسها في صدر الضحية او ان يرمي المجني عليه من علو شاهق قاصداً تمزيقه و بالتالي قتله. و لا تثور أي مشكلة تذكر عند تحقيقنا في توافر عنصر الاعتداء إذا كان الفاعل قد نفذ اعتدائه على هذا النحو , بيد أن الجريمة لا تكون دائما تحت هذا التصنيف من السهولة فقد يكون نشاط الجاني ليس ايجابيا, فقد يمتنع الجاني عن القيام بأي فعل و يكون امتناعه هذا سباً في ارتكاب جريمة تؤدي نتائجها إلى إزهاق روح انسان. فلو ان ممرضة تشرف على رعاية مريض قابع في المستشفى و ينتظر العلاج, و أوكل إليها مهمة مراقبة المريض و إخطار الأطباء عن أي ارتفاع مفاجئ في ضغط الدم, فامتنعت هذه الممرضة- قصداً بغرض القتل- عن إخطار الأطباء في الوقت المناسب فأدى ذلك إلى هلاك المريض و موته . فليس هناك ما يمنع من اعتبار الحالة جريمة قتل و الفعل هو الممرضة التي استخدمت نشاط سلبي في تنفيذ هذه الجريمة. و يسمى هذا في علم القانون بالنشاط السلبي و هو احد نوعي عنصر الفعل و هما (النشاط الايجابي و النشاط السلبي).

و في كلا الحالتين هناك جريمة قتل مقصودة ارتكبت بأحد النشاطين إما القيام بنشاط إيجابي بقصد قتل الضحية او عدم القيام بأي نشاط ايجابي بقصد قتل الضحية أيضا, و كلا النشاطين يملكان من الوسائل ما يكفي للقيام بأي جريمة قتل يمكن تصورها.

غير ان النشاط السلبي لم يكن من العناصر القديمة التي تؤلف فعل الاعتداء في جريمة القتل , و إنما انتبه إليها و درسها المتأخرين من فقهاء القانون, و رغم بعض الصعاب التي تطرحها مشكلة النشاط السلبي و عدم إجماع كل فقهاء القانون على اعتبارها كعنصر في جريمة القتل إلا إن الغالبية من الفقهاء قد أيقنوا بها و أعطوها حقها من الدراسة و التحليل,

بيد ان الخلاف الأبرز الذي ظهر بين الفقهاء لا يكمن حقيقةً في تحديد عنصر الاعتداء و تعريفه و إنما ظهرت مشكلة أخرى أكثر حساسية و نقاشاً من عنصر الاعتداء (الفعل) و هذا الخلاف تجلى بوضوح في الوسيلة الممكنة التي يمكن ان يقوم عليها هذا العنصر.

و المشكلة التي تطرح نفسها هنا, هل يمكن قيام فعل الاعتداء و بالتالي تحقق الركن المادي للجريمة بوسائل غير مادية؟

او بعبارة أخرى : هل يشترط لقيام جريمة القتل ان تتم بوسيلة مادية ام انه يمكن تصورها بوسائل غير مادية؟.

ان استخدام الوسائل المادية في القتل هو أكثر أساليب القتل شيوعاً و استخداماً , فأكثر القاتلين في العالم يفضلون استخدام العصي و السكاكين و المدافع و البنادق و الصواريخ و الحجارة و الحديد و الخشب و كل ما يمكن تصوره من وسائل مادية يفضي استخدامها بطرق معينة إلا إزهاق روح إنسان حي, و لكن هل يمكننا ان نتخيل قتل انسان من دون استخدام أي من هذه الوسائل المادية مطلقاً.

سنطرح هنا بعض الصور التي تستخدم وسائل غير مادية يؤدي استخدامها إلى موت إنسان حي.

كأن ترفع سماعة الهاتف طالباً شخصا لديه علة قلبية مستعصية فتنبئه كذباً بوفاة عائلته في حادث سير , فيتوقف قلب المجني عليه من صدمة النبأ فيموت, او قد يدخل احدهم إلى مسجد و ينشر كذباً عن نبا وجود قنبلة وضعها إرهابيون ضمن المسجد, فتثير الرعب في قلوب الناس و المصلين و يبحثون عن منفذ للهروب , فيقتل ما تيسر له منهم دوساً و اصطداماً.

ألا يعتبر الفاعل يا ترى قد قام بجريمة القتل هذه رغم انه لم يستخدم أي وسيلة مادية في تحقيق مأربه؟

لتوضيح هذه المشكلة سنستعرض التشريعات في هذا الصدد في بعض البلدان ثم نتجه لاستعراض رأي الفقهاء و التشريعات في سورية و في بعض الدول العربية.

في ألمانيا و سويسرا: غالبية الفقه الألماني و السويسري لا يفرقون في وسائل القتل بين استخدام الوسائل المادية كالطعن بالرماح و العصي و الرصاص و بين استخدام الوسائل غير المادية كالوسائل و الآثار النفسية في ارتكاب جرائم القتل . و يؤيدهم في ذلك معظم الفقهاء العرب.

في انكلترا: إن غالبية الفقه في انكلترا يميل إلى الاعتقاد بإمكانية وقوع جريمة القتل بوسائل غير مادية, و هم بذلك يعتمدون على استقرار الفقه القضائي عندهم في الكثير من السوابق القضائية على اعتبار إن هذا البلد يعتمد على السابقة القضائية precedents كمصدر من مصادر القانون الجزائي. و في مثالين عن السوابق القضائية في انكلترا يقدمهما الدكتور محمد الفاضل في كتابه الجرائم الواقعة على الأشخاص و الأموال يورد ما يلي:

في قضية توارز towers اعتدى المتهم على فتاة تحمل طفلا لم يتجاوز الشهر الخامس من العمر, و قد ارتاع الطفل من هذا المشهد فأصابه صدمة في جهازه العصبي و مات . و قد تم الحكم على الفاعل بجريمة القتل.

و في قضية هيوارد Hayward و خلاصة القضية ان هيوارد غضب من زوجته و بدأ يهددها و يتوعدها فسارعت الزوجة إلى الفرار فلحق بها الزوج على عرض الطريق و وقعت الزوجة مغشياً عليها فتركها الزوج بعد ان ركلها بقدمه على يدها اليسرى, و لما حاول بعض المارة إنهاض الزوجة تبين أنها متوفاة.

و في التقرير التشريحي تبين ان الركل لم يكن سبب الوفاة و انما تبين ان الزوجة كانت مصابة بغدة سعترية مزمنة peristent thymus gland في اسفل القلب بحيث ان أي إرهاق جسدي او معنوي تتعرض له قد يعرض حياتها للخطر كما جرى معها. و قد جاء في التوجيهات التي وجهها القاضي ريدلي رئيس المحكمة إلى هيئة المحلفين ان القتل يمكن ان يقع نتيجة الترويع و التهديد بالعنف مثلاً و ان كون المجني عليها مصابة بالغدة السعترية لا عبرة له سواء كان الجاني يعلم به أم لم يكن, ما دام فعل الاعتداء الذي قام به الفاعل كان سبب موت المجني عليها او انه عجّل في حصول هذا الموت. و جاءت نتيجة المحاكمة بمعاقبة الفاعل على جريمة قتل غير مقصود.

و كذلك يناقش الفقيه الانكليزي ستيفن Stephen هذا النوع من القتل و يقدم عدداً من الأمثلة يوازن فيها بين الوسائل المادية و غير المادية في ارتكاب جرائم القتل فيقول: لنفرض ان شخصاً أراد تعذيب آخر و قتله بحرمانه من النوم حتى أدى ذلك إلى وفاته. فما المانع من اعتبار هذه الواقعة جريمة قتل و اعتبار فاعلها قاتلاً؟

او لنفرض ان شيخاً مصاباً بضعف في القلب و يود احد ورثته من الطامعين ان يعجل في وفاته , فألقى عليه نبأ مفجع بقصد قتله, فأصيب الشيخ بسكتة قلبية و مات, أفليس في هذا جريمة قتل؟ او هل لو استخدم الجاني من اجل قتل المجني عليه وسيلة مادية أخرى . أولم يكن يحصل على نفس النتيجة؟

القتل بوسائل غير مادية في سوريا و الدول العربية التي تسير على نهجها:

إليكم بعض النصوص القانونية لبعض التشريعات العربية

المادة 533 من قانون العقوبات السوري:

“من قتل أنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة سنة إلى عشرين سنة.”

و هذا نص مادة (149): من قانون الجزاء الكويتي

“من قتل نفسا عمدا يعاقب بالحبس المؤبد، ويجوز أن تضاف إليه غرامة لا تجاوز خمسة عشر ألف روبية.”

قانون العقوبات الأردني المؤقت رقم (33) للعام 2002

المادة (326) :

“من قتل إنساناً قصداً عوقب بالأشغال الشاقة خمس عشرة سنة .”

نلاحظ من نصوص هذه المواد إن كل التشريعات العربية قد نصت على عقوبة القتل و لم تتصدى أي منهم على تحديد الوسيلة التي يمكن ان يقع فيها هذا القتل, و يستفاد من تلك النصوص انه ليس هناك ما يمنع قانوناً ان يقع القتل بأي وسيلة كانت سواء مادية أم معنوية , و عن ارتكاب جريمة القتل بوسائل غير مادية لا يمنع أو يقطع علاقة السببية بين الفعل و النتيجة بخلاف ما اتجه إليه بعض الفقهاء الفرنسيين الذين كان لهم اتجاه مخالف سنسعى على ذكره في الفقرة التالية, هذا وقد أيد الموقف الفرنسي بعض الفقهاء العرب مع الاختلاف فيما بينهم في درجة التأييد أو مساره

الوسائل الغير مادية في فرنسا: احد اكبر الفقهاء الفرنسيين روتر Rauter كان يرى بإمكانية قيام القتل بوسائل غير مادية كوسائل التعذيب و عنصر المفاجئة و البغت أو وسائل الإرهاب النفسي. فالذي ينزل في ولده او زوجه شتى أنواع التعذيب و الهم و الغم و يهد مصيرهم حتى يصل بهم على الموت , فهو مجرم شديد الإجرام لا يختلف في حاله عمن يذيق خصمه جرعات متتابعة من السم قد تصل فيه إلى الوفاة.

بيد إن الرأي السائد في فرنسا لم يسر على هذا الحال فاستقر الفقه عندهم على ان مثل هذه الوسائل المعنوية لا يمكن أن تكون الركن المادي في جرائم القتل, و حجتهم في ذلك انه يصعب او يكاد يستحيل في مثل هذه الأساليب أن يتم إثبات علاقة السببية (رابطة السببية) بين الوسيلة الغير مادية و التي تشكل عنصر الفعل و بين النتيجة الجرمية و التي هي الوفاة. و إن في حال فقدان رابطة السببية كعنصر ثالث من عناصر الركن المادي سيقود بلا شك إلى فقدان الركن المادي بكامله و بالتالي عدم قيام الجريمة. و الفقه الفرنسي مجمع انه لم يحدث حتى الآن أن أقيمت دعوى قتل في مثل هذا النوع من القتل او على فاعل استخدم هذا النوع من الأساليب الغير مادية في تحقيق فعلته. و لذلك يرى الفقهاء الفرنسيون انه لا يمكن أن تقع جريمة القتل بوسائل غير مادية و إنما جريمة القتل دوماً تتحقق بوسائل مادية بحته. و يؤيدهم في ذلك عدد من الفقهاء المصريين

و لعلنا نجد إن الفقهاء الفرنسيون و من سار على دربهم لا يجادلون في إمكانية وقوع القتل بوسائل غير مادية , فهم يقرون في ذلك و لا ينكرونه و يؤكدون على ان القانون لم يشترط قيام الركن المادي لجريمة القتل بوسائل مادية فقط و إنما هم يجادلون في إمكانية قيام العلاقة السببية بين الفعل غير المادي و بين النتيجة الجرمية و التي هي الوفاة.

و السبب الذي يدفع الفقهاء الفرنسيون إلى تبني هذا الرأي هو إن التشريع الفرنسي يشدد كثيراً على قيام رابطة السببية و يتطلب ان يكون فعل الفاعل هو السبب المباشر و الحتمي للنتيجة الحاصلة, أي انه لو قام شخصاً بإطلاق النار على آخر بقصد قتله فكان بالقرب منهم شخص ثالث أفزعه صوت النار و دب فيه الرعب و مات فلا يعتبر الفعل (الذي أطلق النار) مسئولاً في نظرهم عن وفاة هذا الشخص الثالث و يعود ذلك انه لا يوجد رابطة سببية مباشرة و حتمية بين إطلاق النار و بين حصول الوفاة بالنسبة لهذا الشخص الثالث. و لا شك ان مثل هذا التبرير و التشدد في رابطة السببية ليس لها ما يبرره و هو يحتاج للكثير من النقاش و لا يمكن التسليم به في معظم الحالات.

أركان الجريمة و عناصرها


أركان الجريمة و عناصرها

في الحقيقة إن أحكام القسم الخاص من قانون العقوبات تختلف عن احكام القسم العام اختلافاً كبيراً.فبينما القسم العام يتناول مبادئ و أحكام عامة و شاملة تتصف بالثبات و الديمومة. تجد إن القسم الخاص يتناول القانون كل جريمة على حدة , فيحدد شرائطها و أركانها و ظروفها و قواعدها الخاصة بها دون سواها.

و على هذا الأساس فإن كل نص من نصوص القسم الخاص في القانون الجزائي فإنه في الحقيقة يفصح عن أمور ثلاثة:

الأمر الأول: نوع الحق الذي يريد الشارع حمايته أو طبيعة المصلحة التي يراها الشرع جديرة بالحماية.

الأمر الثاني: نمط السلوك البشري الذي يراه الشارع مضرّا بهذا الحق أو مضرا بالمصلحة التي يريد الشارع حمايتها.

الأمر الثالث: الجزاء الذي يفرضه المشرع على من يقدم على الاعتداء على هذا الحق أو المصلحة, و يطلق على ذلك الاعتداء أو الفعل الضار اسم (الجريمة).

و على هذا فإن كل تحليل علمي دقيق لأي نص من نصوص القسم الخاص من قانون العقوبات يستلزم ما يلي:

أولاً: أن يبحث الباحث عن ماهية الحق الذي هو محل (موضوع) الجريمة, أي الحق الذي استهدفه الاعتداء. فمحل الاعتداء مثلاً في جريمة القتل هو حق الحياة , و ينصب الفعل المكون لجريمة القتل على الجسم الإنساني الحي. و محل جريمة السرقة هو حق الملكية, و فعل الاعتداء في هذه الجريمة يستهدف المال المنقول الذي يملكه الغير. و هكذا.

ثانياً: أن يُعنى الباحث بتحديد اركان الجريمة و عناصرها. و قد درج الفقه الجزائي على ان يجعل للجريمة ثلاث اركان:

الركن القانوني و هو النص على الجريمة و عقابها, أي أن ينص المشرع على ذكر الجريمة في قانون العقوبات و يجرمها و يحدد عقوبتها.

الركن المادي و هو الفعل الجرمي, او الواقعة الإجرامية , او هو الاعتداء المادي الذي ينصب على الشيء المحمي بالقانون. و هذا هو الجانب الموضوعي للجريمة.

الركن المعنوي و يتجلى في حرية الإرادة في اختيار ارتكاب الجريمة من عدمها. و هذا هو الجانب الذاتي للجريمة.

و قد حاول بعض الفقهاء ان يضيف ركناً رابعا سموه (ركن البغي) و معناه أن لا يكون الفعل الذي يشكل الاعتداء على الحق , أي الفعل المعاقب عليه ان لا يكون قد تم اقترافه في معرض ممارسة واجب او في سبيل استعمال الحق.

و من اجل تحديد اركان كل جريمة تحديدا دقيقا يجب دراسة هذه الاركان

فالركن القانوني: يعتبر تواجده في كل جريمة امراً بديهياً, فمن غير المتخيل وجود جريمة من غير ركن قانوني (أي نص يجرمها) فتحديد هذا الركن سهل و لا يثير أي صعوبة , فمتى توافر فعل الاعتداء نبحث عن نص قانوني يجرمه . فإذا توافر هذا النص جرمنا الفعل, و في حال عدم توافره نزيل عن الفعل صفة الجريمة تطبيقاً لقاعدة لا جريمة و لا عقوبة من دون نص.

أما ركن البغي: فيتوفر هذا الركن إذا لم يكن هناك أي سبب من أسباب التبرير او أسباب الإباحة كما يطلق عليها الفقهاء المصريون. فأسباب الإباحة هي التي تبيح للشخص ارتكاب فعل الاعتداء دون ان تعطي لهذا الاعتداء صفة الجريمة , فيغدو الفعل مبرراً و مباحاً, فالقتل دفاعاً عن النفس لا يعد جريمة, و كذلك الضرب التأديبي الذي ينزله الآباء بأولادهم لا يعد اعتداءا يجرمه القانون, طالما إن هذا الضرب ضمن حدود العرف و المنطق. و كذلك أعمال العنف التي تقع أثناء المباريات الرياضية إذا روعيت شروط و قواعد اللعبة, و العمليات الجراحية لا تعد اعتداءا على الجسد طالما ان هذه العملية قد تمت حسب اصول الفن و المهنة. ففي كل هذه الحالات لا يعد ركن البغي موجوداً و بالتالي تفقد الجريمة أحد أركانها و يمتنع العقاب على فاعلها.

نقد: يرى بعض الفقهاء إن الركن القانوني و ركن البغي لا يعدون ركناً من اركان الجريمة, و يعللون قولهم في ذلك إن القانون هو الذي يخلق الجريمة و يصنعها , فالقانون هو الخالق و الجريمة هي المخلوق , فلا يجوز أن يكون الخالق ركناً أو عنصرا من عناصر المخلوق, و لعل رأيهم على صواب, فطالما نحن نتحدث عن ركن من اركان الجريمة ,فإذاً هناك جريمة , فمن البديهي أن يكون هناك قانون قد أوجدها و نص عليها , و إذا لم يكن هناك قانون ينص على الفعل و يجرمه , فهذا يعني إنه ليس هناك جريمة و بالتالي من غير المجدي ان نبحث عن اركان فعل لا يعتبر جريمة , و لهذا الأمر لا يمكن ان نعتبر النص القانوني ركناً من اركان جريمة هو قد خلقها, و ينطبق نفس الأمر على أسباب التبرير, فإذا وجدت أسباب التبرير فليس هناك جريمة , و بالتالي من غير المنطقي أن نقول بعدم توافر ركن البغي في فعل ما طالما أنه لا يعتبر جريمة في حال توافر أسباب التبرير أو أسباب الإباحة.

و لعلنا الآن أدركنا انه لأركان الجريمة ركنين أساسيين

فالفعل الذي نص عليه القانون على انه فعل اعتداء مجرم و يعتبر جريمة و ليس هناك ما يبرره أو يبيحه . فنصبح هنا أمام جريمة يتضمنها ركنين أساسيين و هما الركن المادي و الركن المعنوي.

فبعد ان حددنا ركني الجريمة الأساسيين فلنبحث في الركن المادي أولاً.

الركن المادي للجريمة:

يقوم الركن المادي للجريمة على ثلاث عناصر و هي:

  1. الفعل و هو النشاط الجرمي أو السلوك الإجرامي.
  2. النتيجة و هي النتيجة الضارة التي تنجم عن هذا الفعل
  3. علاقة السببية و هي العلاقة التي تربط بين ذاك الفعل و بين تلك النتيجة.

فلكل ركن مادي ثلاثة عناصر هي الفعل و النتيجة و العلاقة السببية.

الفعل: و قد يكون إيجابياً او سلبياً, فهو ايجابي إذا قام الشخص بحركات جسدية معينة لإحداث أثر معين. كأن يمد الشخص يديه ليستولي على المال , او يستخدم زراعيه و قدميه في ضرب الآخرين, او يستخدم أصابعه في التزوير او فمه و لسانه في السب و القدح و التحقير أو إفشاء الأسرار الممنوعة. او يستخدم لسانه في تحريض الآخرين على ارتكاب الجرائم , حيث ان التحريض يعتبر جريمة .

كل هذه الحالات التي ذكرناها تعتبر نشاط ايجابي يشكل الفعل كعنصر من عناصر الركن المادي .. و لكن السؤال هنا هو كيف يكون النشاط السلبي عنصرا من عناصر الفعل .. أي كيف يمكن ان ترتب الجريمة بفعل سلبي طالما ان النشاط الإيجابي هو القيام بحركات معينة بينما النشاط السلبي هو عدم القيام بأي حركات تحدث أثراً في المحيط.

يكون ذلك بالامتناع عن القيام بفعل قد فرضه القانون تحت طائلة العقاب, كالامتناع عن دفع النفقة للزوجة , أو الامتناع عن الإخبار او تبليغ السلطات عن الجرائم و المجرمين,او الامتناع عن قبول التعامل بالعملة الوطنية, او الامتناع عن اسعاف او اطعام شخص يشرف على الهلاك بقصد قتله و تركه يموت. كل هذه الأفعال تعتبر نشاطا سلبيا يفضي إلى جريمة.

النتيجة: النتيجة هي غير الفعل, و هي منفصلة عنه. و ذلك لأن الفعل المجرّم هو النشاط الذي يصدر عن الفاعل, بينما النتيجة هي الأثر الذي يحدثه ذلك النشاط في العالم الخارجي.فإطلاق النار مثلاً هو الفعل, و موت الضحية هي النتيجة لذلك الفعل.

و لا تكون الجريمة تامة إلا إذا حصلت النتيجة,فالنتيجة إذا هي شرط في كل جريمة تامة.و الشرع في أكثر الجرائم يستلزم أن تقع نتيجة ضارة بشكل فعلي كما هي الحال في جرائم القتل و السرقة و الاغتصاب. و تدعي هذه الجرائم (جرائم الضرر) و في بعضها الآخر يكتفي المشرع باحتمال حدوث الضرر دون أن يقع فعلاً كما في جرائم حمل سلاح من غير ترخيص و المؤامرة و التحريض على ارتكاب الجرائم و يدعى هذا النوع من الجرائم ب (جرائم التعريض للخطر).و أخيرا غني عن البينان إن من هذه الجرائم ما يكون له وجود مادي محسوس كالموت في جريمة القتل و منها له وجود معنوي غير محسوس سنبحثه لاحقاً.

علاقة السببية: لا يكفي لقيام الجريمة أن يكون هناك فعل و نتيجة ضارة لهذا الفعل , و إنما يجب أن يكون هناك علاقة سببية تربط بين هذا الفعل و تلك النتيجة. فيجب ان يتصل الفعل بالنتيجة صلة العلة بالمعلول و المسبب بالسبب, و ذلك كي يتحمل الفاعل عبء النتيجة التي أفضى إليها فعله. و إذا لم يتوافر عنصر السببية فلا يكتمل الركن المادي للفعل. و تكون العلاقة السببية بين الفعل و النتيجة متوفرة متى كان هذا الفعل صالحاً – في الظروف التي ارتكب فيها- لإحداث تلك النتيجة وفقاً لمجرى الأمور العادي.

و قد نص قانون العقوبات السوري في المادة 203 على ((ان الصلة السببية بين الفعل و عدم الفعل من جهة و بين النتيجة الجرمية من جهة ثانية لا ينفيها اجتماع عدة أسباب اخرى سابقة او مقارنة او لاحقة سواء جهلها الفاعل او كانت مستقلة عن فعله. و يختلف الأمر إذا كان السبب اللاحق مستقلاً و كافياً بذاته لاحداث النتيجة الجرمية. ولا يكون الفاعل في هذه الحالة عرضة إلا لعقوبة الفعل الذي ارتكبه)). من الواضح من هذا النص إن المشرع السوري قد أخذ أحكام هذه المادة من المادة 41 من قانون العقوبات الإيطالي.

و من تلك المادة نجد ان علاقة السببية كي تعتبر متوفرة لا يشترط ان تكون في الجرائم المقصودة فقط و انما يجب توفرها في الجرائم المقصودة و غير المقصودة, فهي لا غنى عن توفرها في القتل قصداً و القتل عن طريق الخطأ.

الركن المعنوي للجريمة:

إذا كان الركن المادي للجريمة يمثل الجانب الموضوعي و يعبر عن النشاط المادي للفاعل , فإن الركن المعنوي يمثل الجانب الذاتي للجريمة و يعبر عن الصلة بين النشاط الذهني للفاعل و بين نشاطه المادي.

و الركن المعنوي يعد متوفراً متى صدر الفعل عن إرادة آثمة. و على ذلك فإن دراسة الركن المعنوي يعبر عن دراسة العلاقة بين إرادة الفاعل من جهة و بين الفعل الذي ارتكبه و النتيجة التي افضت اليه فعله من جهة ثانية. ففي بعض الجرائم قد تنصرف إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل و إحداث النتيجة الضارة كمن يطلق النار على انسان بقصد قتله , و هنا الركن المعنوي يأخذ صورة القصد الجرمي, و تعتبر الجريمة “جريمة مقصودة”. و احيانا قد تنصرف إرادة الفاعل إلى ارتكاب الفعل فقط دون ان يقصد حدوث النتيجة الضارة التي حصلت عن فعله , و هنا يأخذ الركن المعنوي صورة الخطأ و تكون الجريمة هنا جريمة غير مقصودة.

و بذلك نكون انتهينا من وضع خطوط عريضة عن اركان الجريمة و عناصرها و سيكون لنا لقاء بإذن الله ببحث مفصل عن كل ركن و عنصر

هذا البحث مستسقى من كتاب الدكتور العالم محمد الفاضل رحمه الله (الجرائم الواقعة على الأشخاص) الطبعة الثالثة .

mardi 25 mars 2008

مفهوم الإرهاب

لا توجد كلمة أكثر إثارة للجدل واستخداما في مختلف وسائل الإعلام العالمية منذ الحادي عشر من سبتمبر الماضي مثل
كلمة "إرهابTerrorism।
ورغم هذا الاستعمال الواسع النطاق للكلمة فإنه ليس هناك أدنى اتفاق حول التعريف الدقيق والمحدد والمقبول من كافة الدول والجماعات والشعوب لمفهوم مصطلح
الإرهاب

تحاول هذه الورقة أن تبحث عن أصل المصطلح وتطور مفهومه من خلال التركيز على معالجة النقاط الخمس التالية:

أولاً:الإرهاب في اللغة.

ثانياً:الإرهاب في الثقافة الغربية.

ثالثاً: الإرهاب وعلاقته بالإسلام.

رابعا : الإرهاب.. تعريفه وأنماطه.

خامساً:الإرهاب والمقاومة
.

أولا : الإرهاب في اللغة

تشتق كلمة "إرهاب" من الفعل المزيد (أرهب) ؛ ويقال أرهب فلانا: أي خوَّفه وفزَّعه، وهو نفس المعنى الذي يدل عليه الفعل المضعف (رَهّبَ) . أما الفعل المجرد من نفس المادة وهو (رَهِبَ)، يَرْهبُ رَهْبَةً ورَهْبًا ورَهَبًا فيعني خاف، فيقال رَهِبَ الشيء رهبا ورهبة أي خافه . أما الفعل المزيد بالتاء وهو (تَرَهَّبَ) فيعني انقطع للعبادة في صومعته، ويشتق منه الراهب والراهبة والرهينة والرهبانية … إلخ، وكذلك يستعمل الفعل ترهب بمعنى توعد إذا كان متعديا فيقال ترهب فلانا : أي توعده . وكذلك تستعمل اللغة العربية صيغة استفعل من نفس المادة فتقول (استرهب) فلانا أي رَهَّبَه .

