jeudi 24 janvier 2008

المسؤوليّة المدنية للمحامي


الجمهورية التونسية وزارة العدل وحقوق الإنسان المعهد الأعلى للقضاء
المسؤوليّة المدنية للمحامي
إعداد : الملحق القضائي سامي القعليش تحت إشراف : الأستاذ نورالدين الغزواني
السنة القضائية : 2003 -
2004
شــــكـــر
أتقدمّ بكل تحايا التقدير والإحترام إلى الأستاذ نورالدين الغزواني
لتفضلّه بالإشراف على تأطيرهذا العمل.
كما أتقدمّ بالشكر إلى جميع رؤسائي وأساتذتي وإلى
كل من ساعدني على إنجاز هذا العمل مـن قريب أو مـن بعيد.
&"عَلِمْنَا هَذَا الرَأي فَمَنْ جَاءَ بِأَحْسَنِ مِنْهُ قََبِلْنََاهُ"& أبو حنيفة
يَقُولُ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلََّمَ:"إنّكم تَخْتَصِمُونَ
إلى رَسُولِ الله، وَإنََّّمَا أَنَا بَشَر، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلَْْحَنَ بِحُجَِّتِهِ مِنْ َبْعضٍ،
وَإِنََّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمِنْ قََضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئٌا فَلا يَأْخُذَهُ،
فَإِنََّما أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إسِطَامٌا فِي عُنُقِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ".
حديث صحيح رواه الإمام أحمد।

الإهداء
إلـى روح عمّتي الغالية التّي وفاها الأجل المحتوم يوم نجاحي في هذه المناظرة رحمها الله:"كُ‍لٌٌّ مَنْ عَلَيَْهــَا فََانٍ وَيبْقََى وَجِْهُ‌‌ رَبّكَ ذُو الجَ‍لَالِ وَالإكُرَام". إلــــى والــديّ العزيزين بـــرّا بهما: "وَقًلْ رَبّي إرْحَمـْــهمَا كَمَا رَبَيَّـــــانِي صَغِيرٌا". إلــــى خطيبتــي رفيقة الدرب بإذن الله : "وجَــــعَلْنَا بَيْنَـــكُمْ مَـــــوَّّدةً ورَحمَــة". إلى إخوتي اللّذين إكتفيت بثقتهم عن طلب رضاء الغير: "قلْ لاَ أَسْأَلُـكُم عَلَيْهِ أَجْـرًًٌِِا إِلاَّ المَـوَدَّّّةَ فْي القُرْبَــى". إلى كلّّ من ساعدني قولا أو فعلا في إنجاز هذا العمل : "وَتَعَاوَنُواعَلََى البِرِّ وَالّتّقوَى وَلا تَتَعَاوَنُواعَلَىالإثْم ِوَالعُدْوَانِ". إلــى من لم تسعفن الذّاكرة بإستحضار جميله
إلى كلّ هؤلاء أهدي هذه الرسالة.
وما توفيقي إلاّ بإذن العليم الحكيم ربّ العالمين وبه أستعين إنّه نعم المولى ونعم النّصير & " قُلْ رَبّي ِزدْنَا عِلْمٌا" &
المقدّمـــــة

" إن " للمهن الحرّة دورا كبيرا في استباق التحولات التي يشهدها العالم والإستعداد للتغيير العميق الذي يفرضه الواقع الجديد بدون التنكر لخصوصياتها أو لثوابت المجتمع وطموحاته . ونحن نعتبر أنَ مهنة المحاماة تحتل مكانة متقدمة في منظومة هذه المهن نظرا لما تكتسيه من أبعاد تشمل الدفاع عن الحرية والذود عن الحقوق ، وبناء على تقاليدها القائمة على مبادئ الثقة والإلتزام بأخلاقيات تجعل من المحافظة على مصالح الحريف واجبا مقدسا لما تتميز هذه المهنة من استقلالية . لقد أصبح من الضرورات الملحة إذ يتعمق المحامون في المجالات القانونية المستحدثة والاختصاصات المتطورة لمواكبة التحولات على المستوى الوطني والعالمي وليتمكن المحامي التونسي من تحقيق الامتياز وكسب رهان المنافسة "( وجدت أنه من المفيد تقديم عرض موجز من خطاب سيادة الرئيس زين العابدين بن علي والذي القي بقرطاج في 27 مارس 1998 بمناسبة مائوية قيام مهنة المحاماة بتونس وذلك للتدليل على عراقة هذه المهنة في وطننا العزيز والتي تم تنظيم شروط تعاطي مهنة الوكيل بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 9 ماي 1897 والذي ألغى أمر 27 ماي 1885.
ولكن قبل الخوض في الجانب التاريخي لهذه المهنة ودور المحاماة في الحياة القضائية ومسؤولية المحامي المدنية وهو موضوع رسالتي كان لزاما علينا أن نعرف المحامي و بيان أهمّية المحاماة مع نبذة تاريخية عن تطور هذه المهنة في أهمّ الأنظمة و الشرائع القديمة مع بسطة موجزة عن وضعية المحامي في الحياة القضائية في أهمّ الأنظمة العالمية المعاصرة ومن ضمنها تونس وهو ما من شانه أن يسهل علينا دراسة واقع مسؤولية المحامي المدنيةوما يجب أن يكون عليه في البناء القانوني الناضج كما أن التعرض إلى هذه البسطة التاريخية ستساهم في تحديد وضع المحامي ومسؤوليته وتأثره بالأيديولوجية السائدة ثم على اثر ذلك سنخلص إلى تحديد موضوع الرسالة والمخطط . أوّلا : تعريف المحامي : لم تعرف معظم قوانين المحاماة ومنها القانون الفرنسي والقانون المصري المحامي وإنما اهتمت بتعداد شروط ممارسة المهنة وبيان مؤهلات المحامين فقط إلاّ أنّ الفقه تولى ذلك فقد عرفه بعض الفقهاء الفرنسيين ( ) :" بأن المحامي هو المقيد قانونا في جدول نقابة المحامين وهو الذي يسدي النصح ويعطي الاستشارة القانونية أو القضائية ويقوم بالدفاع أمام القضاء شفويا أو بالكتابة فيما يمس شرف المواطنين وحرَياتهم ومصالحهم سواء بالمعاونة أو التمثيل إذا اقتضى الحال ". وقد عرّف الفقيه احمد ابو الوفاء ( ) " بأنهم طائفة من رجال القانون غير الموظفين يقومون بمساعدة المتقاضين بإبداء النصح إليهم ومباشرة إجراءات الخصومة عنهم أمام المحاكم بطريق الوكالة " . وبالنظر لما يتَصف به مثل ذلك التعريفين من العمومية بالإيجاز فقد عرفه الفقيه عبد الباقي محمود سواري( ) بقوله : " انّه من اتّخذ من معاونة القضاء في تحقيق العدالة مهنة له بإظهار الحقائق لتبرئة البريء وإدانة المجرم وإلزام المسؤول بجبر الضرر وفي تقريب القضاء من قلوب المواطنين باختزال سبيل إحقاق الحق وفي رعاية مصلحة المجتمع إسهاما منه في بناء المجتمع الأفضل ". و لقد عرّف المشرّع التونسي مهنة المحاماة بالفصل الأول من القانون عدد 87 لسنة 1989 المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة بأنها مهنة حرة و مستقلة غايتها المساعدة على إقامة العدل . ولقد تم تنظيم مهنة المحاماة في تونس بعدة قوانين وأوامر التي يمكن أن نشير إلى أهمّها : - الأمر المؤرخ في 28 فيفري 1852 الذي يضبط مهنـة المحامـي التونسـي حسب تعبير ذلك الأمر. - القانون عدد 37 لسنة 1958 المؤرخ في 15 مارس 1958 المتعلق بضبط مهنة المحاماة وهذا القانون ألغى الأمر المذكور الصادر سنة 1952. - الأمر عدد 154 لسنة 1961 المؤرخ في 7 أفريل 1961 المتعلق بضبط شروط وبرنامج استحقاق الكفاءة لمهنة المحاماة. - القانون عدد 87 لسنة 1989 المؤرخ في 7 سبتمبر 1989 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة وهذا القانون ألغى بدوره القانون عدد 37 لسنة 1958 المشار إليه . - الأمر عدد 1157 لسنة 1994 المؤرخ في 23 ماي 1994 المتعلق بضبط شروط وبرنامج اعتماد شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة و هذا الأمر ألغى الأمر عدد 154 لسنة 1961 المؤرخ في 7 افريل 1961 المشار إليه أعلاه . والحق أن كثيرا من الفقهاء و المفكرين الذين تناولوا مهنة المحاماة بالبحث وصفوها بأنها مهنة سامية فوصفها فولتير " بأنها أسمى مهنة في الوجود " ( ) . كما وصفها دي كريسنير بما يلي :" نشا المحامون ليؤدُوا خدمة عامة وهم يساهمون في توزيع العدالة، لقد أراد القانون أن يقدَم للمتقاضين مستشارين يتسمون بأوسمة الشرف و يحوزون ثقة الناس" ( ). وبالنظر إلى أهمّية هذه المهنة ودورها في الحياة القضائية والمتمثلة أساسا في الحفاظ علىحقوق الإنسان وما تتطلبه من الاستعانة بمدافع عنها قصد تحقيق العدالة والتي تظلّ دوما ملاصقة وماضية بيد الإيديولوجية السائدة وذلك باختلاف انتسابها للنظام السياسي الرائج فالمحاماة تسخّر في الأنظمة الرأسمالية للدفاع عن ذوي النفوذ باسم العدالة وتجنّد في الأنظمة الاشتراكية للدفاع عن الكادحين والمصلحة العامة باسم العدالة نفسها( ) ،ولكن قبل الإحاطة بذلك المنحى وجب علينا أولا التعرف على ما كانت عليه مهنة المحاماة في الماضي وثانيا دراسة المحاماة في الحياة القضائية المعاصرة ثانيا: الأهمّية التاريخية لمهنة المحاماة: تزداد أهمّية الدراسة التاريخية لهذه المهنة إذا علمنا أنّ نظامنا القانوني تمتد جذوره إلى أقدم الشرائع في تاريخ البشرية التي تم العثورعليها حتى الآن منها الشرائع في بلاد الرافدين القديمة لدى السومريين والبابليين ومنها شريعة حمورابي، فالعهد البابلي عرَّف المحامي عن المتّهم باسم المدافع الشعبي ( ) ومنها كذلك الشرائع لدى المصريين القدماء والذين كانوا يرفضون المرافعات الشفوية اعتقادا منهم بأن الخصوم يلقون بمرافعاتهم ضلاَ كثيفا على الحق ذلك لأنَ براعة الخطباء وسحر بيانهم ودموع الذين يستهدفون للعقوبة من المتهمين تدفع الكثيرين إلى التغاضي عن صرامة القانون وقوة الحق لذلك يعتقدون أَنَ التقاضي عن طريق الكتابة يحقَق محاكمة دقيقة وعادلة لذلك قيل بأن قضاؤهم قضاء على ورق وليس قضاء ترافع الأمر الذي يختلف مع المحاماة في أثينا وكذلك لدى الإغريق إذ لم تكن معتمدة على إيضاح القضية و تقديم الحجج القانونية بقدر ما تقوم على التأثير على المحلفين بالبلاغة أو الإثارة فكان المحامي يعرف بالخطيب .Orator أما بالنسبة للمحاماة في القانون الروماني فتمتدَ نشأتها إلى عهد وضع قانون الألواح اثنتي عشر عام 450 قبل الميلاد الذي اعترف بمهنة المحاماة وصار الشخص بمقتضاه يختار من يدافع عنه ممَن أعجب بمواقف دفاع له سابقة أمام المحاكم أومن الَذين اشتهروا في هذا المجال. وتجدر الاشارة إلى أنَ الرومان استعملوا مصطلح المحامي Advocatus أي المدافع الذي يعهد بالمرافعة إلى شخص آخر أطلقوا عليه مصطلح.Partonus والذي يتمَيز بمعرفته بالقانون وإجادته الخطابة وقد زالت تلك التفرقة وذلك بظهور مصطلح جديد الا وهو Concidicus والذي أصبح الإسم الذي يطلق على المحامي في عهد الإمبراطورية.
أمَا بالإطلاع على الوضع القانوني في العهد الجاهلي لمهنة المحاماة نلحظ أنَها لم تعرف كمهنة مستقرَة بهذا الاسم إلاّ أنّه عرف باسم "حجَاجا " أو" حجَيجا" أي قوي الحجة وتقع الاستعانة به لما له من قدرة في البلاغة والاقناع. ولمَا كان العرب قبل الإسلام لم يملكوا قضاء ملزما فمن البديهي عدم استقرار تلك المهنة بالرغم من وجود فكرة المعلونة في الخصومة . ولمَا جاء الإسلام، تولَى الرسول صلى الله عليه وسلَم الفصل في الخصومات والقيام بدور الافتاء استنادا إلى قوله تعإلى: " إنَا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكتَابَ بالحَقَّ لتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاس بمَا أرَاكَ الله وَلا َتَكُنْ للخَائنيْنَ خَصيمَا ". كَمَا أن المتمعّن في القرآن الكريم يدرك أنّها توحي بفكرة المحاماة فقد ورد في صورة القصص على لسان موسى عليه السلام:" قَالَ رَبّي إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًََا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُوْنَ وَ أَخِي هَارُونَ أَفْصَحُ مِنَّى لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رَدْءًا يُصَدِّقْنِي إِنِّى أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونَ ، قَََالَ سَنَشُدَّ عَضْدِكَ بِأَخِيْكَ ونَجْعَلَ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ " ( ) .ومن خلال ما اطلعنا عليه من أحكام الشريعة الإسلامية الغرّاء ، لم نجد ما يجيز احتراف مهنة المدافع في المحاكمات والتي وجدت في الفقه الإسلامي،وذلك في صورة نظام الوكالة على الخصام وليس المحاماة والتي عرفت في القرن الثاني للهجرة في عهد القاضي الإمام أبو يوسف والذي تطوّر إلى نظام إحترافي مشابه للمحاماة في وضعها الراهن وذلك في القرن الرابع عشر .
وبعد هذا العرض الموجز للجذور التاريخية لمهنة المحاماة كان لابدّ من التطرّق بصفة إجمالية إلى المحاماة في الحياة القضائية المعاصرة وذلك من خلال التّعرف لبعض الأمثلة من ذلك النظام ببعض الدول ، بإعتبار أنّ دراسة واقع مسؤولية المحامي المدنية تقتضي البحث عن دور المحاماة في أهمّ الأنظمة المعاصرة ابتداء بفرنسا ومرورا بالنظام الانجلوسكسوني وانتهاء بالنظام الاشتراكي .
ثالثا: دراسة المحاماة في الحياة القضائية المعاصرة:
إنّ تنظيم مهنة المحاماة تولاّه القانون الفرنسي بعد سبعة عشر عاما من الثورة الفرنسية ذلك بانضمام جميع المحامين المترافعين المزاولين أعمالهم في دائرة محكمة استئناف واحدة في نقابة واحدة ، وتعرف مهنة المحاماة ازدواجا بين المحامين المترافعين و هم من يتولون الدفاع أمام القضاء Avocat وكلاء الدعوى Avouè الّذين يتولّون القيام بالإجراءات القانونية وهو نظام نقلته فرنسا من النظام القضائي الانكليزي ، وما يعاب على مثل هذا النظام أنه مكلف زيادة على الإضطرار إلى توزيع الدعوى بين أكثر من شخص ( ).
أمّا بخصوص المحاماة في النظام الانجلوسكسوني فيتميّز في أنكلترا بالتمييز بين فئة الملاحقين للدعوى Solicitors والّذين يتعاقدون مع أصحاب الدعوى مباشرة وفئة المترافعين Barristors والذين يقومون بالمرافعة فحسب ، أمّا في الولايات المتحدة الأمريكية فقد وقع استبعاد مثل تلك الازدواجية ، وتم توحيد المحاماة لعدم جدوى ذلك التقسيم ولكن مع إبقاء الحرية المطلقة للمحامي في ممارسة جميع النشاطات التجارية منها والإدارية أو الوظيفية فيمكن أن يكون محاميا في مكان ما وقاضيا في اقليم آخر.
أمّاعن نظام المحاماة في النظام الاشتراكي فإن المحامي يعدّ مدافعا عن العميل ومساعدا للعدالة وخادما للمشروعية الاشتراكية في الوقت نفسه ( )، ويطلق عليه في الاتّحاد السوفياتي سابقا مصطلح ادفوكاتور Advocatours ويقصد به من يضع نشاطه الحقوقي في خدمة المواطنين أو الدوائر أو المؤسسات سواء تمّ ذلك عن طريق تقديم المشورة القانونية أو النيابة أمام القضاء .
مبدئيا إنّ الحضارة الإسلامية تفرّق بين الوكيل على الخصام من جهة والمحامي من جهة أخري ، فللوكيل على الخصام وجود شرعي في المدينة الإسلامية نظريّا على أقلّ تقدير، فقد جاء في الفقه الإسلامي ما يفيد جواز الوكالة على الخصام لقول محمد بن جزي الغرناطي المالكي: " الوكيل ما جاز له التصرف لنفسه توكيلا خاصا من قبض أو بيع أو خصام ".
وظهرت بوادر الوكالة على الخصام في العهد الحفصي ، لكن دون أن ترتقي إلى خطّة مساعد للقضاء أو أن تصبح وظيفة إجتماعية أو إقتصادية ، فالمؤرّخ بروشفيك يقول من جهة، لا أثر لوكلاء الدعأوى أو المحامين ، ثم يتدارك قائلا من جهة ثانية،لكن هناك وكلاء وهم عبارة عن معتمدين مقابل أجر.
كذلك لم تعرف وكالة الخصام بحلول الطور التركي العثماني بمراحله الديوانية والمرادية والحسينية تلك الوظيفة ، بالرّغم من مضاعفة القضاء الموجود وهو القضاء المالكي بقضاء ثان وهو القضاء الحنفي ، فانّ المحاماة أو بالأحرى الوكالة على الخصام لم تستطع أن تصبح وظيفة إقتصادية وإجتماعية تقوم على التفرغ وتفضي إلى الارتزاق إلا في نهاية العهد الحسيني، ولقد وجدت قضايا كبرى دونت مرافعاتها في كتب لكنها لم تباشر من طرف وكلاء على الخصام أو محامين وإنّما من طرف موظفين ساميين ووزراء أمثال الجنرال حسين والجنرال خيرالدين والشيخ سالم بوحاجب ، ونقصد خاصة قضيتي الوزير بن عياد التي خصت بكتاب عنوانه " حسم الالداد في نازلة ابن عياد "( ) وقضية القابض "القائد نسيم شمامة"( ).