ويلاحظ أن القرآن الكريم لم يستعمل مصطلح "الإرهاب" بهذه الصيغة، وإنما اقتصر على استعمال صيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية، بعضها يدل على الإرهاب والخوف والفزع، والبعض الآخر يدل على الرهبنة والتعبد، حيث وردت مشتقات المادة (رهب) سبع مرات في مواضع مختلفة في الذكر الحكيم لتدل على معنى الخوف والفزع كالتالي :

- (يَرْهَبُون) : "وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ". [الأعراف : 154 ]

- (فارْهبُون) : " وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" [البقرة : 40]. "إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ" [النحل : 51]

- (تُرهِبُونَ): "تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ"[الأنفال : 60]

- (اسَتْرهَبُوهُم) : "وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ" . [الأعراف : 116]

- (رَهْبَةً) : "لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ" [الحشر : 13]

- (رَهَبًا) : " وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ" [الأنبياء : 90]

بينما وردت مشتقات نفس المادة (رهب) خمس مرات في مواضع مختلفة لتدل على الرهبنة والتعبد كالتالي :

ورد لفظ (الرهبان) في سورة [التوبة : 34]، كما ورد لفظ (رهبانا) في [المائدة : 82]، ولفظ (رهبانهم) في [التوبة : 31] وأخيرا (رهبانية) في [الحديد :27].

بينما لم ترد مشتقات مادة (رهب) كثيرا في الحديث النبوي ولعل أشهر ما ورد هو لفظ (رهبة) في حديث الدعاء : "رغبة ورهبة إليك" . ويلاحظ أيضا أن القرآن والحديث قد اشتملا على بعض الكلمات التي تتضمن الإرهاب والعنف، بمعنى استخدام القوة أو التهديد لتحقيق أهداف معينة، ومن هذه المفاهيم : العقاب والقتل والبغي والعدوان والجهاد… إلخ.

ثانيا : الإرهاب في الثقافة الغربية

تتكون كلمة "إرهاب" في اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسمTerror بمعنى فزع ورعب وهول، كما يستعمل منها الفعل Terrorize بمعنى يرهب ويفزع .

ويرجع استخدام مصطلح Terrorism في الثقافة الغربية تاريخيا للدلالة على نوع الحكم الذي لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية في عامي [1973 – 1974] ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة. وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التي يطلق عليها Reign of Terror اعتقال ما يزيد عن 300 ألف مشتبه وإعدام حوالي 17 ألفا، بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة.

وإن كان هناك من يرجع بالمصطلح والمفهوم إلى أقدم من هذا التاريخ كثيرا، حيث يفترض أن الإرهاب حدث ويحدث على مدار التاريخ الإنساني وفى جميع أنحاء العالم. وقد كتب المؤرخ الإغريقي زينوفون Xenophon ( 430 – 349 ق.م ) - في سياق الثقافة الغربية – عن المؤثرات النفسية للحرب والإرهاب على الشعوب.

وقد استخدم حكام رومان من أمثال Tiberius ( 14-37م )،Caligula (37-41م) العنف ومصادرة الممتلكات والإعدام كوسائل لإخضاع المعارضين لحكمهما. ولعل محاكم التفتيش التي قام بها الأسبان ضد الأقليات الدينية (المسلمين أساسا) أهم محطات الإرهاب الرئيسية في تاريخ الثقافة الغربية .

وقد تبنت بعض الدول الإرهاب كجزء من الخطة السياسية للدولة مثل دولة هتلر النازية في ألمانيا، وحكم ستالين في الاتحاد السوفيتي آنذاك، حيث تمت ممارسة إرهاب الدولة تحت غطاء أيديولوجي لتحقيق مآرب سياسية واقتصادية وثقافية.

واعتبرت منظمات وجماعات مثل جماعة "بادر ماينهوف" الألمانية، ومنظمة "الألوية الحمراء" الإيطالية، والجيش الأحمر الياباني، والجيش الجمهوري الأيرلندي، والدرب المضيء البيروية، ومنظمة "إيتا" الباسكية، ومنظمات فلسطينية في مقدمتها فتح.. اعتُبرت من أشهر المنظمات الإرهابية في تاريخ القرن العشرين من منظور غربي. ويضاف إليها في السنوات الأخيرة العديد من المنظمات الإسلامية، على رأسها بالطبع تنظيم القاعدة.

ثالثا : الإرهاب وعلاقته بالإسلام

شهدت أغلب الدول الإسلامية، وبصفة خاصة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، تنامي وبروز ظاهرة الإحياء الإسلامي أو الصحوة الإسلامية، وهي ليست بالظاهرة الحديثة أو الجديدة، بل يمكن تتبع جذورها وامتداداتها عبر التاريخ الإسلامي بخبراته ومراحله المختلفة، واتخذت هذه الظاهرة صورا وأشكالا متعددة، ثقافية وفكرية، اقتصادية واجتماعية، سياسية وسلوكية.

وقد تضمنت الكتابات والدراسات التي تناولت هذه الظاهرة مجموعة ضخمة من المصطلحات لتعريفها، منها على سبيل المثال: الإسلام السياسي Political Islam ويقصد به توظيف الإسلام لتحقيق أهداف سياسية، والإسلام التقدمي Progressive Islam وهو الذي يتضمن تطبيق الاشتراكية ولا يتعارض مع التحديث، والإسلام الشعبي أو الجماهيري Popular Islam والإسلام التقليدي Traditional Islam وهو الذي يتعارض مع العلمانية والتحديث، وإسلام الصحوة Resurgence Islam والإحياء الإسلامي Islamic Revival والأصولية الإسلامية Islamic Fundamentalism وغيرها.

ولكن يلاحظ أن هناك من استخدم في تعريف ظاهرة الإحياء هذه مصطلحات ومفاهيم تربط بين الإسلام وأنماط من العنف والإرهاب مثل: الإسلام الثوري Revolutionary Islam والإسلام الراديكالي Radical Islam والإسلام من أعلى Islam from Top والإسلام المتشدد Rigidified Islam والإسلام المسلّحMilitant Islam والعنف الإسلامي Islamic Violence وأخيرا الإرهاب الإسلاميIslamic Terrorism.

وقد برز أول تطبيق فعلي للعنف واستخدام القوى في إطار الصحوة الإسلامية الحديثة في مصر عام 1974 فيما عرف فيما ذاك بـ"تنظيم الفنية العسكرية" بقيادة الفلسطيني صالح سرية، ثم تعاقبت بعد ذلك الجماعات والتنظيمات التي تستخدم العنف كوسيلة لتحقيق مآرب سياسية.

استخدمت بعض فصائل الصحوة الإسلامية العنف السياسي كوسيلة للتغيير في بلدانها، كما في حالة جماعتي الجهاد والإسلامية في مصر، وفرع جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وحزب التحرير في الأردن، بينما استخدمت جماعات أخرى القوة بعد فشل تجربتها في الوصول إلى الحكم من خلال صناديق الاقتراع والديمقراطية كما في حالة جبهة الإنقاذ في الجزائر، بينما استطاعت حركات وفصائل الوصول إلى السلطة بالفعل باستخدام القوة أو الجيش كما في حالة السودان، وشارك فصيل إسلامي مع الجماهير في سياق ثورة شعبية في إيران.

وتستخدم فصائل وجماعات تنتمي إلى الإسلام كمرجعية سياسية القوة في مقاومة الاحتلال كما في حالة حماس والجهاد في فلسطين، وحزب الله في جنوب لبنان، ومجاهدي كشمير في الهند، ومسلمي الشيشان ضد الروس، ومن قبلهم المجاهدون الأفغان في الثمانينيات.

كما يلاحظ استخدام جماعات أخرى للعنف والقوة في سياق جماعات سياسية مختلفة على السلطة كما في حالة حزب الإصلاح اليمني، والفصيل الإسلامي في الصومال، والفصائل الأفغانية بعد رحيل السوفيت. ويضاف إلى ما سبق جماعات ومنظمات تستخدم ما يطلق عليه "الإرهاب الدولي" مثل تنظيم القاعدة والجهاد المصرية في الخارج. وهي منظمات تستهدف المصالح الغربية والأمريكية خاصة في شتى أنحاء العالم.

نخلص مما سبق أن بعض مصادر الحركة الإسلامية قد استخدمت القوة والعنف السياسي لتحقيق مآرب سياسية مختلفة، بعض منها غير مشروع وهو ما جعل ثمة علاقة للربط بين الإرهاب والصحوة الإسلامية. لكن السبب الرئيسي في إحداث هذا الربط يرجع إلى ما يطلق عليه "الإرهاب الدولي" من قبل بعض المنظمات التي تنتمي للحركة الإسلامية بمفهومها الشامل، والموجهة غالبا ضد الولايات المتحدة التي تعدّ منذ عام 1986 تقريرا لتصنيف المنظمات الإرهابية في العالم، وبالطبع فإن أغلبها منظمات عربية وإسلامية.

رابعا : الإرهاب.. تعريفه وأنماطه

لم يلق أي تعريف للإرهاب قبولا من الجميع كما ذكرنا، وقد أجرى ألكس شميد Schmid في كتابه عن الإرهاب السياسي (1983) استبيانا على مائة من الدارسين والخبراء في هذا المجال لتحديد مفهوم الإرهاب. توصلت نتائج الاستبيان إلى وجود عناصر مشتركة في تعريفات عينة المدروسين المائة، وهي:

- الإرهاب هو مفهوم مجرد بلا كنه محدد.

- التعريف المفرد لا يمكن أن يحصي الاستخدامات الممكنة للمصطلح.

- يشترك العديد من مختلف التعريفات في عناصر مشتركة.

- معنى الإرهاب ينحصر عادة بين هدف وضحية.

ويؤكد جوناثان وايت (1991) في مدخله عن الإرهاب على ضرورة عدم اكتفاء فهمنا من خلال مداخل سياسية، بل إن علم الاجتماع في غاية الأهمية في هذا السياق. ويؤكد على عدم وجود تعريف واحد لمفهوم الإرهاب؛ ولذلك فقد اقترح أن يعرف الإرهاب من خلال أنماط مختلفة للتعريف:

- نمط التعريف البسيط والعادي للإرهاب، ويعني عنفا أو تهديدا يهدف إلى خلق خوف أو تغيير سلوكي.

- النمط القانوني لتعريف الإرهاب، ويعني عنفا إجراميا ينتهك القانون ويستلزم عقاب الدولة.

- التعريف التحليلي للإرهاب، ويعني عوامل سياسية واجتماعية معينة تقف وراء كل سلوك إرهابي.

- تعريف رعاية الدولة للإرهاب، ويعني الإرهاب عن طريق جماعات تُستخدم بواسطة دول للهجوم على دول أخرى.

- نمط إرهاب الدولة، ويعني استخدام سلطة الدولة لإرهاب مواطنيها.

الإرهاب الدولي والعنف السياسي الداخلي

يعرّف الإرهاب الدولي بأنه نوع من العنف غير المبرر وغير المشروع بالمقياسين الأخلاقي والقانوني الذي يتخطى الحدود السياسية، ويختلف الإرهاب عن ممارسة العنف السياسي الداخلي التي قد تنتهجها بعض القوى الثائرة أو الحركات المتمردة داخل الدولة الواحدة للنيل من السلطة الشرعية القائمة.

والإرهاب الدولي عادة ما يصطبغ بالصبغة السياسية كما أن الجماعات التي تمارسه هي في الغالب جماعات غير حكومية، وإن كان هذا في ذاته لا يمثل حائلا بينها وبين الحصول على التشجيع المادي والمعنوي لبعض الدول والحكومات.

وبعيدا عن الأسباب التي تساعد على انتشار الإرهاب الدولي فقد طرأت في الحقبة الأخيرة مستجدات عديدة زادت كثيرا من أخطاره ومضاعفاته الدولية، منها على سبيل المثال: ضلوع العديد من الدول والحكومات وتواطؤها مع منظمات الإرهاب الدولي، والتكاثر السرطاني لخلايا وشبكات الإرهاب الدولي، وقد وصل البعض بعددها إلى ثلاثمائة وثمانين منظمة منتشرة في أكثر من ستين دولة، والتقدم التكنولوجي الكبير الذي استفادت منه هذه المنظمات في نطاق الاتصالات وجمع المعلومات والتزود بمعدات فنية متطورة.

خامسا : الإرهاب والمقاومة المشروعة

ربما كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال هو السبب الرئيسي لعدم وجود اتفاق يذكر حول مفهوم وتعريف الإرهاب، فقد دأب الخطاب الغربي [الأمريكي أساسا] على وصم حركات المقاومة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وجنوب لبنان بصفة الإرهاب. ولا تزال منظمات مثل حزب الله والجهاد والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وغيرها مصنفة في تقارير وزارة الخارجية الأمريكية بوصفها منظمات إرهابية في ظل التغاضي عن أبشع الممارسات الإرهابية التي يقوم بها الكيان الصهيوني.

خلاصـــــة

نخلص من العرض السابق إلى التأكيد على نقاط أساسية لفهم أزمة تحرير مضمون مصطلح "الإرهاب"، وهي:

- عدم وجود تعريف موحد للإرهاب يرجع إلى فرض التعريف الغربي البرجماتي والمتغير على شعوب ودول العالم. وأن تعريف الإرهاب ليس من حق دولة أو ثقافة بعينها.

- للتوصل إلى تعريف حقيقي للإرهاب يجب أن يحتوي مفهومه على كافة أنماط الإرهاب، بما فيها إرهاب القوى العظمى وإرهاب الدولة والحصار والإرهاب الاقتصادي والإرهاب الثقافي… إلخ .

- ظاهرة الإرهاب غير مقصورة على المنتمين إلى حركات وفصائل إسلامية، وفي هذا السياق لا تفرق الولايات المتحدة بين المنظمات الفلسطينية الإسلامية والقومية والشيوعية، فجميعها في نظر الولايات المتحدة منظمات إرهابية.

- الجدل المثار بقوة حول تعريف ظاهرة الإرهاب فرصة لإعادة النظر في تحرير مضامين المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في ثقافتنا المعاصرة والتي تتسم غالبا بالفوضى


--------------------------------------------------------------------------------

المراجع

- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. دار الشعب، القاهرة .

- لسان العرب لابن منظور، الجزء الثالث، مادة (رهب).

- المعجم الوسيط، الجزء الأول، مادة (رهب).

- الموسوعة السياسية، الكويت.

- الموسوعة البريطانية Encyclopedia Britannica .

- توفيق حسنين: ظاهرة الإحياء الإسلامي، مركز الدراسات الحضارية، القاهرة.

- حسن حنفي: ثقافة المقاومة، مجلة وجهات نظر، عدد أكتوبر 2001.

mercredi 12 mars 2008

الاشتراك الجرمي


الاشتراك الجرمي La coparticipation délictuelle هو ارتكاب جريمة[ر. الجريمة] من قبل عدة أشخاص، قد يكون التقاؤهم على مسرحها مجرد مصادفة، أو قد يعقدون بينهم اتفاقاً، بعد مداولة وتقليب رأي، ينطلقون بعدئذ مجتمعين أو متفرقين، إلى ارتكابها. والأصل أن تكون الجريمة من فعل شخص واحد، ذلك أن كل من يقارف جريمة يحرص على أن لا يطلع عليها أحد، خشية افتضاح أمره، فإذا وقع في يد العدالة، نظرت المحكمة المختصة في التهمة والأدلة، فإن قنعت بجرميته عاقبته، وإن لم تقنع بها قضت ببراءته. ويمكن تصنيف حالات تعدد المجرمين في ثلاث زمر: الجرائم العفوية، الاتفاقات الجنائية، الاشتراك الجرمي.
الجرائم العفوية
قد يرتكب عدة أشخاص جريمة واحدة، في وقت واحد، من دون أن يكون أي منهم على معرفة سابقة بنية الآخرين أو وجودهم. ومثلها أن يدخل عدة لصوص بستاناً أو داراً، من دون أن يكون ثمة اتفاق بينهم، ويسرق كل واحد لحساب نفسه.
وفي هذه الحال يكون كل واحد مرتكباً جريمة مستقلة ويحاسب عليها منفرداً.
وتصادف الجرائم العفوية أيضاً في الجرائم التي يرتكبها «الجمهور» المهتاج. ويؤكد العلماء الذين درسوا نفسية الجمهور في مسيراته، أن له نفسية مستقلة عن نفسية كل من الأفراد الذين يتكوّن منهم، وفي هذه الأحوال يترتب على المحكمة أن تتأكد بصورة يقينية من عمل كل شخص حتى تصح معاقبته عليه. وقد حرص قانون العقوبات السوري، تخوفاً من النفسية الاندفاعية للجمهور، على خنق الفتنة في مهدها، فمنع «تظاهرات الشغب» و«تجمعات الشغب».
الاتفاقات الجنائية
الاتفاق هو تلاقٍ إيجابي بين إرادتين أو أكثر على إجراء عمل. والاتفاق الجنائي يعني اتحاد إرادات عدة أشخاص على ارتكاب بعض الجرائم. وبسبب خطورته عاقب القانون على مجرد إبرامه، حتى ولو لم يرتكب المتفقون أية جريمة من تلك التي اتفقوا عليها؛ لأن القانون لا يعاقب عادة على مجرد النية أو اتخاذ قرار.
وعلى هذا الأساس عاقب المشرع السوري الجرائم التالية:
ـ المؤامرة: وهي اتفاق شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية ضد سلامة الدولة. وقد شجع القانون المتآمرين على التوبة وأعفاهم من العقاب، إذا أخبروا السلطات بما عزموا عليه قبل مباشرة التنفيذ؛ ولكن المحرِّض مستثنى من هذا العفو، بسبب خطره.
والأصل ألا يعاقب المتآمرون على مجرد التداول والتحدث في سوء الأوضاع العامة، لأن المعاقبة تشترط اتخاذ قرار بالعمل الجاد واستعراض الوسائل التي ستتخذ في التنفيذ.
ـ جمعيات الأشرار: وتتحقق في حالة اتفاق شخصين أو أكثر على «ارتكاب الجنايات على الناس أو على الأموال». والعقوبة العادية لهذا الاتفاق، هي الأشغال الشاقة المؤقتة. أما إذا كان هدف هذه الجمعية الاعتداء على حياة شخص، فإن العقوبة تصبح الأشغال الشاقة مدة لا تقل عن سبع سنوات.
ـ الجمعيات السرية: وهي جمعيات تتكون من دون موافقة الحكومة، لغايات يحرمها القانون. ويعاقب الأشخاص لمجرد الانتساب إليها، وتشدد عقوبة من يتولى فيها وظيفة إدارية أو تنفيذية.
ـ الجمعيات الفوضوية والإرهابية: وتنشأ بقصد تغيير كيان الدولة الدستوري أو الاقتصادي أو الاجتماعي باستعمال الوسائل الإرهابية، وهي الأفعال التي تحدث حالة ذعر. ومن هذه الوسائل الخطرة، المتفجرات والمواد الملتهبة والمنتجات السامة والعوامل الوبائية أو الجرثومية.
ويعاقب مجرد الانتساب إلى هذه الجمعيات، بالأشغال الشاقة من عشر إلى عشرين سنة. وإذا ارتكب أحد الأعضاء فعلاً إرهابياً عوقب بالأشغال الشاقة من خمس عشرة إلى عشرين سنة. وإذا مات أحد الأشخاص من جراء هذا الفعل الإرهابي، أو نتج عنه تخريب في بناء عام، أو مؤسسة أو سفينة أو في وسائل الاتصال أو المواصلات، عوقب الفاعل بالإعدام.
الاشتراك الجرمي
يقوم الاشتراك الجرمي بين شخصين أو أكثر، إذا اتفقوا على ارتكاب جريمة محددة بذاتها، والاتفاق شرط لتكوين الاشتراك، ومن دونه تدخل الجريمة في زمرة الجرائم العفوية. ولكن جريمة التخبئة، جريمة مستقلة، وهي تتحقق من دون الاتفاق.
وقد صنف قانون العقوبات السوري المسهمين في جريمة، في أربع زمر:
الفاعل الأصلي: وهو «من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو أسهم مباشرة في تنفيذها».
ويشمل هذا النص ثلاث فئات من المشتركين في الجريمة، ويعدون كلهم فاعلين أصليين.
تشمل الفئة الأولى الفاعلين الذين يرتكبون العمل المادي للجريمة. ومثلهم من يمسك بالسكين ويقطع بها عنق الضحية. وقد يحدث أن يكون الفاعلون الأصليون متعددين في جريمة واحدة، وذلك حين يتفق عدة أشخاص على قتل شخص، فيطلق كل واحد منهم النار عليه. فإذا قتل ولو برصاصة واحدة، فإنهم يعدون جميعاً قاتليه، ولو لم يعرف صاحب الرصاصة.
أما الفئة الثانية فهي فئة الشركاء، وهم الذين يسهمون إسهاماً مباشراً في تنفيذ الجريمة. ويدخل في هذه الفئة، من يتسلل إلى البيت مع السارق لحمل الأشياء المسروقة إلى الخارج، والذي يمنع الضحية من الحركة حتى يتمكن الفاعل الأصلي من قتله، وهؤلاء معاقبون بعقوبة الفاعلين الماديين نفسها.
أما الفئة الثالثة فهي فئة الفاعلين المعنويين (ويسمون أيضاً الفاعلين غير المباشرين). وهؤلاء يدفعون إلى ارتكاب الجريمة شخصاً غير مسؤول (كالمجنون) أو يستغلون شخصاً حسن النية لارتكابها (كمن يدس مخدراً في حقيبة مسافر من دون علمه أو بطريق تضليله).
ويعاقب الفاعل المعنوي كفاعل أصلي، ولا يعاقب الفاعل المادي لفقدان النية الجرمية.
المحرِّض: عرّف قانون العقوبات السوري المحرض بأنه «من حمل أو حاول أن يحمل شخصاً آخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب الجريمة».
وقد كان القانون السابق يعدّه متدخلاً. ولكن قانون العقوبات (الحالي) عده زمرة مستقلة، كرهاً به وتشديداً عليه، وعاقبه بعقوبة الجريمة التي حرَّض عليها، ولو لم يرتكب الشخص الذي حرَّضه الجريمة المذكورة. ومسلك الشارع في هذا التشديد عادل من حيث المبدأ، ذلك لأن المحرِّض في حقيقة الأمر عصب الجريمة وموجدها من عدم، فكان عدلاً أن يعاقب على نيته الشريرة، لأنه عمل كل ما في وسعه. أما إذا لم يرتكب المحرض الجريمة، فذلك ظرف مستقل عن إرادة المحرِّض.
ولم يحدد القانون طريقة التحريض، بل إنه أطلق النص فقال «بأي وسيلة كانت». وهذا الإطلاق يشمل الوعد بمبلغ من المال أو بهدية أو بمنفعة أو بمجرد الإقناع، أو حتى بمتعة جنسية.
المتدخل: جعل القانون المتدخلين على نوعين:
الأول هو المتدخل الذي لولا مساعدته ما ارتكبت الجريمة، وهو يعاقب بعقوبة الفاعل الأصلي نفسها. ومثله، بحسب الاجتهاد القضائي، الشخص الذي يراقب الطريق، حتى ينجز السارق الذي دخل البيت سرقته، والشخص الذي يسلم البندقية إلى القاتل ليقتل بها.
أما الثاني فهو المتدخل الذي قام بدور ثانوي قبل ارتكاب الجريمة، أو في أثناء ارتكابها أو بعده. وقد حدد القانون حالات التدخل فجعل منها: إعطاء الإرشادات وتقوية عزيمة الفاعل، وتسهيل ارتكابه الجريمة لمصلحة مادية أو معنوية ومساعدته أو معاونته على الأفعال التي هيأت الجريمة أو سهلت إنجازها، وإخفاء معالم الجريمة أو إخفاء أحد مرتكبيها، بموجب اتفاق، وأخيراً تقديم طعام أو ملجأ لأشرار يعرف طبيعة أعمالهم في قطع الطريق أو ارتكاب أعمال عنف ضد الدولة أو ضد الممتلكات.
ويتضح من هذا العرض أن منفعة الجريمة تعود بصورة مباشرة إلى الفاعل الأصلي والشريك، في حين أن منفعة المتدخل منفعة غير مباشرة أو ثانوية.
ولا يعاقب المتدخل إلا إذا تحققت ثلاثة شروط أساسية:
الشرط الأول هو أن يكون الفعل الذي تدخل فيه، جناية أو جنحة. لذلك لا عقوبة على التدخل في مخالفة، وقد يعاقب المتدخل، ولو لم يعاقب الفاعل الأصلي (كأن يكون هذا الأخير مجنوناً).
والشرط الثاني هو أن يكون بين الفاعل والمتدخل اتفاق على ارتكاب الجريمة. ولكن قد يحدث أن يرتكب الفاعل الجريمة بصورة تختلف عما تم الاتفاق عليه. وهنا ثلاثة احتمالات: الاحتمال الأول هو ألا يرتكب الفاعل الأصلي الجريمة، وعندئذ لا يعاقب الفاعل ولا المتدخل، والاحتمال الثاني هو أن يرتكب الفاعل الأصلي جريمة أخف من الجريمة التي اتفق عليها مع المتدخل. وفي هذه الحال يعاقب المتدخل بعقوبة الجريمة التي هي أخف، لأنه ـ كما هو معروف ـ يستعير جرميته من الفاعل الأصلي. فلو اتفقا على قتل شخص، فاكتفى الفاعل بسرقته، فإن المتدخل (كالفاعل) يعاقب على السرقة. أما الاحتمال الثالث فهو أن يرتكب الفاعل الأصلي جريمة أشد من الجريمة التي اتفقا عليها، فالآراء الفقهية مختلفة هنا، لكن محكمة النقض السورية، ذهبت إلى معاقبة المتدخل في حدود الاتفاق فقط. فلو اتفقا على أن يضرب الفاعل شخصاً، ولكنه قتله بسبب مقاومته، فالمتدخل يعاقب على التدخل في الضرب فقط.
أما الشرط الثالث فهو أن يكون التدخل بإحدى الوسائل المحددة في القانون (وهي الوسائل المشار إليها عند الحديث عن النوع الثاني من المتدخلين). وينص القانون على عقوبة للمتدخل أخف من عقوبة الفاعل الأصلي والشريك، إلا حيث ينص القانون على خلاف ذلك.
المخبّئ: وهو شخص يقوم بدوره في الجريمة بعد أن تكون قد ارتكبت، من دون أن يكون متفقاً عليها مع الفاعل الأصلي. ومسؤولية المخبئ مستقلة عن مسؤولية الفاعل، لأنه يرتكب جريمة مستقلة هي جريمة التخبئة. فإذا كان متفقاً مع الفاعل على ارتكاب الجريمة، وقام بعملية التخبئة، فإنه يكون متدخلاً في هذه الحال وليس مخبئاً. ويشترط لمعاقبته أن يكون عارفاً بأنه يقوم بتخبئة أشخاص ارتكبوا جريمة، أو أشياء متحصلة من جريمة.
ويعاقب من يخبئ مرتكب جناية (وليس جنحة لصراحة القانون) بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين. ولكن القانون أخذ وشائج القربى بالحسبان، فأعفى الأصول والفروع والأزواج والزوجات والأشقاء والشقيقات والأصهار من كل عقاب، إذا أخفوا قريبهم عن وجه العدالة.
ويعاقب من يخبئ أموالاً أو أشياء متحصلة من جناية أو جنحة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أيضاً. ولكن إذا كانت الأموال والأشياء متحصلة من جنحة، فإن العقوبة لا يجوز أن تجاوز ثلثي العقوبة القانونية. ولا يستفيد الأقارب من الإعفاء، إذا أخفوا الأموال التي حصل عليها قريبهم بطريق الجريمة.
وكثيراً ما يحدث أن ترتكب الجريمة في أحوال من شأنها تشديد العقوبة أو تخفيفها أو الإعفاء منها. وهذه الأحوال ثلاثة أنواع هي:
ظروف موضوعية: وتشمل جميع الذين أسهموا في الجريمة سواء أعلموا بها أم لم يعلموا. فالليل يشدد عقوبة السرقة، وهذا التشديد يطال الفاعلين الأصليين والشركاء والمتدخلين، كذلك فإن الدفاع المشروع يلاشي الجريمة عن المساهمين جميعاً.
ظروف شخصية: وهي كائنة في شخص صاحبها، لذلك تكون قاصرة عليه، ولا تنتقل إلى غيره. ومثلها حالة العود والقصر الجنائي والبنوة. فإذا كان بين المسهمين قاصر، استفاد هو وحده من تخفيف المسؤولية.
ولكن إذا سهل الظرف للشخص ارتكاب الجريمة، فإن مفعوله ينتقل إلى الآخرين، فلو سهلت قرابة الابن قتل أبيه، فإن شركاء الابن العاق يعاقبون بعقوبته المشددة.
ظروف مزدوجة: وهي ظروف موضوعية وشخصية في آن واحد، ومثلها ظرف الموظف الذي يزوّر ورقة رسمية، وحالة الخادم الذي يسرق مال مخدومه من بيته. والقاعدة أن هذه الظروف تظل قاصرة على صاحبها؛ ولكن إذا سهل الظرف المزدوج ارتكاب الجريمة، فإن مفعوله ينتقل إلى بقية المشاركين فيها.