وقد تبلورت معالم خطة الوكالة على الخصام لدى المحاكم التونسية بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 9 ماي 1897 الذي جاء لاغيا لأمر 27 ماي 1885 و الذي تضمن شروط تعاطي مهنة الوكيل التي لا توضع إلاّ بأمر عليّ ، ولا يقلّ سنّ المترشّح للوكالة عن 25 عاما وللوكيل صلاحية الترافع أمام كلّ المحاكم التونسية ، وهي في ذلك الوقت المحاكم الشرعية والمحاكم العدلية التونسية المتمثّملة في محكمة الوزارة وهذه المحاكم الأخيرة تطبّق القانون الوضعي ، وتعتبر الترجمة الفعلية لقانون عهد الأمان الذي نصّ على إحداث محاكم وهي مجلس الجنايات والأحكام العرفية ومجلس التجارة ومجلس الحرب ومجلس الضبطية ومجلس التحقيق وهو عبارة عن محكمة الاستئناف أو التعقيب ،هذا على المستوى المركزي أي في العاصمة على أنّه هناك فروع لهذا القضاء التونسي العلماني ، وتعرف بالمجالس الأفاقية، كما اشتهرت المحكمة الابتدائية بالعاصمة في إطار هذا القضاء بإسم الدريبة ، أمّا محكمة الطّعن فقد اشتهرت بمحكمة الوزارة ،هذه المحاكم العدلية تمّ تنظيمها بأمر ، 18 مارس 1886 ، والتي تبقى معزولة عن النظر في مادتي الأحوال الشخصية والاستحقاق والراجعة بالنظر للمحاكم الشرعية . ولقد أعطى أمر1897 ( ) صفة مساعـد القضاء للوكيـل لـدى المحاكـم التونسية كما جاء نفس النص مانعا على الوكيل جمع هذه الخطة مع وظائف الإدارة والقضاء وعدالة الإشهاد ، وقد يبيّن ذلك الأمر العقوبات التأديبية مع التأكيد على تحمّل الوكيل للمسؤولية المدنية عن الضرر اللاحق بمنوبه وإمكانية التعويض له عن ذلك ، كذلك أفرز ذلك الأمر حقوق الوكيل إزاء الحريف في خصوص الأتعاب ، فإنّ الجهة المختصّة هي وزير القلم بناء على رأي رئيس المحكمة التي يعمل الوكيل بدائرتها .
كما جاء أمر 8 جانفي 1907 مانعا المجاعلة على الوكلاء وهي الإتفاق على أن تكون الأتعاب في شكل نسبة مائوية من نتيجة القضية ، أمّا أمر 19 ماي 1938 فلقد تحدّث خاصة عن اللجنة المشرفة على مناظرة إنتداب الوكلاء تحت إشراف معتمد وزير،العدل وبمقتضى أمر 15 أوت 1945 أعفى الافوكاتية لدى المحاكم الفرنسية بتونس من إجتياز إمتحان مناظرة إنتداب الوكلاء،كما يعفي من المناظرة المحامون المخاصمون ( ( Defenseursوقدماء الحكّام بالمحاكم العدلية التونسية لا المحاكم الشرعية وقدماء الموظّفين بالعدلية التونسية الذين لهم اقدمية 10 سنوات عمل إداري على اقل تقدير .
وتمّ إلغاء التفرقة بين المحامي والوكيل بمقتضى أمر 28 فيفري 1952 والّذي نصّ على إنهاء العمل بكلّ من خطّة الوكيل لدى المحاكم العدلية من خلال إنهاء مفعول أمر 09 ماي 1897 والذي كان بدوره قد أنهى مفعول أمر 27 ماي 1885، وقد أنهى أيضا خطّة الوكيل لدى المجالس الشرعية الواقع تنظيمها بمقتضى أمر 14 نوفمبر 1856.
وبعد هذا العرض للتطور التاريخي لمهنة المحاماة ولما في ذلك من عمق الفائدة في رسم ملامح موضوعنا المتعلّق بمسؤولية المحامي المدنية خصوصا أنّ قواعد المسؤولية المدنية عموما تتبوأ مركزا مرموقا في أي نظام قانوني ، الأمر الذي جعلها تتميّز بالتّطوّر والتجديد على مرّ الأزمنة وذلك استجابة للمقتضيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، فالقواعد المهنية التي تحدّدها قوانين المحاماة تحدث انعكاسا على مسؤولية المحامين في دائرة القانون المدني . بالرغم من أهمّية مسؤولية المحامي ، فإنّ القانون المدني التونسي لم ينضم أحكامها وإنما أخضعها للقواعد العامة في المسؤولية المدنية ، إلاّ أنّ المشرّع التونسي واعترافا منه بخطورة دور المحامين في المجتمع شرّع قانون ينضّم هذه المهنة محدّدا فيه حقوق وإلتزامات المحامين أسوة بما فعله المشرعون في أكثر الأنظمة العالمية المعاصرة ، ومع ذلك فإنّ مخالفة أحكام هذا التشريع رغم أهمّيّته تقتصر على الجزاء التأديبي والجزائي. إنّ القواعد المهنيّة التي تحدّدها قوانين المحاماة تحدث إنعكاسا على مسؤولية المحامين في دائرة القانون المدني ، ذلك لأنّ تطبيق القواعد القانونية أضحى متأثّرا بالمهنة التي يزاولها الشخص ، وأنّ تجاهل هذه الحقيقة أمر يجانب العدل ويبتعد عن الواقع ، فالتّمييز بين الأفراد بحسب مهنهم ضرورة حتمية لا يمكن إغفالها ، وسيجد المشرّع نفسه مجبرا على الأخذ بعين الإعتبار المهن الي يزاولها الأشخاص في تحديد حقوقهم ومدى مسؤوليتهم مدنيّا عن أخطائهم المهنية مع ضرورة تمييزها عن المسؤولية التأديبية والجزائية التي قد تنشأ بين الأطراف المتداخلة في تنفيذ الإلتزام . إنّ هذه المسؤولية تبدو أهمّيتها من عدّة نواح أبرزها : أولا : إنّ القانون المدني التونسي لم يعالج مسؤولية المحامي بنصوص خصّة وجرت المحاكم التونسية على تطبيق المسؤولية العقدية متجنّبة الخلاف الفقهي في تكييف طبيعة هذه المسؤولية . ثانيا: ضياع حقوق المتضرّرين من الحرفاء بسبب أخطاء المحامين في أغلب الحالات ،ذلك لأنهم يفضّلون ترك المطالبة بحقوقهم في التّعويض والإكتفاء برفع شكواهم إلى الهيئة الوطنية للمحامين إيقانا منهم بصعوبة إثبات أخطاء المحامين المهنية ولقدرة المحامين من الإفلات من المسؤولية في وضعها الحالي ثالثا: لم تحظ مسؤولية المحامي المدنية بدراسة وافية على غرار مسؤولية بقيّة المهنيين كالأطبّاء والمهندسين وغيرهم وذلك من قبل رجال القانون في الوطن العربي ، بالرّغم من الضرورة الملحّة إلى دراستها وتحديد طبيعتها ، لذلك فقد إختلف الفقه المعاصر في تكييف طبيعتها ، فمن الفقهاء من أكّد أنّها مسؤوتية عقدية ومنهم من زعم أنّها مسؤولية تقصيرية ومنهم من تراءى له أنّ أفضل تكييف هو إعتبارها مسؤولية قانونيّة .
وبذلك آثرت أن يكون موضوع مسؤولية المحامي المدنية عن أخطائه المهنية عنوانا لرسالة والتي تثير لنا الإشكال التّالي : فماهيّ حينئذ الطّبيعة والنّضام القانوني للمسؤولية المدنيّة للمحامي ؟
للإجابة عن ذلك الإستفهام سنتناول بحثه في إطار بابين إثنين ، نتطرّق في إطار( الباب الأول) إلى دراسة الطّّبيعة القانونيّة للمسؤولية المدنيّة للمحامي ، وسنتناول في الباب الثاني إلى النّظام القانوني لتلك المسؤوليّة .
الباب الأول : الطبيعة القانونية للمسؤولية المدنية للمحامي :
تعدّ دراسة الطبيعة القانونية لأي مؤسّسة من أدقّ وأصعب المسائل التي تجابه رجال القانون وكافة القضاة والفقهاء والمحامون لأنّه يعني بيان طبيعتها توضيح مفهومها وتحديد أساسها وعلى ضوئها تتحدّد الأحكام واجبة التطبيق على الوضعيات القانونية المثارة .
ولعلّ دراسة الطبيعة القانونية لمسؤولية المحامي المدنية تعدّ شائكة ولا تخلو من التعقيد والتي تقتضي الوقوف على ماهيتها أولا وإعطائها الوصف الحقيقي وهو بحث على غاية من الأهمّية، سيما وأنّ تحديد تلك الطبيعة ظلّ غامضا بسبب سكوت القانون المدني عموما وقانون مهنة المحاماة سنة 1989 خصوصا، ممّا نتج عنه تضارب في أحكام القضاء واختلاف آراء الفقهاء بشأنها . فالمسؤولية المدنية عموما قد عرّفها الفقيه الفرنسي الاستإذ " ريني سافيتي" : "بكونها الإلتزام المحمول على الشخص لتعويض الضرر الذي تسبّب فيه للغير نتيجة عمله أو بسبب الأشخاص أو الأشياء التي في حفظه "( ).
وإذا كان هناك إجماع لدى الفقهاء وفقه القضاء حول تحميل المحامي مسؤولية مدنية نتيجة الإضرار التي تلحق حريفه أو الغير بسبب أخطائه المهنية أو أخطاء من هم تحت نظره من محامين أو من أعوان كتبته، إلاّ أنّ طبيعة تلك المسؤولية ظلّ غامضا وذلك بالنظر إلى تعدّد العلاقات التي تنشأ الحق في التعويض وطرح الإستفهام بغية التّعرّف هل أن مسؤولية المحامي تعاقدية منشؤها الإخلال بإلتزام عقدي،أم أنّها تقصيرية أساسها الإخلال بواجب قانوني.
للاجابة عن هذا الإستفهام سنتولى تقسيم هذا العمل إلى بابين نعرض فيهما مختلف الآراء القائلة بأنها مسؤولية تعاقدية (الفصل الأول) ومن يعارض هذه الاراء للقول بأنها مسؤولية تقصيرية بالأساس (الفصل الثاني) .
الفصل الأول : المسؤولية العقدية للمحامي :
يتّجه معظم الفقه والقضاء في فرنسا ومصر ( ) إلى إعتبار أن مسؤولية المحامي المدنية عن أخطائه المهنية مسؤولية عقدية أساسها الإخلال بإلتزام تعاقدي ، وإلى جانب هذا الإتّجاه يذهب القانون العام الانكليزي Common law إلى إعتبار علاقة المحامي بعميله هي علاقة الموكّل بوكيله أي أن الوكالة هيّ التي تحكم العلاقة بينهما ( )، كذلك هو الأمر في الولايات المتّحدة الأمريكية ( ) .
إلاّ أنّ القانون التونسي لم يحدّد صراحة طبيعة تلك المسؤولية وسيظلّ الجدل قائما في هذا الخصوص خاصة وأن عبارات الفصل 35 من قانون عدد87 لسنة 1989 المؤرخ في7/9/1989 جاء به ما نصّه: " المحامي مسؤول طبق لأحكام هذا القانون وغيره من القوانين فيما يرتكبه من أخطاء صناعية "، بالرّغم من أنّ قانون تنظيم مهنة المحاماة إعتبرالمحامي نائبا للأشخاص و الذّوات المعنوية ويساعدهم ويدافع عنهم لدى جميع الهيئات القضائية والإداريةوالتأديبية ويقدّم الاستشارات القانونية . ولئن أجمع الفقه والقضاء على إعتبار مسؤولية المحامي هي مسؤولية عقدية سواء عن أخطائه المهنية( المبحث الأول ) أوعن أخطاء غيره ( المبحث الثاني ) إلاّ أنّهم إختلفوا حول أساس تلك المسؤولية وأركانها .
المبحث الأول : مسؤولية المحامي العقدية عن أخطائه المهنية :
ولئن كان معظم الفقه والقضاء كما أسلفنا الذكر في كلّ من فرنسا ومصر وانقلترا إلى إعتبار تلك المسؤولية هي مسؤولية عقدية بالأساس، وأنّ مصدرها الإخلال بإلتزام عقدي إلاّ أنّ أصحاب هذا الرّأي قد إختلفوا في خصوص طبيعة ذلك العقد ( الفرع الأول )، ثمّ نوجز في إطار الفرع الثاني إلى تحديد أركان تلك المسؤولية (الفرع الثاني ) .
الفرع الأوّل : أساس المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطائه المهنية :
أثار أساس المسؤولية العقدية للمحامي جدلا كبيرا واسعا بين الفقه والقضاء وتضاربت أحكام القضاء، وذلك نظرا لسكوت القوانين حياله، وقد إتّجه رأي قديم في الفقه متأثّرا بالقانون الروماني إلى نفي وجود العقد بين المحامي وعميله كأساس لقيام المسؤولية المدنية العقدية للمحامي، إلاّ أنّ ذلك الراي قد تراجع ليستقرّ في آخر الأمر إلى الإقرار بوجود العقد الذي يربط المحامي بوكيله وينتج عنه أثار مباشرة ، فهي تنشأ لكلّ طرف من طرفيها حقوقا كما تلزمه بإلتزامات .
ولئن كان العقد حسب أنصار المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطائه المهنية هو أساس لها وهو موضوع (الفقرة الأولى)، إلاّ أنّ الإختلاف الذي أثير حول الطّبيعة القانونية لذلك العقد و تعدّد النظريات بشأنه جعل التسليم بذلك الأساس محل ريبة وشكّ وهو أمر سنتعرض إليه إبّان بسطنا لمسألة تقدير ومناقشة النظريات العقديّة (الفقرة الثانية )، والقائلة بأنّ أساس المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطائه المهنية هو الإخلال بإلتزام عقدي بإعتبار أنّ تطبيق لمثل تلك النظريات العقدية على قواعد المسؤولية العقدية لا تكفي لوحدها، وذلك يتأتّى من طبيعة الواجبات الأدبية والأخلاقية للمحامي وللطابع الخاص لمهنة المحاماة وخصوصيتها، الأمر الذي جعل بعض الفقهاء في فرنسا وفي تونس ينادون بوضع قانون مهني يعالج فيه مسؤولية أرباب المهن حسب الطبيعة الخاصة بإلتزاماتهم ( ) .
الفقرة الأولى : العقد هو مصدر إلتزام المحامي في علاقته بحرفائه :
بالنظر لتشابك أعمال المحامي وإختلاطها ، فهو يقوم بتصرفات قانونية وأعمال مادية وتبدو أعماله مختلطة أحيانا ، فقد إختلف الفقه والقضاء اللّذين إعتبروا مسؤولية المحامي عقدية حول تحديد مصدر إلتزامه العقدي وتوزعا على عدّة نظريات إصطلحنا على تسميتها بنظريات العقد المسمّى، وهو أمر سنشرحه بكل تفصيل في إطار (المطلب الأول )، لنخلص فيما بعد إلى بسط نظرية العقد الغير مسمّى موضوع (المطلب الثاني )، وذلك بغية الظفر بتحديد قانوني لطبيعة ذلك العقد الذي يرتّب عند الإخلال به مسؤولية المحامي .
المطلب الأول : نظريات العقد المسمّى :
قد تبدو المسالة سهلة في ظاهرها لأن المحامي يرتبط بزبائنه بأعمال مهنية مقابل مبالغ يتقاضاها منهم تسمّى أتعابا فالعلاقة في ظاهرها تعاقدية تبادلية بين الفريقين، وفي حال عدم تنفيذ أحدهما لموجباته تترتّب مسؤولية تعاقدية، ولكن الأمر في الحقيقة أكثر تعقيدا إذ أن النظريات العديدة التي أطلقت تظهر الصعوبات التي واجهت الفقهاء، وللخلوص إلى نتيجة مقنعة في مهنة تخضع لقواعد أخلاقية قاسية مع المحافظة على الطابع القانوني والمنطقي نذكر أهمّ تلك النظريات تباعا وهي :
أولا : نظرية العقد المجاني :
ترى هذه النظرية أنّ مهنة المحاماة تتميّز بالترفّع المادي، فطبيعة وكالة تبدو في جوهرها وتأخذ هذه النظرية مكانة المحامي الخاصة، وقد تأثرت إلى حدّ بعيد بالرومان حيث كان المحامي يعتبرالوكيل القانوني المجاني لموكّله ( )، وأنّ خدماته لا تقدّر بالمال إذ أن العمل اليدوي هو الذي يلقى أجرا .
وقد تمّ التخلي عن هذه النظرية في أيامنا الحاضرة لفائدة نظرية الوكالة بمقابل لأنّ فكرة عدم المنفعة المادية ومجانية المهنة ليس سوى أراء نظرية فارغة من جوهرها .