مراجع للاستزادة

ـ عبد الوهاب حومد، الحقوق الجزائية العامة (دمشق 1963).
ـ رؤوف عبيد، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي (القاهرة 1979).
ـ عبود السراج، قانون العقوبات، القسم العام (دمشق 1985).

الإجرام الدولي


الإجرام الدولي criminalité internationale تعبير حديث نسبياً، وموضوعه لايزال غير محدد بدقة. فقد كان التعامل في القديم جارياً ومألوفاً على أن المنتصرين في الحروب، العادلة والظالمة، يأخذون نساء المنكسرين سبايا ورجالهم وأولادهم أرقاء. وكانت كل قسوة تستعمل في المعارك لكسبها مسوغة بقاعدة «الغاية تبرر الوسيلة». ولم يحدث أن فكر أحد بمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم الفظيعة، خشية أن تمس هذه المحاسبة مبدأ سيادة الدولة التي يعملون باسمها. وكان على المنكسرين انتظار فرصة قادمة للثأر.

غير أن الأفكار أخذت تتطور منذ أواسط القرن التاسع عشر. فقد صدر عن قيادة الجيش الأمريكي بلاغ في عام 1863، نص على معاقبة مرتكبي بعض أفعال عنيفة في الأعداء أو الأسرى، من دون ضرورة تقتضيها العمليات الحربية. وأحس المجتمع الدولي بحاجة ملحة وإنسانية إلى تخفيف ويلات الحرب عن الناس، فتداعت الأمم إلى عقد معاهدة جنيف عام 1864 التي تنص على منع ارتكاب الأعمال الفظيعة في أثناء الحروب، وتلتها معاهدة أخرى عقدت عام 1899 في لاهاي لتأكيد الأهداف نفسها. وبعد ذلك صدر عن رئاسة الأركان العامة للجيش الألماني عام 1902 بلاغ يمنع استعمال بعض أنواع الأسلحة الفتاكة، ويعاقب من يقتل الجرحى أو أسرى الحرب، كما يعاقب أعمال القسوة في المدنيين من سكان البلاد المحتلة، ويعد من يعبث بالملكية الفردية، من مجوهرات أو نقود، كمن يرتكب جريمة سرقة موصوفة. وقد كانت تعد فيما مضى غنائم حرب. وتبنّى قانون العقوبات العسكري الفرنسي عام 1913 نصوصاً مشابهة.

ولكن أحداث الحرب العالمية الأولى أثبتت أن الوقائع غير النصوص، لذلك فكر الحلفاء المنتصرون على ألمانية وحلفائها، بمعاقبة الذين أوقدوا نار الحرب والذين ارتكبوا أعمالاً إجرامية فظيعة. وأول من فكروا بمعاقبته الإمبراطور الألماني غليوم الثاني. ولكن لم يكن في متناول أيديهم نصوص قانونية منشورة تطال أية تهمة يمكن أن توجه إليه وإلى حكومته، ولاسيما أنه رأس الدولة، وكانت محاكمته تعني محاكمة «الدولة الألمانية». ولم يكن مقبولاً آنذاك أن تحاكم دولة على أعمالها، لأن محاكمة كهذه تنتهك سيادة الدولة، وحق السيادة حق مطلق.

ولكن الحلفاء ضربوا صفحاً عن كل هذه الاعتبارات، ووضعوا المادة 227 من معاهدة فرساي لهذا الغرض، «على أساس أن الامبراطور المذكور ارتكب إهانة عظمى ضد الأخلاق الدولية وضد قدسية المعاهدات». ونُصَّ في هذه المعاهدة على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمته. غير أن الامبراطور وولي عهده لجأا إلى هولندة، التي رفضت تسليم الامبراطور إلى أعدائه.

وبعد ذلك أنشئت عصبة الأمم [ر] عام 1920، واتخذت لها مقراً في جنيف «من أجل المحافظة على السلام العالمي وتنمية التعاون بين الدول»، وأوجبت المادة 12 من صكها اللجوء إلى التحكيم أو القضاء أو وساطة المجلس التنفيذي للعصبة لحل كل الخلافات. ثم عقدت معاهدة بريان (الفرنسي) وكيلوغ (الأمريكي)، وقبلتها دول العصبة، وبموجب هذه المعاهدة عدت الحروب «خارجة على القانون».

ولكن كل من هذه المعاهدات لم تنفع في منع ألمانية من شن حرب جديدة على بولندة عام 1939، فاتسعت حتى أصبحت حرباً عالمية ثانية، وقد ارتكبت فيها جرائم لايستطيع قلم أن يحيط بفظاعاتها... وتُوِّجت هذه الجرائم بإلقاء القنبلتين الذريتين الأمريكيتين على هيروشيما اليابانية في 6/8/1945 وناغازاكي اليابانية أيضاً يوم 9/8/1945.

واستسلمت ألمانية بلا قيد أو شرط يوم 7 أيار 1945، كما استسلمت اليابان أيضاً بلا قيد أو شرط يوم 2 أيلول 1945، وبذلك انتهت الحرب المدمرة.

وعادت فكرة معاقبة الذين شنوها إلى البحث. وعاد الخلاف حول المبدأ القانوني الذي يجيز محاكمة المنكسرين في الحروب. وفي النهاية انتصر الاتجاه الذي طالب بوجوب المحاكمة، على أساس أن المنكسرين ارتكبوا ثلاث مجموعات من الجرائم هي: شنهم حرباً عدوانية خرقاً لأحكام القانون الدولي، وارتكابهم جرائم حرب لا تسوغها الأعراف الحربية، وارتكابهم جرائم بحق الإنسانية.

وكان هذا الاتجاه يستند إلى عدة تصريحات دولية، وجهها الحلفاء إلى القادة الألمان واليابانيين وحلفائهم في أثناء الحرب، بأنهم سيتحملون مسؤولية الجرائم التي يرتكبونها، هم أو مواطنوهم، سواء أكانوا عسكريين أم مدنيين. وأهم هذه التصريحات، تصريح موسكو الصادر في 30/8/1943 الذي وقع عليه الرئيس الأمريكي روزفلت والرئيس الروسي ستالين ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل.

وبمجرد أن سكتت المدافع اتخذ الحلفاء إجراءين أساسيين: الأول اتفاق 28/8/1945 القاضي بإنشاء محكمة نورمبرغ[ر] الخاصة بمحاكمة كبار مجرمي الحرب. والثاني القانون الحليف ذو الرقم 10 المؤرخ في 20/12/1945، القاضي بإنشاء محاكم إقليمية لمحاكمة مجرمي الحرب الآخرين.

ثم أصدر القائد الأعلى لقوات الحلفاء في الشرق الأقصى قراراً أنشأ بموجبه محكمة طوكيو لمحاكمة كبار مجرمي الحرب في بلاد عمليات الشرق الأقصى.

وفيما يلي لمحة عن هذه المحاكم:

محكمة نورمبرغ: تشكلت هذه المحكمة من أربعة قضاة يمثلون الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (سابقاً) وإنكلترة وفرنسة. وللمحكمة نيابة عامة تتمثل فيها الدول الأربع المذكورة، للتحقيق والاتهام، وتتخذ قراراتها بالأكثرية.

وتختار النيابة العامة المتهمين من الذين لا يوجد مكان محدد جغرافياً لجرائمهم. وقد اختارت اثنين وعشرين متهماً ألمانياً، يمثلون مختلف قطاعات الدولة، بينهم الماريشال غورنغ، نائب هتلر وقائد سلاح الطيران، ورودولف هس، والماريشال كايتل قائد الجيش الألماني، والأميرال الأكبر دونيتز.

وصدر الحكم بإعدام اثني عشر متهماً نفذ فيهم حكم الإعدام شنقاً، وبحبس أربعة مدى الحياة.

محكمة طوكيو: وقد أنشئت بقرار من القائد العام للقوات الحليفة عام 1946. وهي تتألف من أحد عشر قاضياً، يمثلون إحدى عشرة دولة حاربت اليابان. وقد دافع المتهمون عن أنفسهم بأنه لا تجوز محاكمتهم عن أفعال لم تكن معاقبة بنص قانوني يوم ارتكابها، وقد رفضت المحكمة هذا الدفاع، على خلاف في الرأي بين أعضائها، وقضت بإعدام عدد من كبار المسؤولين، بتهمة ارتكابهم جرائم بحق السلام، وجرائم حرب غير مسوّغة.

المحاكم الإقليمية: وهي محاكم أنشئت في عدة دول، ولاسيما في ألمانية لمحاكمة مجرمين دوليين، لم يحالوا على محكمة نورمبرغ، استناداً إلى القانون الحليف رقم 10 لعام 1945، أو إلى محكمة طوكيو. وقد أصدرت هذه المحاكم سلسلة من الأحكام على عدد من مرتكبي الإجرام الدولي في أوربة والشرق الأقصى. وتم إعدام كثيرين منهم.

ولما كانت هناك اتفاقية دولية معقودة بتاريخ 26/11/1969، تنص على عدم سقوط الجرائم الدولية بالتقادم، فإنه لاتزال بعض المحاكمات تجري لعدد من مجرمي الحرب، كلما كشف أحد منهم.

وقد أرسخت هذه المحاكمات مفهوم الإجرام الدولي، وأرست محكمة نورمبرغ أركانه بقرارها الذي أصبح المرجع الأهم في هذا الموضوع.

وهكذا يكون التطور قد انتهى إلى إبراز عدة جرائم دولية فيما يلي أربع منها، أخطرها وأفظعها:

الجنايات المرتكبة بحق السلام: وتشتمل على شن الحروب العدوانية وإدارتها والتحضير لها ومتابعتها خرقاً للمعاهدات والتأكيدات أو الاتفاقيات الدولية والمشاركة في مخطط مدروس أو مؤامرة لارتكاب أي من الأفعال السابقة (المادة 6 ف أ من نظام محكمة نورمبرغ، والمادة 2 ف أ من القانون الحليف رقم 10).

وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تعريف العدوان بتاريخ 14/12/1974.

جنايات الحرب: وتشمل الجرائم التي ترتكب انتهاكاً لقوانين الحرب وأعرافها، ويدخل فيها القتل مع سبق العمد، وإقصاء المدنيين عن أماكنهم وتشغيلهم بأعمال شاقة، وقتل أسرى الحرب أو إساءة معاملتهم، وقتل الرهائن ونهب الأموال العامة والخاصة وتخريب المدن والقرى من دون سبب، وكل تخريب لا تسوغه المقتضيات العسكرية (المادة 6 ف ب من نظام نورمبرغ).

الجرائم بحق الإنسانية: وتشمل جرائم القتل العمد والإفناء والاسترقاق والإقصاء، وكل فعل آخر غير إنساني يرتكب بحق المدنيين، قبل الحرب أو بعدها، وكل اضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية سواء ألفت هذه الأفعال والاضطهادات خرقاً للقانون الداخلي في البلد الذي ارتكبت فيه أم لا (المادة 6 ف جـ من نظام نورمبرغ).

جناية الإبادة: وتتحقق هذه الجناية بإفناء مجموعة من الناس، كلياً أو جزئياً، جسدياً أو بيولوجياً.

وتختلف عن الجرائم الموجهة للإنسانية بأن هذه الجرائم تستهدف اضطهاد الأفراد بسبب عرقهم أو دينهم أو رأيهم السياسي، في حين أن جناية الإبادة تهدف إلى إبادة مجموعات وطنية أو عرقية أو سلالية أو دينية، من دون نظر إلى الاعتبارات السياسية. ومن أمثلتها المذابح الجماعية لمجموعة محددة من الناس، وتهديم المدن الآهلة بالسكان على أهلها بوسائل الحرب الحديثة.

ويدخل في مفهوم الإجرام الدولي أيضاً، جرائم الإرهاب الدولي والقرصنة البحرية وخطف الطائرات للحصول على فدية...

ولكي يصبح الإجرام الدولي مفهوماً قانونياً معاقباً عليه بنصوص مقررة ومعلنة، فقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 11/12/1946 اعتبار المبادئ الواردة في قرار محكمة نورمبرغ وما في حكمها من قواعد القانون الجزائي الدولي، كما قررت تأليف لجنة لصوغ هذه المبادئ. وقد أنجزت هذه اللجنة مهمتها عام 1950. وبذلك يكون مفهوم الإجرام الدولي قد اتخذ شكل التشريع المعلن.