ثانيا : نظرية الوكالة بالخصومة :
إنّ وكالة المحامي وكالة بالخصومة، ويعتبرها البعض وكالة خاصة أو وكالة من نوع خاص، والوكالة بالخصومة تخوّل للمحامي رفع الدعوى ومتابعة إجراءاتها والحضور بمكاتب التحقيق وإدارة السجون وجميع الهيئات القضائية والعدلية وذلك قصد حسن تمثيل منوّبه، ويعتبر هذا الرأي هو الرأي السديد والغالب فقها وقضاء وتشريعا والذي يعتبر أنّ العقد الذي يربط المحامي بموّكله هو عقد وكالة ، إلاّ أنّه لم يسلم هذا الراي سواء من ناحية عدم انطباق أحكام عقد الوكالة على جميع إلتزامات المحامي، أومن ناحية عدم إنسجام أحكام عقد الوكالة مع الدور الخطير الذي يضطلع به المحامي في المجتمع. بالاضافة إلى الاتجاه الفقهي الرافض لفكرة العقد، إذ ذهب بعض الفقهاء في فرنسا إلى القول بان الاعمال الذهنية والادبية والعلمية لا يمكن ان تكون محلا للتعاقد ، فلا يكون المحامي ملتزما قبل عميله وبالتّالي لا يجبر العميل على دفع الاجرة للمحامي وذلك صيانة لجلال العلم وحيلولة دون صيرورته وسيلة لاتّجار( )، وقد سلك القانون العمومي الانكليزيlaw Common ( ) وكذلك الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية )) وكذلك بالنسبة للقانون التونسي الإتّجاه القائل بأنّ العقد الرابط بين المحامي ووكيله هو من قبيل التوكيل الخاص، إذ أنّ المشرع التونسي صلب مجلة الإلتزامات والعقود الصادرة سنة 1906 وتحديدا الفصل 1118 م . ا . ع .الذي جاء به بأن: " التوكيل على الخصام يعتبر توكيلا خاصا وأحكام هذا القانون تجري عليه"، كما أنّ قانون مهنة المحاماة الصادر سنة 1989 يصبّ في نفس هذا الاتجاه، إذ ورد بالفصل الثالث منه مصطلح النيابة و التمثيل وهو ما يقصد به معنى الوكالة، كما حدّد ذلك القانون إلتزامات وحقوق كل من طرفي التوكيل كما أنّ م . م . م . ت .خوّلت للمحامي رفع الدعوى و متابعة إجراءاتها دون لزوم توكيل كتابي، إذ إعتبرت نيابته قانونية ووجوبية لدى المحكمة الابتدائية ويعتبر مقرّ المحامي مقرّا مختارا لمنوّبه في درجة التقاضي التي هو نائبا فيها( ).
وبالرغم من كل الانتقادات الموجّهة إلى هذه النظرية فإنّ التطبيقات القضائية من ذلك القضاء الفرنسي والمصري والعراقي إعتبر العقد الذي ينظّم العلاقة بين المحامي ومن يدافع عنه عقد وكالة ( ) وليس عقد مقاولة أو إجارة على عمل وهو ما سنتولى بسطه في الإبّان.
ثالثا : نظرية عقد المقاولة :
يرى البعض أنّ إرتباط المحامي بزبونه يشكّل عقد مقاولة رافضين بهذه الطريقة رابطة التبعية بين المحامي وزبونه معتبرين أنّ هذا العقد يتناسب أكثر مع وضعية المحامي مع حريفه،إذ يبذل الأول للثاني جهدا محدّدا يتمثّل في المدافعة والمرافعة عن القضية المسندة إليه بأتعاب تحدّد بالاستناد إلى المهمّة المنجزة بدون أيّة رابطة تبعيّة بين الطرفين ( ) .
ويعرّف بعض الفقهاء عقد المقاولة بأنّه عقد يقصد به، أن يقوم شخص بعمل معيّن لحساب شخص آخر في مقابل أجر دون أن يخضع لإشرافه أو إدارته (2) ، ويطرح التساؤل في هذا الخصوص إلى أي مدى ينطبق عقد المقاولة على أعمال المحامي ؟
إنّ مهنة المحامي هي أساسا الدفاع أمام المحاكم عن الحقوق والمصالح محلّ النّزاع سواء بالترافع مشافهة أو كتابة أو بتقديم استشارة بغية حماية الحقّ، ولمّا كان لمثل تلك الأعمال من الأعمال المادية القانونية هي بإسم المحامي الشخصي لا بإسم من ينوبه، لذلك إعتبر العقد المبرم بين الطرفين هي من قبيل عقد المقاولة شريطة أن لا يخضع المحامي في أداء هذه الاعمال لرقابة وتوجيه عميله، وهذا الرأي يذهب إليه غالبية الفقهاء وأهمّهم نذكر جوسران و بلانيول وكابيتان وريبيرومازو .
إلاّ أنّ ذلك الرأي قد واجه نقدا شديدا بالنّظر إلى الاقتصار على الأعمال المادية للقول بأن العقد هو من قبيل عقد المقاولة نافيا على العقد الصبغة التوكيلية أثناء إضطلاع المحامي بأعمال قانونية تتمثّل أساسا في الإتّفاق الواقع بين المحامي وعميله على رفع الدعوى نيابة عنه وتقديم الطلبات والدفوعات والطعون، وهي في مجملها أعمال قانونية .
أمّا بخصوص إعطاء إستشارة أو الترافع فهي من قبيل الأعمال المادية، لذلك ذهب الدكتور السنهوري إلى إعتبار أنّ أعمال المحامي هي خليط من الأعمال القانونية التي تستتبع بأعمال مادية وتلحق بها، وإعتبر أن عقد الوكالة هو المنطبق بإعتباره العقد الغالب في هذه الحالة وذلك بشرط أن تكون هذه الأعمال متداخلة ولا يمكن فصلها عن بعضها،أمّا كلما أمكن الفصل بينهما فامكانية إعتماد نظرية عقد الوكالة كلّما تعلّقت بأعمال وتصرّفات قانونية وعقد المقاولة كلّما تعلقت بأعمال مادية .
ويتعمّق ذلك الجدل مع جانب آخر من الفقه الذي يرى بأنّ العقد المبرم مع المحامي هو عقد إجارة خدمات بالرغم ما تحمله النظريات السابقة من نصيب هام من الصحّة في بعض جوانب أعمال المحامي إلاّ أنّها لا تعبر عن الحقيقة كلّها لأنّ ما يسديه المحامي هو من قبيل الخدمات .
رابعا : نظرية عقد إجارة الخدمة :
يرى الفقيه الفرنسي Quiga بأنّ الرابطة بين المحامي وعميله ماهي إلاّ عقد إجارة خدمات وهو عقد يقابل عقدي المقاولة والعمل ( ) لأنّ القانون المدني الفرسي الصّادر في 1803 إعتبر المقاولة نوعا من الإيجار ونصّ صلب الفصل 1708 على أنّه يوجد نوعان من عقود الإيجار، إيجار الأشياء وإيجار الأعمال كما نص في الفصل 1779 على أنّ إيجارالاعمال يشمل إيجار الأشياء وإيجار الناقلين وإيجار مقاولي الأعمال. والقانون الفرنسي في مسلكه هذا كان متأثّرا بالقانون الروماني الذي كان يعتبر العقود الواردة على العمل نوعا من الإيجار.
ويرى أصحاب هذا الراي أنّ أحكام ذلك العقد تكاد تنطبق على العقد الرابط بين المحامي وعميله فهو وعد بإسداء خدمة مقابل أجر، إلاّ أنّ مثل هذا الراي لم يسلم من القدح بإعتبار أنّ المحامي يختلف إختلافا كبيرا عن أي أجيرآخر، لأنّ مهمته ليست تقديم الخدمة وتقاضي الاجرة فقط، بل تتعداه للمشاركة في واجب تحقيق العدالة والإلتزام بأدبيات ومبادئ وضوابط تجعل من مصلحة عميله ليست هي كلّ ما يصبو إليها بقدر ما يسمو برسالته إلى تنوير القضاء و إلاّ كان عرضة لجزاء تأديبي قاس يصل إلى حدّ إيقافه عن العمل، لأنّ أساس إلتزامه حسب البعض هو عقد من عقود المرفق العام .
خامسا : نظرية عقد القانون العام :
إعتبر أبلتون ( ) أنّ الخطأ الأساسي لجميع النظريات أنها وضعت العقد الذي يربط المحامي بعميله في نطاق القانون الخاص فيما تم اهمال عنصر أساسي في العقد متعلق بالقانون العام إذ يقول في هذا الشأن : " إنّ القانون والعرف هما اللّذان يجعلان من المحامي القاضي الأول لحسم النزاع الذي يعقبه دور القاضي للفصل فيه " .
إنّ نظام المحاماة الكامل الذي أنشأ لينظّم علاقات المحامي بموكّليه ليس مستلهما من الرغبة في ضمان نتائج العقود المبرمة بينهم، ولكنّها الضّرورة القائمة لضمان حسن سير الخدمة العامة التي يضطلع بها المحامي .
إنّ الإعانة العدلية إذن و قبل كلّ شيء هي إحدى مقتضيات الخدمة العامة، وقد ينفذ إليها العنصر التعاقدي ولكنه ليس ضروريا وذلك لإنعدامه في حالتي إنتداب المحامي من قبل المحكمة أو الفرع التابع له وهو غير منفصل عن مقتضى الخدمة العامة نفسها والتي ينصّ عليها الاتفاق ذاته وعلى ذلك فهو عقد من عقود القانون العام الذي يخضع لقواعد خاصة ( ) . وهذا الموقف يتّحد مع القانون التونسي حين إعتبر المحامي صلب الفصل الأول من قانون مهنة المحاماة المؤرخ في 07/09/1989 بقوله : "إنّ المحاماة مهنة حرّة مستقلّة غايتها المساعدة على اقامة العدل" ، كما أنّ المشرع التونسي قد نظّم الاعانة العدلية بمقتضى قانون عدد52 لسنة2002 المؤرخ في 3 جوان 2002( )، والذي إعتبر أنّ الاعانة العدلية هي فرع من أعمال القضاء ذاته وكذلك التسخير في المادة الجنائية بإعتبار أنّ لكل متّهم الحق في الدفاع عنه بواسطة محام كلما كانت الأفعال المنسوبة له من قبيل الجناية، فالمحامي حينئذ هو معين لأداء خدمة عامة بدون أن يتقاضى أجرا عن الإعانة العدلية من الحريف مباشرة ، ودون إمكان رفض تعيينه سواء من قبل المحكمة إذا تعلق الأمر بإعانة عدلية ( )، أو من قبل العمادة إذا تعلق الأمر بتسخير.
وقد تأيّد هذا الموقف من قبل الفقه المصري الذي يعتبر طبيعة هذه العلاقة أنّها وليدة رابطة عقدية لجانب من جوانب مرفق عام هو مرفق العدالة ( ) ،إلاّ أنّنا نرى في هذا السياق بأنّ الإعتبارات التي توصّل إليها أبلتون تخرج عن إطار موجبات المحامي تجاه زبائنه بالرغم من موافقتنا من كون المحامي يشترك في ادارة مرفق عام هو مرفق العدالة، والذي تفرضه تقاليد المهنة وأعرافها الغير مدوّنة والمستقرة في ضمير المهنة رغم محاولة عمادة المحامين تدوينها صلب مشروع قانون داخلي طرح للمداولة عقب الجلسة العامة الاستثنائية والانتخابية يوم 06 /10/2000 المنعقدة بمقر هيئة المحامين بقصر العدالة بتونس وتحديدا صلب الباب الأول تحت عنوان المبادئ الأساسية لمهنة المحاماة ( ). إنّ الموقف القائل بنظريّة عقد القانون العام لا يتماشى إطلاقا مع طبيعة مهنة المحاماة فالمحامي ليس موظّفا، لأنّ الموظف لا يكون مسؤولا بصورة شخصية في حالة خطئه الفادح أو خداعه، بينما المحامي يظلّ مسؤولا بصورة شخصية سواء بوجود الخطأ الفادح أو الخداع هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ المحامي يمارس مهنته باستقلالية مطلقة وله الحق في قبول المهمّة المعروضة عليه أو رفضها وذلك في إطار الإعانة العدلية مثلا بينما الموظف ليس له الحق إطلاقا في رفض المهمة التي أنيطت بعهدته سواء أكان مقتنعا أم لا ( ) .
بقي في ختام هذا العرض لنظريات العقد المسمى نشير بأنّها لم تسلم من كل نقد لوجود إمّا إختلاط وتماهي في الطبيعة القانونية للعقد الرابط بين المحامي وحريفه وهي صورة عقد الوكالة والمقاولة والاجارة على الخدمة أو لإعتبار أنّ ذلك العقد يدخل تحت طائلة المرفق العمومي الأمر الذي يدفعنا إلى التطرق إلى نظرية العقد الغير مسمى .
المطلب الثاني : نظرية العقد الغير مسمى :
وقد تبنّى هذا الرأي الفقيه الفرنسي جارسونية إذ إعتبر أنّ عقد اتفاق المحامي ووكيله لا يعتبر عقد وكالة بالمعنى المعروف في القانون إلاّ أنّه عقد معترف بصحّته قانونا وتنشا عنه إلتزامات علىعاقديه صراحة وضمنا، كما تنشأ عنه الأثار التي يقرّرها العرف أو العدالة ولا يمكن مسائلة المحامي بصفته وكيلا بالمعنى المقصود في الوكالة إذا توكّل في عمل خارج عن حدود الاعمال
القضائية ولو أنها لا تتّفق مع كرامته ومهنته وهذا العقد غير مسمّى ( ) .
ويضيف جارسونية بخصوص الأتعاب التي يتقاضاها المحامي لا تعتبر من قبيل الأجر بل تعتبر من قبيل إعتراف الموكّل بالجميل أكثر من إعتبارها أجرا، لذلك ذهب أصحاب هذه النظرية إلى القول بأنّ العلاقة التعاقدية التي تحكم المحامي بزبونه هي علاقة خاصة Sui generis ( ) فهو ليس وكيلا عنه وليس مقاولا لديه ولا أجيرا عنده بل إنّ العلاقة تخضع لعقد غير مسمى يقترب في بعض نواحيه إلى عقد الوكالة، والبعض الآخر ذهب إلى عقد الإجارة على خدمة بالاضافة إلى عناصر جديدة تميّزه إنطلاقا من طبيعة مهنة المحاماة الخاصة التي تهدف إلى تحقيق خدمة إجتماعية فضلا عن تمتع المحامي بالاستقلالية التي تتجاوز مصالح الحريف الذاتية على نحو تفرضه عليه مهنته ومبادؤها مراعاة لمصلحة المجتمع والعدالة عموما، لذلك أصبح من الضروري في بلادنا وضع قواعد جديدة تحكم علاقة المحامي بعميله بحيث تحمي الطرف الضعيف وتبرز دور المحامي في تحقيق العدالة وحسن سيرها تغليبا لصفة العلاقة القانونية على صفة العلاقة التعاقدية والتوسع في إقرار المسؤولية الناشئة عن حكم القانون في دائرة العقود وذلك ما سنتعرض إليه في الفقرة الموالية بغاية تقدير جملة هذه النظريات العقدية من خلال إبراز النظريات الرافضة لفكرة العقد .
الفقرة الثانية : تقدير النظريات العقدية :
يرفض جانب من الفقه و على رأسهم الفقيه Guilloeard وضع العلاقة بين المحاميوحريفه في الحقل التعاقدي ويرى أنه يستحيل الإرتباط الإلزامي لأرباب المهن الحرة ( ) . فالأعمال التي يقومون بها لا تنشأ عن عقد لأنّه من ألزمه بها لا يمكن إلزامه مدنيا بتنفيذه، وأنّ إلتزام المحامي بالدفاع عن موكّله بمناسبة قضية لا يعطي هذا الأخير حقا بإقامة دعوى عقدية ضدّه قصد إلزامه بتنفيذ موجباته العقدية . وما تجدر الاشارة إليه في هذا الخصوص أنّنا لن نكرّر الإنتقادات الخاصة بكل نظرية عقدية على حدة بل سنخلص إلى نتيجة موضوعية بقدر الإمكان .
إنّ كل النظريات العقدية بغضّ النظر عن نوع العقد المقترح ترتكز على مبدأين أساسيّين : العلاقة القانونية بين المحامي و الزّبون من ناحية ومسؤولية المحامي تجاه حريفه من ناحية أخرى، وأهمّ ما يقال حين تقدير النظريات العقدية هو وجود فكرة الاستقلالية التي يتمتّع بها المحامي إبّان مباشرته لأعماله سواء منها القانونية أو المادية والتي تخوّل له حق العدول عن متابعة القضية لاحقا لقناعة شخصية تهمّ أي ملّف ولوشرع في درسه شريطة إعلام موكلّه ذلك حسب الفصل 33 من قانون المحاماة و 75 م . م . م . ت .و إلاّ يشكّل هذا خرقا لمبدأ العقد .
صحيح أنّ التعسّف يشّكل حدود رفضه ولكن هذا الأمر يتعلق بنظرية التعسّف في المجال التقصيري وليس التعاقدي على معنى أحكام الفصل 103 م. ا .ع .
لن نغوص كثيرا في المجال النظري وفي النظريات المتقاربة حينا والمتناقضة حينا آخر بل نكتفي بالقول: "إنّ الأساس القانوني لمسؤولية المحامي تجاه عميله خاضعة لنقاش كبير وكذلك لطبيعة العقد الذي يربط الطرفين معا" ( ).
إنّ الغالبية العظمى من الفقهاء ترى أنّ مسؤولية المحامي هي عقدية كلمّا قام بتمثيل منوّبه بموجب وكالة قضائية وتكون تقصيرية عندما يمثل المحامي لمعاونة حريفه وليس لتمثيله أي أنّ المسؤولية تتغيّر طبيعتها تبعا لتبدّل صفة المحامي تجاه زبونه إنطلاقا من طبيعة العمل الذي يقوم به .
فبالنسبة للقضايا التي يكون فيها المحامي وجوبيا مثلا أمام المحاكم المدنية الفصل 68 م م م ت .فإنّ حضوره إلزامي ولكن ليس لتمثيل المتقاضين بل لمعاونتهم فان المحامي في هذه الصورة لا يكون مسؤولا الا عند اقترافه خطأ تقصيري و نشأ عنه ضرر.
أمّا الصورة التي لا يكون فيها حضور المحامي الزاميا مثلا في القضايا المنشورة لدى محكمة الناحية الفصل 43 م م م ت أو القضايا الحالة الشخصية فانّ مسؤولية المحامي تكون أوسع لانّه ينطق باسم حريفه وكان حريفه حاضرا بالذات ويكون في هذه الحالة وكيلا قضائيا وتنطبق عليه أحكام المسؤولية العقدية المنبثقة عن عقد وكالة .
إنّ الدراسة النظرية لمسؤولية المحامي تثير العديد من النقاشات الفقهية خصوصا في ظلّ التشاريع الحالية ونخلص لاقول قولة الفقيه عبد الباقي محمود سواري ( ): "إنّ العقد مع المحامي عقد معقّد ذو طبيعة خاصة إذ كان يحسن بالمشرّع تنظيم أحكامه وتحديد أسسه كان يسميه عقد المحاماة وذلك لقطع دابر الاختلاف في تكييفه القانوني".
وبعد الفراغ من تحديد أساس المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطائه المهنية ننتقل للحديث في إطار فرع ثان إلى أركان تلك المسؤولية.