ومع ذلك فقد وضع مشروعان اثنان لا يزالان قيد الدراسة في الأمم المتحدة، الأول مشروع قانون متكامل للجرائم الدولية والثاني مشروع قانون لإنشاء محكمة دولية لمرتكبي هذه الجرائم.


ـ الإجرام السياسي - محاكمات نورمبرغ.

مراجع للاستزادة
ـ عبد الوهاب حومد، الإجرام الدولي (جامعة الكويت 1978).

- C. LOMBOIS. Le droit pénal international, 2 ed Ed (Paris 1979).

- GRAVEN, La définition et la répression des crimes contre Ľhumanité (Rev. de dr. International 1948)

علم الإجرام


هناك من يعرّف علم الإجرام criminology بأنه العلم الذي يدرس الجريمة من الوجهة الواقعية، بوصفها ظاهرة فردية اجتماعية، دراسة علمية، للكشف عن العوامل التي تسبب تلك الظاهرة. ويتناول هذا العلم بالتالي دراسة شخصية المجرم لبيان الأسباب التي دفعته إلى الإجرام، ويهتم ببيان خصائص المجرمين والتوصل من وراء ذلك إلى تصنيفهم. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتناول علم الإجرام أيضاً دراسة أفراد آخرين يكونون في حالة خطرة تنذر بوقوعهم في الجريمة مستقبلاً. وفي تعريف آخر، إن علم الإجرام هو علم دراسة الانحراف بحثاً عن أسبابه وأصله ووسائله ونتائجه. ويضيف بعض المحدثين إلى التعريف السابق القول إن علم الإجرام لا يهتم بالجرائم فقط بل يهتم كذلك بضحايا الجرائم والاعتداءات.

نشأة علم الإجرام وتطوره

ولد هذا العلم في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد أساطين المدرسة الوضعية الإيطالية وهم، لومبروزو Lombroso وفيري E. Ferri وغاروفالو R. Garofalo ويعدّ لومبروزو صاحب الجناح النفسي الفيزيولوجي في هذه المدرسة، لأنه عزا الجريمة إلى أسباب داخلية في بنية المجرم. ولومبروزو هو صاحب نظرية المجرم بالولادة، أو الإنسان المجرم، التي لا تزال حتى الآن موضع جدل بين المهتمين بمكافحة الجريمة ومعاملة المجرمين. أما فيرّي فيُعدّ صاحب الجناح الاجتماعي في هذه المدرسة، لأنه عزا الجريمة إلى أسباب اجتماعية خارجية تقع في المحيط الذي يعيش فيه المجرم.

وأما غاروفالو، الذي كان قاضياً مشبعاً بالشدة والنقمة على المجرمين، والذي يذكر عنه أنه مؤسس علم الإجرام لأنه أول من استخدم هذا الاصطلاح، ووضعه عنواناً لكتابه الذي أصدره عام 1885، فقد عرّف الجريمة وجعلها في صنفين: جريمة طبيعية وجريمة اصطناعية، وصنف المجرمين كذلك وبيّن العوامل في إجرامهم وذكر أنها نفسية وعضوية. وقد استطاعت دراسات رواد المدرسة الوضعية الإيطالية وأعمالهم أن تحلّ المجرم محل الجريمة، فأصبح قطب الرحى، واحتل مركز الصدارة بالاهتمام بعد أن كانت الجريمة هي الشغل الشاغل للمدارس الجزائية السابقة مثل المدرسة التقليدية والمدرسة التقليدية الجديدة أو الحديثة.

وقد تطور علم الإجرام وصار له فرع جديد هو علم الإجرام السريري أو الاكلينيكي clinical criminology.

استقلال علم الإجرام والتداخل بينه وبين علوم أخرى

هناك من ينكر على علم الإجرام استقلاله ويعدّه ثمرة تجميع اصطناعي لمعلومات وآراء متنوعة. وقد اختلف الفقهاء في العلوم التي تدخل في تأليفه أو ترفده بنتاج أبحاثها. فهناك من يقول: «إنه وعلم الإجرام السريري يعتمدان على علوم أساسية مختلفة هي: علم الحياة الجنائي، وعلم النفس الجنائي، وعلم الاجتماع الجنائي، وعلم العقاب، وإن لهما علاقة وطيدة بعلوم أخرى مثل الطب الشرعي وعلم النفس القضائي والشرطة العلمية». ويذكر الفقيه الإيطالي فيليبو غريسبيني Filippo Grispigni أن علم الإجرام يتكون من علم الإنسان الجنائي، وعلم النفس الجنائي مع علم الاجتماع الجنائي، وهدفه دراسة المجرم والجريمة وتحديد سبل قمع الجريمة والوقاية منها.

ويرى آخرون أن علم الإجرام هو نتيجة لتجمع علوم مختلفة أولها علم الإنسان الجنائي، وعلم الاجتماع الجنائي مضافاً إليهما علم النفس الجنائي المعتمد على علم الأمراض النفسية والعقلية والمتعلقة جميعها بالإنسان مرتكب الأفعال التي تعدّ جرائم استناداً لنص القانون.

والخلاصة أن هذه العلوم الجنائية المساعدة قد تكون مستقلة إذا ما نظر إليها وحدها، ولكنها على هذا النحو لا تكفي دائماً لشرح ظاهرة الجريمة والإجرام إلا إذا تعاونت مع غيرها في سبيل الوصول إلى غاية واحدة هي هدفها الذي تصبو إليه. لذلك فمن الممكن القول إن التعاون بين هذه العلوم المساعدة لعلم الإجرام من أجل تفسير ظاهرة الجريمة وبيان عواملها وظروفها ووضع قواعد تفسر هذه الظاهرة بوجه دقيق اعتماداً على الملاحظة والتجربة والبحث والاستنتاج العلمي لا ينفي - أي هذا التعاون - الإقرار باستقلال علم الإجرام وأنه علم قائم بذاته معتمد على نتاج دراسات بقية العلوم الجنائية الأخرى التي تساعده في نموه وتقدمه واستمراره.

علاقة علم الإجرام بالعلوم الجنائية الأخرى

هناك علاقة وطيدة بين علم الإجرام والعلوم الجنائية الأخرى الأصلية والمساعدة إذ يرفدها بنتائج دراساته ويستفيد مما توصلت إليه من نتائج أيضاً. وهذه العلوم هي:

ـ علم الحقوق الجزائية العامة والخاصة وعلم أصول المحاكمات الجزائية وعلم السياسة الجزائية (أو الجنائية كما تسمى في مصر وبعض الدول العربية) وعلم السياسة العقابية وعلم العقاب أو علم تنفيذ العقاب وعلم الانثروبولوجية الجنائي (علم الإنسان الجنائي) وعلم الاجتماع الجنائي وعلم الإحصاء الجنائي وعلم الإحصاء العقابي وعلم النفس الجنائي وعلم النفس القضائي وعلم الحياة (أو البيولوجية) الجنائي وعلم الأمراض العقلية والعصبية الجنائي وعلم الطب الشرعي وعلم كشف الجرائم والمجرمين.

موضوع علم الإجرام

استأثر المجرم والجريمة والضحية باهتمام علم الإجرام، وإن كانت هناك دراسات وجهود حديثة في العالم تسعى إلى استحداث علم خاص يهتم بالضحية victim اسمه علم (الضحية) victimology.

وفيما يلي بيان مختصر يوضح كيف يؤلف المجرم والجريمة والضحية جميعاً موضوع علم الإجرام ومجالاته الأصلية.

ففي إطار اهتمام علم الإجرام بالمجرم: يُرى أن علم الإجرام يهتم بصورة عامة بالإنسان السوي وكذلك بالإنسان غير السوي الذي يعاني من الاضطرابات النفسية العامة او العقلية أو العصبية وقد انعكس اهتمامه هذا على التصانيف المختلفة للفاعل المجرم الواردة في بعض قوانين العقوبات في العالم.

وفي إطار اهتمام علم الإجرام بالجريمة يُلاحظ أن علم الإجرام قد اهتم بأسباب الجريمة وعواملها وبالنزعات والمذاهب الأساسية المختلفة في تفسيرها. وهذه النزعات هي: النزعة البيولوجية (الحيوية) والنزعة الاجتماعية والنزعة المختلطة أو البيولوجية الاجتماعية (التكاملية) والنزعة التكوينية الاستعدادية.

وفي إطار اهتمام علم الإجرام بالضحية، يُرى أن علم الإجرام قد اهتم بالضحية لأنه أحد أركانه الأساسية التي لا تنفصل عن المجرم فللضحية أحياناً أثر كبير في الجريمة التي وقعت، وقد يكون جنس المعتدى عليه أو لونه أو لغته أو دينه أو سنه أو وضعه الوظيفي أو الاجتماعي أو السياسي أو غير ذلك، هو السبب الرئيس فيما وقع عليه من جرائم.

أهمية علم الإجرام

يحتل علم الإجرام مكانة عالية من الأهمية لما يقدمه من فوائد وخدمات في مجالات الدراسات المتصلة بالجريمة. وتبرز هذه الفوائد واضحة في الوصول إلى فهم للمجرم والجريمة والضحية، أو المجني عليه. كما تبرز في تسويغ العقوبة ومعرفة ارتباطها بحالات الإجرام أو أشكاله.

يضاف إلى ذلك أن علم الإجرام يقدم وقائع لازمة إلى أجهزة القضاء والعدالة الجزائية (أو الجنائية) والعدالة العقابية والسياسة التي تنطلق منها العدالتان. والوقائع التي يقدمها علم الإجرام ضرورية للمشرع الجزائي، والقاضي الجزائي، وممثل النيابة العامة، ولجميع أطراف الدعوى الجزائية (الجنائية) وفيهم المحامي. وهي مفيدة كذلك لرجل الشرطة والأمن ومن يضطلع بتنفيذ الأحكام الجزائية المختلفة من عقوبات وتدابير احترازية أو تدابير إصلاحية [ر].




الموضوعات ذات الصلة



ـ الاضطرابات النفسية.

مراجع للاستزادة



ـ محمد رياض الخاني، مبادئ علمي الإجرام والعقاب (مطبوعات جامعة دمشق 1982-1983).

ـ يسر أنو علي وأمال عبد الرحمن عثمان، علم الإجرام وعلم العقاب (القاهرة 1970).

- G. STEFANI, R. LEVASSEUR, & R. J. MERLIN, Criminologie et science pénitentiaire (Paris, Dalloz 1968).

vendredi 22 février 2008

عقوبة الإعدام ضرورة جزائية, أم ثأر و انتقام

أثارت عقوبة الإعدام منذ القدم والى اليوم, بدرجات, ومن منطلقات مختلفة ومتفاوتة, جدلا حول طبيعتها وضرورتها والحالات التي تستوجب تطبيقها. لقد كان، لبشاعة ووحشية تنفيذها, معارضة قوية من رجال الفكر والفلاسفة,

قديما, أكثر بكثير من معارضتهم واستنكارهم لوجودها كعقوبة. فقد كانت العقوبات, بشتى أنواعها تتصف بالقسوة المفرطة, وتتوخى إنزال اشد أنواع الأذى والتنكيل والإيلام الجسدي والمعنوي بالمحكوم عليه. وحديثا لم يتوقف الاستنكار على أساليب تطبيقها, بل تعداه للمطالبة بإلغائها نهائيا كعقوبة. ويسوق معارضوها حججا عديدة مدعومة بالوقائع القديم منها والحديث, مقابل حجج من تبقى من مؤيديها. وهذا ما سنشير لبعضه في السطور التالية.

طبقت مختلف الحضارات , بالمعنى الواسع للكلمة, عبر التاريخ عقوبة الإعدام. وبطرق مختلفة. ففي المجتمعات البدائية, قبل نشوء الدولة حتى بمعناها البدائي, كان يسود الثأر العائلي أو الفردي, وبعد نشوء الحاضرة Cité ثم الدولة, بدأ نوع من التنظيم للثأر "الإعدام". فقد كان يتطلب تثبيت النظام العام, السياسي والديني, التوسع في اللجوء إلى الإعدام.

في مصر الفرعونية كان التوسع في تطبيق الإعدام يتبع مراحل الاضطراب, ومراحل تثبيت وترسيخ دعائم الدولة السياسية والاجتماعية. ففي مراحل استقرار السلطة كان ينحسر عدد الجرائم المعاقب عليها بالإعدام.

وفي بابل كانت عقوبة الإعدام تطال الجرائم الواقعة على الأشخاص وعلى الأموال. وفي تلك الحقبة بدأ لأول مرة مفهوم القصد الجرمي, يؤخذ في الاعتبار.

وفي اليونان القديمة ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد قال Protagoras بعدمية مبدأ الثّأر لأن الجريمة حين ترتكب لا يمكن منعها "لا يمكن منع ما قد تم فعله". فإذا فرضت الحاضرة عقوبات فلا يجب أن يكون هدفها الانتقام. ولكن فقط حماية نفسها. فمشروعية العقوبة تأتي من كونها تعمل على منع المجرم من العودة للجريمة, وهي أداة ردع قوية للمجرمين, وللمجرمين المحتملين . وحسب أرسطو كل إنسان سوي مسؤول عن أفعاله. والأفعال الفردية, الجيد منها والسيئ, لا تأخذ قيمها إلا ضمن الشروط الاجتماعية contexte . فالإنسان حيوان سياسي مدعو للعيش ضمن إطار الحاضرة. والعدالة منوط بها تامين حسن سير المبادلات بين أفراد هذه الحاضرة. ويعود للقاضي الجنائي فرض العقوبة العادلة لإصلاح ما قد أفسدته الجريمة لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل ارتكابها. فالقانون الإغريقي قبل تقديم تعويض مادي للحياة الإنسانية, يعرضه القاتل على أهل المقتول. ولكن بقي الجدل عندهم حول نقطتين أساسيتين متعلقتين بجدوى الإعدام : هل يعيد إعدام القاتل الوضع إلى ما كان عليه قبل القتل, أي إعادة المقتول الى الحياة؟. أم يجب السير حسب قانون تالون talion العين بالعين والسن بالسن؟ فالعقوبة , وخاصة عقوبة الإعدام, تستجيب للالتزامين: تسوية وإصلاح الفعل ألجرمي, وحماية الحاضرة من تلك الأفعال. وهذا ما استوحاه لاحقا المشرع الروماني.