الفرع الثاني : أركان المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطائه المهنية:
نصّ الفصل 277 م ا ع ما يلي : "عدم الوفاء بالعقد أو المماطلة فيه يوجبان القيام بالخسارة ولو لم يتعمد المدين ذلك" ، بمقتضى هذا النص تترتّب مسؤولية المدين العقدية ويحكم عليه بالتعويض عند عدم قيامه بتنفيذ إلتزامه أو التأخير في إتمامه دون أن يكون سببه قوة قاهرة أو أمر طارئ على معنى أحكام الفصل 282 م . ا . ع ويشترط لقيام المسؤولية العقدية للمحامي وجود الخطأ العقدي والضرر والعلاقة السببية بينهما.
الفقرة الأولى : الخطأ العقدي
الخطأ في لغة القانون هو الإخلال بواجب قانوني سواء كان إلتزاما بمعناه الدقيق وهو ما يعنينا في هذا المضمار أو كان واجبا قانونيا عاما فتترتّب المسؤولية التقصيرية على الإخلال به( ). أمّا الخطأ العقدي فهو " عدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه سواء نتج ذلك عن عمد أو عن اهمال " ولتحديد معنى الخطأ العقدي بصورة دقيقة يجب التمييز بين نوعين من الإلتزامات العقدية فإذا كان الإلتزام العقدي إلتزاما بتحقيق نتيجة أو بلوغ غاية، تحقق الخطأ بمجرد عدم قيام المدين بتنفيذ إلتزامه لأنّ تنفيذ هذا الإلتزام لا يتم إلاّ بتحقيق نتيجة معينة كإلتزام بنقل حق عيني أو الإلتزام بالامتناع عن عمل أو إلتزام بتسليم وهو ما تتضمنه مجلة الإلتزامات و العقود في فصولها 275 و 277.
ونذكر بأنّ المشرع التونسي ولا المشرع الفرنسي قد وضع تعريف للخطأ العقدي للمحامي صلب قوانين تنظيم المهنة، بل إكتفى في الفصل 35 من قانون المحاماة بأنّ : :"المحامي مسؤول طبقا لأحكام القوانين وأحكام هذا القانون فيما يرتكبه من أخطاء صناعية"، وبعد أن عرفنا الخطأ يحسن بنا تحديد خطأ المحامي المهني ومعيار العناية التي يجب على المحامي بذلها في تنفيذ إلتزاماته وهل هناك تفاوت من حيث الجسامة بين خطأ المحامي في أعماله العادية و خطئه في أعماله المهنية ؟.
من المعلوم أنّ المحامي يختلف عن الرجل العادي في مجال مهنته لما تفرضه عليه هذه المهنة من واجب تنفيذ الإلتزام الذي وكّل عليه من جهة، وبالنظر لما يتوفر عليه من خبرة مهنية وعلمية وعملية من جهة أخرى، ولذلك فإنّ العناية المطلوبة من المحامي تختلف قطعا عن عناية الرجل العادي والمعيار الذي تقاس به عناية المحامي هو معيار المحامي المعتاد أي أوسط المحامين خبرة وعناية( )،وفي هذا الخصوص فقد أشارت المادة 649 من القانون المدني اليمني إلى مقدار العناية الواجبة في الخدمات المهنية بقولها :"عند تقديم الأداءات المرتبطة بممارسة نشاط مهني معيّن تقدّر العناية الواجبة وفقا لنوعية النشاط الممارس مع مراعاة الظّروف المحلية"، ولا وجود لمثل هذا النصّ في القانون التونسي الذي يقدّر العناية بالرجوع إلى طبيعة النشأة والخبرة في حسن أداء ذلك النشاط. و يؤكد ريبير ( ) ذلك بقوله : "يجب على البعض، وهو يقصد المهنيين كافة، أكثر من غيرهم بسبب الوظائف التي يشغلونها والثقافة والخبرة التي اكتسبوها والثقة التي توضع فيهم لتجنّب مواطن الزلل في سلوكهم"
وهكذا يتّضح رسوخ الفكرة المهنية وتأثيرها في تحديد المسؤولية التي تثار في صورة إرتكاب خطأ مهني من قبل المحامي والذي يقاس بما ينبغي بذله من عناية بمستوى المحامي العادي وهو معيار الرجل المهني الصالح le bon professionnel ( )، عوضا عن المعيار القديم المتمثل في معيار الاب الصالح للعائلة Le bon pére de la famille،لكي يثار التساؤل في هذا الصدد هل يشترط في خطأ المحامي نوع من الجسامة أم أنّه يسال عن كل تقصير؟. يلاحظ أنّ أكثر القوانين المدنية التي أشارت إلى الخطأ الجسيم في بعض نصوصها فالقانون التونسي بالرغم من مسايرته للقوانين الحديثة التي أقرّت وحدة الخطأ أشار في بعض نصوصه إلى تطبيقات تدرّج الخطأ ومنها فكرة الخطأ الجسيم دون تحديد لمعناه فقد جاء بالفصل 244 م . ا . ع .أنّه: "لا يسوغ أن يشترط العاقد عدم الزامه بما ينتج عن خطئه الفادح أو تعمّده".
و قد تولّى المشرع اليمني تعريف الخطأ الجسيم في المادة 665 بقوله: "إنّ الخطأ الجسيم هو إنحراف شديد في عناية المواطن الحريص مثل عدم إتخإذ التدابير الأولية الكفيلة بتنفيذ الأداء و تفادي الضرر أو عدم التبصر بالنتائج بالرغم من وضوح احتمالها".
ولقد نظرت محكمة المنستير الابتدائية في قضية تعلّقت مادياتها بخطأ جسيم متمثل في عدم تبليغ مستندات التعقيب في أجالها المحددة قانونا و جاء في إحدى حيثياته ما يلي :" حيث أنّ إلتزام المحامي تجاه منوبه ينقسم إلى نوعين : إلتزام أول بتحقيق نتيجة فيما يتعلق باحترام شكليات وإجراءات وآجال رفع الدعوى وسيرها، وإلتزام ثان يبذل عناية يتمثل في سعيه و حرصه لبذل كل ما في وسعه للمناضلة عن حقوق منوبه طيلة سير الدعوى.
وحيث أنّ المطلوب لم يقم بتبليغ مستندات التعقيب في أجالها المحددة قانونا لمحكمة التعقيب، وأصدرت هذه الأخيرة قرارها برفض التعقيب شكلا وبالتالي فإنّ إخلال المطلوبوتقصيره الجسيم تسبّب في حرمان المدعية من حقها في الطعن والتقاضي، وإعتبرت المحكمة في الأخير بأنّ ذلك خطأ فادح الحق بها ضرر يستوجب التعويض عملا بأحكام الفصل 278 م إع وقضت المحكمة بإلزام المدّعى عليها بالتعويض"( )
أمّا بخصوص الخطأ اليسير فقد إعتبر فقه القضاء الفرنسي أنّ الخطأ البسيط لا يؤدي إلى تعويض كبير بإعتباره لا يتسبّب في ضرر هام، وبالتالي يكون التعويض رمزيا وذلك في إطار قضية تعلق موضوعها بقيام احد الحرفاء بالمطالبة بالتعويض ضد محام بسبب اجراءات عقلة عقارية قام بها ضد مدين وعند قيامه بالاشهارات أخطأ في ذكر عنوان العقار ثم تولّى إثر ذلك تفادى ذلك الخطأ، إلاّ أنّ القائم بالدعوى رفض إقتراح المحامي في الاصلاح وقام بقضية في التعويض، فأجابت المحكمة بأنّ الخطأ المنسوب للمحامي هو خطأ يسير جدّا ويكاد أن يكون معدوما وقضت بتعويض رمزي.
إنّ التمييز بين الخطأ المهني الفاحش والخطأ اليسير والخطأ المهني والخطأ العادي لا مبرّر له، لأنّ المحامي إذا كان بحاجة إلى الطمأنينة والثقة فإنّ الفرد الذي يتعامل معه بحاجة إلى حماية من أخطائه المهنية، ممّا يقتضي مساءلة المحامي عن خطئه المهني كمسائلته عن خطئه العادي وعن الخطأ اليسير.
والواقع أنّ أغلب الفقه والقضاء الفرنسي لا يفرق بين أنواع الخطأ حماية للفرد، كما أنّ أغلب التشريعات ومنها القانون المدني المصري والعراقي قد أقر بوحدة الخطأ، هاجرة بذلك فكرة تدرّج الخطأ الذي نبذها الفقه المعاصر.
إلاّ أنّ ما يؤسف هو أنّ القانون التونسي مازال محافظا على فكرة الخطأ الفاحش (الفصول 244 و 1131 م ا ع ) والخطأ اليسير (الفصل1155 م ا ع) وفكرة الخطأ المهني والخطأ العادي وذلك في الفصل 35 من قانون المحاماة والفصل 1131 م ا ع ،وقد جاء بهذا الاخيرما نصّه: "على الوكيل القيام بما وكّل عليه بغاية الاعتناء والتثبت وهو مسؤول بالخسارة الناشئة لموكّله عن كلّ تقصير"، ويضيف الفصل 1132 م ا ع بأنّ : "الضمان المقرر في الفصل السابق يشتدّ حكمه في صورة إذا كان الوكيل مأجورا وهي صورة المحامي إذا سلّمنا بأنّ العقد الرابط بين المحامي وعميله هو من قبيل الوكالة ، غير أنّ مسؤولية المحامي العقدية تستوجب إلى جانب توفر الخطأ العقدي حصول ضرر للقائم بالتتبع.