نظام عقوبة الإعدام في روما القديمة كان يميز بين المواطن الروماني وبين الأجنبي, والرقيق. فيعتبر حياة المواطن الروماني غالية جدا. مما يتطلب حماية قانونية فعالة لها. وفي أحيان كثيرة كان النطق بعقوبة الإعدام يستوجب أن يكون مباشرة من قبل الشعب نفسه . في حين لم يكن لحياة الأجنبي أو الرقيق هذه القيمة. فالرقيق يعتبر كشيء أو كسلعة. أما الأجانب فكانوا في نظر الرومان إما من الأشخاص الخاضعين للحماية, أو من رعايا الشعوب المغلوبة. وعليه فقد كانت عقوبة الإعدام استثنائية فيما يتعلق بالرومان أنفسهم. وقد منع القانون في حالة القتل ثأر عائلة المقتول من عائلة القاتل. الشيء الذي يدل على نضوج مفهوم المسؤولية الفردية وفصلها عن المسؤولية الجماعية. فالجاني وحده مسؤول عن جنايته.

وقد وضع سيسرون Cicéron ثمانية أنواع من العقوبات و ترك للقضاة النظر في تطبيقها : عقوبة الإعدام. الجلد. التشويه بترك آثار على الجسد لا تمحى. التحويل إلى رقيق. السجن. العزل. عقوبات مالية. عقوبة العار. وقد أُخذ بهذه القائمة للعقوبات خلال القرون التي تلت. وبعد قيام الإمبراطورية عرفت عقوبة الإعدام توسعا طال حتى المواطنين الرومان أنفسهم.

أما طرق تطبيق عقوبة الإعدام فقد كانت متعددة ومختلفة في درجة وحشيتها وبشاعتها. فالمدان بالخيانة العظمى يجبر على رمي نفسه من أعلي صخرة تاربيان Tarpéienne الواقعة في روما. وجريمة قتل الوالدين يعاقب عليها بعقوبة شديدة البشاعة. حيث يجلد القاتل حتى الإدماء, و يوضع بعدها في كيس من الجلد مع أربعة حيوانات: قرد: وكلب, وديك, وأفعى. ويربط عليهم, ويرمى الكيس بمحتوياته في البحر. وفي الحالات العادية المعاقب عليها بالإعدام تنفذ العقوبة بحد بالسيف, وخاصة فيما يتعلق بالمواطنين الرومان . كما كان يعاقب على الإساءة للرئيس الأول بتقطيع المحكوم بربطه بين4 أحصنة لتجري به باتجاهات متعاكسة وتمزق جسده.

في بداية العهد الإمبراطوري كانت عقوبة الإعدام تنفذ برمي المحكوم عليه إلى الحيوانات المفترسة في ساحة عامة أمام المشاهدين. وغالبية المحكومين بهذه العقوبة كانوا من معتنقي المسيحية الأوائل , وفي أواخر عهد الإمبراطورية تم إلغاء هذه الطريقة وكذلك الإعدام بالصلب. ولكنها بقيت تطبق على العبيد. أما المواطن الروماني, معتنق المسيحية, فتنفذ عقوبة إعدامه بقطع الرأس بحد السيف, كنوع من الامتياز.

في عهد الإمبراطورية المسيحية لم ينته التنكيل بالمحكوم عليهم بالإعدام, وإنما بالعكس زادت بشاعته. فقد نص قانون تيودسيان code de Théodosien ــ الذي جمع الدساتير الإمبراطورية الصادرة منذ عهد قسطنطين ــ على أنواع من التنكيل غير مسبوقة منها حرق الفارين من الجيش أحياء, وكذلك مزوري النقود, والشاذين جنسيا, ومرتكبي جرائم الاغتصاب. وعقوبة صب الرصاص المذوب في فم المدان. وقد كرست القوانين البيزنطية في القرون اللاحقة هذا النوع من العقوبات التنكيلية. وبقيت في التطبيق زمنا طويلا في روسيا.

في النظام الأوروبي القديم, أي النظام السابق على الثورة الفرنسية، والذي كان مبنيا في غالبيته على القيم المسيحية, بقي الملوك يعتبرون وكلاء أو ممثلي الله على الأرض, و كان النظام القضائي "الدنيوي" يطبق القانون المقدس حسب تفسير الكنيسة له. وبعد القرن الثامن عشر ظهر القانون الطبيعي الذي يعتبر الطبيعة نفسها مخلوقة, ومنظمة من قبل الله. ومن حيث القيمة فان القانون الإلهي والقانون الطبيعي متعادلان. مع التأشير إلى أن القانون الجنائي كان مطبوعا, أكثر من غيره من فروع القانون الأخرى, بالطابع المسيحي. وقد اظهر هذا القانون تحفظات عديدة بشان عقوبة الإعدام .

بعد القرن السابع عشر عرفت أوروبا ما يشبه الثورة القانونية جعلت من القانون الروماني الإمبراطوري , مجموعة جوستينيان Justinien , قانونا عاما في أوروبا اللاتينية, ليندمج فيه, في القرن الثامن عشر, مكون جديد هو القانون الروماني ـ الكنسي. ومنه أخذت عقوبة الإعدام مبرراتها النظرية : المنفعة العامة, و الجزاء الرادع. وكان اللاهوتيون ينظرون إلى هذه العقوبة على أنها استثناء. ويريدون من القضاة أن لا يتعسفوا بالنطق بها.

وقد توسع الحكم بالإعدام في القرن السابع عشر بشكل كبير ليعود وينحسر في أواسط القرن الثامن عشر. ومع ذلك فان القول بان عقوبة الإعدام استثناء كان لا يعني إلا الأحرار فقط أما الذين لا تنطبق عليهم هذه الصفة فتبقى العقوبة بحقهم على ما هي عليه.

وقد بدأ التشجيع على دفع التعويض المالي "دية في لغة اليوم". ويعتبر ذلك واجب على القاتل تجاه أهل الضحية وهؤلاء ملزمون بقبولها. وقد حددت القوانين الجرمانية , مثلما فعل قانون France-Saliens قيمة التعويض الذي يختلف باختلاف أصل وجنسية الضحية, إذا كان مواطنا رومانيا, أو شخصا حرا أو من العبيد أو أجنبا. فلكل صنف قيمة وتسعيرة خاصة به.

كان سان توماس داكين Saint Thomas d’Aquin يعتبر أن " الخطيئة وتهديد النظام العام يبرران عقوبة الإعدام" أما طائفة فودواز Secte de Vaudois XII فكانت تقول بان وصايا الله تأمر بعدم القتل : "يجب أن لا تقتل" وتعتبر إن الثأر ليس من اختصاص الإنسان وإنما الله وحده هو المختص به.

ومع اتساع تأثير ونفوذ القيم الدينية المسيحية أصبحت عقوبة الإعدام تطال, بشكل خاص, كل من يتجرأ على الإساءة للقوانين الدينية , أو يتهم بالاستهتار بها, أو عدم تطبيق و احترام تعاليمها. وكان تنفيذ العقوبة يتم بوحشية تفوق تلك المطبقة على المجرمين من مرتكبي الجرائم المروعة. ونورد هنا كمثال الحكم الذي أصدره قضاة محكمة ابيفيل Présidial Abbeville وأيدته محكمة باريس Parlement de Paris في 1/7/ 1766 على شاب في التاسعة عشر من عمره ويقضي, بعد تعليق تهم الكفر والإساءة للدين على صدره, بقطع لسانه ثم فصل رأسه عن جسده وإلقاء الرأس والجسد في محرقة مستعرة.

وقد لعبت محاكم التفتيش منذ القرن 18 دورا مرعبا في حياة المواطنين الذين كانوا يعتبرونها "أماكن الاضطهاد" ورمزا للشراسة والعنف في المجال الجزائي في النظام الأوروبي القديم. فكانت صلاحياتها مطلقة وتدخلاتها واسعة إلى ابعد الحدود.

ومع فلاسفة عصر التنوير Philosophie des Lumières بدأ النظر إلى عقوبة الإعدام بمنظار آخر وكثر التساؤل حول ضرورتها, وطرق تطبيقها.

فقد ربطها لوك بالقانون الطبيعي معتبرا انه في حالة الطبيعة كل شخص له سلطة قتل القاتل. ومن يعمل على سفح دم غيره فانه يسفح دمه هو أيضا. وحسب القانون الأساسي للطبيعة يجب حماية الإنسانية بكل الوسائل الممكنة. وإذا كان من غير الممكن حماية الكل فيجب أن تكون الأفضلية لحماية الأبرياء. Deux traités sur le gouvernement civil, II, 11 ).

و أدرج منتسكيو, محتذيا بلوك, عقوبة الإعدام بالقانون الطبيعي, " الكائن العاقل الذي يسبب لكائن عاقل آخر ألما حري به أن يتذوق الألم نفسه". (روح القوانين. 1,3). هذه العقوبة تعود إلى طبيعة الأشياء في الخير والشر. فالمواطن يستحق الموت إذا انتزع حياة غيره أو حاول انتزاعها. العقوبة كالدواء للمجتمع المريض. (المرجع السابق XII , 4 ). ولكنه كان ضد تطبيقها على الجرائم البسيطة المتعلقة بالأموال.

كما أن جان جاك روسو لم يكن ضد عقوبة الإعدام كعقوبة, وإنما ضد طرق تطبيقها المرفق بالتعذيب والتنكيل. وكذلك فولتير كان يطالب بتطبيقها طبقا للقانون. أما رجل القانون Servan فطالب بتضييق مجال تطبيق عقوبة الإعدام لتصبح عقوبة استثنائية. وقد تبنى لذلك لاحقا ديدوروت Diderot و دالمبار d’Alembert

مع ظهور كتاب بيكارا des délits et des peines عام 1776 ظهر تعريف جديد للعقوبة : " هدف العقوبات هو منع المجرم من أحداث أضرار جديدة, ومنع مرتكبي الأفعال الإجرامية إعادة ارتكاب أفعال مشابهة". وعليه يجب اختيار العقوبات التي تحدث ضغطا فعالا ومستمرا على أذهان الناس, ولكن أقل قسوة على جسد المجرم (المرجع المشار إليه XII ). مضيفا أن تاريخ القرون العشرين الماضية يبرهن على أن الخوف من عقوبة الإعدام لم تمنع المجرمين من تحدي المجتمع وارتكاب الفظائع. وعليه فان عقوبة الإعدام نفسها ليست بالنسبة للمجتمع إلا فظاعة أخرى إضافية.

وقد شجعت أفكار بيكار على قيام تيار قوي مطالب بإلغاء عقوبة الإعدام. ففي عام 1786 الغي ليوبولد الثاني Léopold II عقوبة الإعدام والتعذيب في توسكان Toscane , لأول مرة في التاريخ. وفي عام 1787 الغي جوزيف الثاني هذه العقوبة في النمسا. وألغتها العديد من الدول الأوربية في السنوات التي تلت ذلك كما عملت على إلغاء التعذيب.

الثورة الفرنسية

حسب الجمعية التأسيسية للثورة الفرنسية لعام 1789 ليست العقوبة انتقام عام ولا تعويض. وإنما مجرد إجراء من النظام الاجتماعي. ويجب أن تكون مفيدة, أي واقية, ورادعة, وعامة .

وفيما يتعلق بعقوبة الإعدام فقد تم اخذ حجج بيكارا من قبل عدد من الممثلين الفرنسيين في الجمعية التأسيسية في 30 ماي/ أيار 1791 لإلغائها, وطوروا تلك الحجج. و نذكر منهم بشكل خاص روبيسبير Robespierre بقوله " يمكنني البرهنة على 1ـ أن عقوبة الإعدام جوهريا ظالمة. 2 ـ إنها ليست الأكثر ردعا من بين العقوبات. وبأنها تزيد في نشر الجريمة أكثر مما تحد منها". عندما تكون قوة الجماعة, في المجتمع, مسلحة ضد فرد وحيد, فأي مبدأ من مبادئ العدالة يعطي الحق لهذا المجتمع بقتل هذا الفرد؟ وأية ضرورة تبرره؟ المنتصر الذي يعمل على قتل أعدائه هو بربري !! أليس المتهم الذي يدينه المجتمع عدو مهزوم, معدوم القدرة, وأكثر ضعفا من طفل أمام رجل قوي؟. وهكذا, في نظرالحقيقة والعدالة مسارح الموت هذه ليست إلا عمليات قتل جبان, وجرائم لم ترتكب من قبل أفراد وإنما من قبل الأمة بأكملها.

و في 1 حزيران/ جوان, في نفس الجمعية, بدأ ديبور Duport قوله بأنه سوف لا يدخل في المسالة الميتافيزقية métaphysique في معرفة هل للمجتمع الحق بإنزال عقوبة الإعدام. لا يستطيع الانسان إعطاء المجتمع حقا لا يملكه هو.. وعليه ليس لأحد الحق في إعدام نفسه. ومن جهة أخرى للمجتمع فعل كل ما هو ضروري للحفاظ على وجوده. وبأنه يستطيع, بالنتيجة, العقاب بالإعدام إذا كانت هذه العقوبة ضرورية. ولكن هل مجرد قاتل بسيط يمكنه أن يهدد بالخطر الكبير حياة مجتمع بأكمله. مضيفا: "لا نعلم, كما جاء في الإنجيل, بان الله قال بقتل قابيل (الذي قتل أخاه هابيل) ولكن أبقاه في عيون البشر جميعا سمة استنكار أو طرد من رحمة الله réprobation .



ولا يتسع المجال هنا لتفاصيل الحجج المقدمة. ولكن الغالبية في الجمعية المذكورة لم تقتنع بحجج اعضائها المطالبين بالغاء عقوبة الاعدام. وعليه فقد احتفظ القانون الجزائي الفرنسي لعام 1791 بهذه العقوبة. ولكنه عرفها تعريفا دقيقا مشترطا أن لا يرافق تنفيذها أي تعذيب للمحكوم عليه بها. على أن تنفذ بقطع رأس المحكوم بالإعدام ( code de 1791,I,1,3 . وهي الطريقة التي كانت تطبق قديما على النبلاء وحدهم كمحاباة). ومع القانون الجزائي لعام 1810 , قانون نابليون, الذي تميز بتشدده فيما يتعلق بالدفاع عن النظام العام والنظام السياسي. فان مجال تطبيق عقوبة الإعدام توسع أكثر مما كان عليه في قانون عام 1791 ( 36 حالة مقابل 32 حالة في قانون 1791).

عام 1830 ألغت الحكومة الفرنسية المؤقتة عقوبة الإعدام عن الجرائم ذات الطبيعة السياسة. وكانت التعديلات التي دافع عنها بشكل خاص فيكتور هيجو Victor Hugo في سبتمبر 1848 أمام الجمعية الوطنية Assemblé Nationale الهادفة إلى إلغاء هذه العقوبة نهائيا, لم تلق قبول الجمعية. لقد كان هيجو من اشد المطالبين بإلغاء عقوبة الإعدام. فقد استنكرها بشدة في مقدمة كتابه, "اليوم الأخير في حياة مدان" , عام 1829. وقصيدته المطولة «المشنقة l’Echafaud " تعتبر رائعة عصره . وفي دفاعه عن ابنه أمام محكمة جنايات السين la Seine أعلن مرافعته الشهيرة ضد الحكم بالموت. مستخدما في دفاعه عن إلغاء الإعدام. مثله مثل لامارتان Lamartine, موهبته الأدبية الخلاقة.

الاتفاقات الدولية

في 10/12/1948 أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت مادته الثالثة على المبدأ القائل بحق كل إنسان بالحياة والحرية والأمن لشخصه. ونصت المادة 5 على تحريم خضوع الإنسان للتعذيب أو العقوبات الأليمة أو أي نوع من المعالات غير الإنسانية أو المهينة. ولم تلغ عقوبة الإعدام كعقوبة وإنما بعض طرق تنفيذها.

الاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان الموقعة في 4/11/1950 اعترفت للدولة باستعمال عقوبة الإعدام

"حق كل شخص بالحياة يكفله القانون. لا يجوز إنزال الموت بأحد إلا في حالة تنفيذ حكم بالإعدام صادر عن محكمة".

وقد جاء البرتوكول السادس لهذه الاتفاقية عام 1983 ليعلن " عقوبة الإعدام ملغاة. لا احد يعاقب بهذه العقوبة ولا بتنفيذها". و أصبحت أوروبا بعده( باستثناء صربيا و البوسنة ) القارة الوحيدة التي لا وجود فيها لعقوبة الإعدام.

ويوجد اليوم 109 دول أعضاء في الأمم المتحدة أعلنت إلغاء عقوبة الإعدام في تشريعاتها الداخلية. و 68 دولة أبقتها في تشريعاتها, مع تطبيق ضيق لها .

وتسعى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة للدعوة الدائمة للدول التي لم تلغ هذه العقوبة إلى وقف تنفيذه عمليات الإعدام. كما تقوم بحملة لوقف إعدام الأطفال.

ومن أكثر الدول تطبيقا لعقوبة الإعدام الصين, فقد نفذت, عام 1999 ,1263 حكما .. وفي عام 2000 نفذت الولايات المتحدة الأمريكية 85 حكما بالإعدام. و بين شهر كانون ثاني/جانفي, و حزيران/جوان 2001 نفذت 34 حكما.

ومن المفيد هنا الإشارة إلى الدول التي ألغت عقوبة الإعدام, وتاريخ هذا الإلغاء. حيث يتبين إن الطليعة في ذلك لم تكن أوروبا, أو الدول التي تدعي الحضارة لنفسها دون غيرها:

الدولة تاريخ الإلغاء

فنزويلا 1863

البرتغال 1867

هولندا 1870

النرويج 1905

أكوادور 1906

أورغواي 1907

كولومبيا 1910

السويد 1921

سويسرا 1942

فرنسا 1981

المملكة المتحدة 1998



ولا يتسع المجال هنا لمتابعة التطورات التي عرفتها عقوبة الإعدام ومكانها في القوانين الجزائية المتعاقبة في الدول الأوربية وغيرها من الدول التي مازالت تعتمدها, وتلك التي ألغتها وإنما الإشارة إلى أن بعض النقاشات حولها كانت تدور بشكل أساسي حول: شرعيتها وفائدتها.

والواقع إن الجدل حول عقوبة الإعدام منذ القدم والى اليوم لم يتعد التساؤلات حول طبيعة العقوبة وحول جدوها والفائدة منها . فهل يجب قتل القاتل ؟ وهل موت المجرم يحمي المجتمع منه ويردع كل المجرمين المحتملين من ارتكاب الجرائم؟.لقد تفاوتت الردود على ذلك كما رأينا أعلاه .. فغالبية فلاسفة القرن الثامن عشر أدانت طرق تطبيق العقوبة , ورجال القانون والمشرعون كانوا يرون ضرورة بقائها. ويؤكدون على فائدة تطبيقها على الأقل في حالات محددة. وقد استمرت في كل التشريعات الأوربية طيلة القرن التاسع عشر و حتى نهاية القرن العشرين.

و يوازي ذلك, وعبر التاريخ, نشاطات تيار أنصار إلغاء هذه العقوبة بتطوير حججهم, منذ بيكارا والى اليوم , ومنها, انه :

ـ لا يمكن إصلاحها في حالة الخطأ القضائي . فالخطأ إنساني و غير معصوم منه حتى القضاء, مهما بلغ من درجات الكفاءة. ومهما كانت الإجراءات المتخذة, وخاصة في القضاء الجزائي مع وجود لجان المحلفين. وما أكثر الأحكام, حتى في درجاتها النهائية, المشوبة بالخطأ. فالإصلاحات القضائية, ومشاريع الإصلاحات, مستمرة في الدول الديمقراطية ــ وحدها بطبيعة الحال ــ وهذا اعتراف بعدم وجود نظام قضائي يحوز درجة الكمال. مضاف إليه عدم توفر الحرية الكاملة في العديد من الحالات لحق الدفاع, وكفاءة الدفاع نفسه. ويمكن إصلاح بعض أخطاء القضاء الواقعة على الأموال أو الحريات. ولكن لا يمكن إعادة الحياة لبريء تم إعدامه. وما أكثر الأمثلة, المعروف منها, على ذلك في تاريخ القضاء قديما وحديثا. من حيث الشرعية يعتبر البعض إن المجتمع لم يمنح الحياة للإنسان وبالتالي ليس من حقه انتزاعها.

ـ لا تتلاءم مع ما وصلت إليه الإنسانية في القرن الواحد والعشرين من قيم ومفاهيم. وما توصلت إليه العلوم الجنائية والقانونية من تطور, وإيجاد البدائل العصرية للحفاظ على المجتمعات والنظام العام. حيث لم يعد مقبولا تطبيق عقوبة المماثلة, قانون تالون loi talion ", العين بالعين والسن بالسن" الذي يصدم المشاعر ويحط من القيمة الكرامة الإنسانية و
طرح بتيون Pétion في اليوم نفسه أسئلة منها :هل للعدالة, بقسوتها, الحكم على إنسان بحرمانه من حقه في الحياة؟ هل للمجتمع هذا الحق على احد أعضائه؟ هل تفرض المصلحة العامة مثل هذا القربان البشع ؟ .

جريمه الاغتصاب فى قانون العقوبات المصرى

نص القانون :- مادة 267 عقوبات
(( من واقع انثى بغير رضاها يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة او المؤقتة .
فإذا كان الفاعل من اصول المجنى عليها او من المتوليين تربيتها او ملاحظتها او ممن لهم سلطة عليها او كان خادما بالأجرة عندها او عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد )) .
تعريف الإغتصاب :- الإغتصاب هو اتصال الرجل جنسيا بالمراءة كرها عنها .
اركان جريمة الإغتصاب : والإغتصاب حتى يتحقق قانونا يتطلب توافر ركنين مادى ومعنوى لتكوين الجريمة وانزال العقاب على المتهم الجانى .
أولا:- الركن المادي
ويشتمل على هذا الركن المادى على عنصرين يساند كل منهم الأخر واذا ماانتفى احدهم لم تقم الجريمة وهذان العنصران هما الوقاع وعدم الرضا لذا سنتولى عرض كل منهم حتى يمكن التعرف على كل عنصر .
(1) العنصر الأول : الوقاع
هو الأتصال الجنسى التام بين المراءة وبين الرجل بان يلج فيها قضيبة من عضوها التناسلى ايلاجا ولو جزئيا ولو لمرة واحدة وهذا مفادة اننا يجب ان نكون بصدد رجل لة القدرة على الممارسة الإتصال الجنسى بامراءة ولا يشترط فى ان يكون هذا الإتصال لمرات متعددة بل يكفى الايلاج لمرة واحدة وسواء تم القذف منة او لم يتم ولا يعتبر قاعا اتيان المراءة من الخلف .
والإتصال المعنى هنا هو الإتصال الجنسى التام بين الرجل والمراءة والذى يتم فية ايلاج الرجل لعضوة التناسلى فى العضو التناسلى للمراءة .
ملاحظات حول هذا العنصر :-
· لا يشترط الإيلاج اكثر من مرة بل يكفى لمرة واحدة .
· لايشترط ان يكون الإيلاج لكامل عضو الرجل .
· لايشترط ان تكون الأنثى فى سن محدد بل يكفى ان يكون عضوها التناسلى كافى للأيلاج فية .
· يشترط فى الراجل الجانى ان يكون قادر على الإتصال الجنسى
· يشترط ان تكون الأنثى حية لأنها ان كانت متوفاه كنا بصدد جريمة انتهاك حرمة القبور .
· الا تكون هناك زوجية قائمة بين المتهم والمجنى عليها .
· اتيان الأنثى من الخلف لايعتبر وقاعا

(2) العنصر الثانى : عدم الرضا
وعدم الرضا الذى يستهدفة المشرع عو عدم انصراف ارادة المجنى عليها على الى قبول الإتصال الجنسى مع الجانى وقد يكون عدم الرضا هذا نتيجة الأكراة المادى او المعنوى او بما يحوية هذا المعنى من سلب ارادة او او تكون المجنى عليها غير مدركة او مصابة بضعف عقلى او فى حالة اغماء او فى حالة غش او خداع
مع ضرورة الأخذ فى الإعتبار. ان يكون الأتصال واقع فى ذلك الظرف من الإكراة . حتى ولو انتفى الأكراة اثناء المواقعة .
ملاحظات حول هذا العنصر :-
ونسوق على سبيل المثال لا الحصر امثلة لأنتفاء الرضا الذى تتحقق بة جريمة اغتصاب انثى المجرمة بالمادة 267 عقوبات
- طلاق الزوج لزوجتة غيابيا دون علمها ومواقعتها اثناء الطلاق ان ثبت ان المواقعة لم تكن برضاها لو علمت بطلاقها يعتبر من قبيل الإكراة .
- اذا كانت المجنى عليها تتوهم ان الذى دخل فراشها هو زوجها وواقعها فهذا من قبيل الإغتصاب.
- ارقاد الأنثى عنوة ونزع ملابسها وجذب سروالها ومسكها برباط الأستك فمزق الجانى لباسها واخرج قضيبة واولجة فيها هو من قبيل الأكراة .
- خلو فخد المجنى عليها من اصابات ووجود اصابات على وجهها لايعنى رضاها على بل قد يكون دليل لسكوتها تحت تاثير التهديد.
- اصابة المجنى عليها بمرض عقلى وعدم ادراكها خطورة افعالها يفيد بعدم الرضا
ثانيا :- الركن المعنوى هو القصد الجنائى .
القصد الجنائى الذى تطلبة المشرع للتأثيم على هذا الجرم هو القصد الجنائى العام الذى يتحقق بمجرد علم الجانى بان ارادتة قد انصرفت الى احداث اتصال جنسى تام مع امراءة ولم يتم لة ذلك الا اذا كانت مكرة علية وانها لم تكن لتقبل او انها ستمتنع عن هذالإتصال لو كانت فى حالة طبيعية غير مسلوبة الإرادة او مكرة علية .
العقوبة .
اغتصاب الأنثى جريمة يعاقب مرتكبها بالأشغال الشاقة الموبدة او المؤقتة.
الظرف المشدد :-
عقوبة جريمة اغتصاب انثى بدون رضاها جريمة قد تكون لها ظروفها المشددة التى توجب ايقاع اقصى عقوبة وهى عقوبة الأشغال المؤبدة ومن هذة الظروف المشددة للقضاء بالأشغال الشاقة المؤبدة حسبما اوردتها المادة 267 عقوبات.

· ان يكون الجانى من اصول المجنى عليها وهم الجد والأب .
· ان يكون الجانى من المتولين تربية المجنى عليها سواء بحكم القانون مثل الوصى او القيم او بحكم الواقع مثل زوج الأم العم الأخ زوج الأخت او الخال زوج العمة او الخالة .
· ان يكون الجانى ممن لهم سلطة على المجنى عليها سواء كانت سلطة قانونية او غير قانونية مثل سلطة رب العمل على العاملات او رئيس العمل على مرؤسية من الأناث او المخدوم على خادمتة على مخدومة او سلطة غير قانونية كمن يفرض الأتاوات على الغير او من يرهب اناث لة عليهم سلطان تنفيذ اوامرة كالشحاذات او المتسولات .
· ان يكون الجانى خادم بأجر سواء عند المجنى عليها او عند اصولها او المتولين تربيتها
الكاتب علي عبدالله الحمادة – ماجستير قانون جنائي - جامعة حلب

أقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحـامـاة بأمــانة و شرف و أحافظ على سرالمهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الاحترام الواجب للمحاكم و للسلط العمومية