الفقرة الثانية : الضرر
الضرر هو الركن الأساسي في المسؤولية لأنّها تعتمد عليه في قيامها فلا قيام بدونه لذلك وجب علينا بالنظر لأهمّية تحديد مفهومه وأنواعه وعناصره وإثباته، وعرّف الضرر بأنه: "الأذى الذي يصيب المتضرّر في حق أو في مصلحة مشروعة سواء إنصب على حياته أو جسمه أو حريته أو ماله أو عواطفه أو شعوره".
مع الاشارة أنّ المشرع التونسي قد قصّر التعويض عن الضرر الأدبي على مجال المسؤولية التقصيرية دون العقدية (الفصول 82_278 م ا ع ، وهذا الأخير لم يتحدث عن الضرر المعنوي والحسّي أثناء تقدير الخسارة ). و يشترط في الضرر أن يكون أولا ثابتا ومحقّقا وثانيا مباشرا، ويقصد بالضرر المحقق والثابت هو أن يكون مؤكّدا سواء أكان حالا أم مستقبلي أمّا الضرر المحتمل فلا تعويض عنه مادام لم يقع ولم يوجد ما يؤكد وقوعه ممّا يتطلب إنتظار النتيجة لطلب التعويض فإذا كان مثلا الخطأ المنسوب للمحامي يهمّ دعوى إبتدائية، فإنّ على الحريف ألاّ يفوّت أجل الاستئناف أو الاعتراض على الحكم الصادر ضده، وعليه القيام بالاجراءات الواجبة و كأنّ الخطأ لم يحدث ثمّ بعدها يستطيع تقييم مدى فداحته.
و قد قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها قالت فيه: "متى كان الحكم الابتدائي قد أقام قضاءه بمسؤولية المحامي عن تعويض موكّلته على خطئه في الدفاع عنها في قضية شرعية خطأ أدّى رفض دعواها، وكان الحكم المطعون فيه رغم تاييده الحكم الابتدائي لأسبابه أضاف أنّ المحامي مقصّرا أيضا لعدم حضوره عن موكلته رغم اتفاقه معها على الحضور فإنّ الحكم يكون متناقضا في أسبابه تناقضا يبطله، ذلك أنّ الحكم المطعون فيه يقرّر مسؤولية المحامي سواء صحّ دفاعه بأنّه لم يخط فيما أيّده من دفاع عن موكلته لدى المحكمة الشرعية أم لم يصح، لأنّه كان لزاما عليه في الحالة الأولى أن يباشر الاستئناف عن موكلته ليتوصّل إلى إلغاء الحكم الابتدائي لمصلحتها بعد أن إتفق معها على ذلك" ( ) .
إنّ هذا القرار يؤكد أنّ تقصير المحامي يبدو في أنه فوّت فرصة على موكلته في كسب الدعوى بالرغم من أن كسبها لم يكن مؤكدا، أمّا بالنسبة للضرر المباشر فقد عرفه فقه القضاء مؤكدا في كلّ مرّة على العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهو ما يكون نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالإلتزام أو التأخّر في الوفاء به، أمّا بالنسبة للضرر الغير مباشر فلا يعوّض عنه في كل المسؤوليتين التقصيرية والعقدية ، ويكون المدين مسؤولا عن الضرر المباشرمتوقعا كان أم غير متوقع في إطار المسؤولية التقصيرية التي سنتعرض لها آنفا، ولا يسأل إلاّ عن الضرر المباشر المتوقع في المسؤولية العقدية إلاّ في حالة غشّه أو خطئه الجسيم.
وفي هذا الاطار تناولت محكمة باريس الابتدائية موضوعا يتعلق بخطأ مادي بسيط في الإسم ارتكب من طرف المحامي ، إنجر عنه عدم الاخذ بعين الإعتبار لوجود رهن على آلة، وتواصل بيعها بسبب عقلة تسلّطت عليها، و من أجل الخطأ المادي في الاسم حرم الحريف من وجود الرهن فقام ضدّ محاميه طالبا تعويضه بالدين موضوع الرهن، فأجابته المحكمة المتعهدة بقضية التعويض بأنّ بيع الآلة باطل لخرقه التشريع المتعلق بالقروض، وأنّ هذا الموضوع له مساس بالنظام العام وكذلك الأمر بالنسبة لإداءات الرهن ورفضت طلب التعويض لأنّّّ العلاقة السببية بين خطأ المحامي والضرر الحاصل غير مباشر( ).
أمّا بخصوص بحث إثبات الضرر فيقع على عاتق المدّعي حسب القواعد العامة في الإثبات كما جاء بالفصل 420 م . ا . ع .القاضي بأنّ:" إثبات الإلتزام على القائم به" فلابدّ من إثبات حصول المضرّة في إطار المسؤولية التعاقدية و حصول العلاقة السبيبة بينها وبين الخطأ.
الفقرة الثالثة : علاقة السببية بين الخطأ والضرر
تعدّ العلاقة السببية ركنا أساسيّا في ثبوت المسؤولية العقدية للمحامي، ويقصد بها أن يرتبط الخطأ بالضرر إرتباط السبب بالمسبّب، سواء ما نشأ منها عن عدم تنفيذ العقد أو ما نتج عن العمل غير المشروع، لذلك ينبغي أن يكون الخطأ أو الفعل الضار هو الذي أدّى إلى وقوع الحادث. و لكن من المعلوم أن فعلا ما لا يمكن إعتباره سببا للضرر الذي حدث إلاّ عند التثّبت من أنّ الضرر لا يقع دون حدوثه، ولكن هل يكفي ذلك لتوفّر العلاقة السببية بين الفعل والضرر وهل تتعادل جميع الأسباب التي أدّت إلى الإضرار؟.
و لقد تعدّدت النظريات في تحديد الأسباب التي يترتّب عليها الضرر لقيام المسؤولية، وأبرزها نظرية تكافئ أو تعادل الأسباب ونظرية السببّية الفعّالة لصاحبها الفقيه Von Kries والتي تفرّق بين السبب المنتج والسبب الثانوي والتي يعتبر بالأوّل.
وآخر ذلك نظرية السبب المباشر وهي نظرية انجلوسكسونية يعتدّ فيها بالسبب المباشر الذي يؤدي مباشرة إلى إحداث النتيجة المشكو منها دون إنقطاع، بقي أن نقول بأن الراي السائد هو أنّ بحث وإثبات العلاقة السببية موكول للمدعي ويجوز للمدّعى عليه أن يدفع المسؤولية عنه بإثبات إنعدام العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، كما يمكنه أن يتفصّى من المسؤولية بإثبات أنّ سبب عدم الوفاء أو التأخّر عنه كان نتيجة لقوة قاهرة أو أمر طارئ وذلك طبقا لأحكام الفصل 282 م ا ع وهو أمر سنتعرض إليه إبّان دراسة سقوط المسؤولية، وإثر كلّ ذلك نخلص الآن للحديث إلى دراسة المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطائه غيره.
المبحث الثاني : المسؤولية العقدية وللمحامي عن أخطاء غيره
جاء بالفصل 44 من قانون 1989 المنظم لمهنة المحاماة بأنّ: ّعلى المحامي أن يحضر بنفسه أمام القضاء، وله أن ينيب عنه من يراه من زملائه وتحت مسؤوليته الشخصية"، كما نصّ الفصل 24 من قانون الشركات المهنيّة للمحامين عدد 65 لسنة 1998 مؤرّخ في 20/07/1998: " كلّ شريك تسبّب في مضرّة أثناء مباشرة لأعماله المهنيّة سواء كانت المضرّة مادّية أو مضرّة حسيّة تكون مسؤولة عن خطئه إذا كان الخطأ ماديّا".
بهذا النص أصبح المحامي مسؤولا عقديا لا بصفة شخصية فقط من إضرار للغير بأخطائه المهنية، بل أصبح مسؤولا عن أخطاء غيره ممّن يستعين بهم في تنفيذ إلتزامه كلاّ أو جزءًا إستجابة لدواعي النشاط المشترك وهوما نصّ عليه الفصل 27 من قانون المحاماة إذ نصّ على أنّ:" المحامي يباشر مهنته منفردا أو بالاشتراك مع غيره أو ضمن شركة مدنية مهنية تخضع للشريع الجاري به العمل"، لذلك فإنّ الضرر الذي يصدر عن فعل أحد من الاتباع أو المساعدين يثير تساؤلا عن مدى مسؤولية صاحب المهنة عنه وذلك بمناسبة تنفيذ عقد المحاماة وبقصد معرفة مسؤولية المحامي العقدية عن أعمال غيره وجب علينا التعرض أوّلا إلى أساس تلك المسؤولية ( الفرع الأوّل ) وثانيا تحديد شروطها ( الفرع الثّاني ).
الفرع الأول : أساس المسؤولية العقدية للمحامي عن أخطاء غيره
إّن غالبيّة الفقه في فرنسا يذهب إلى إعتبار المدين مسؤولا عقديا عمّن يستخدمهم في تنفيذ إلتزامه بالرغم من عدم وجود نص يقرّر المبدأ العام في المسؤولية العقدية عن عمل الغير على غرار القانون التونسي الذي أورد في الفصل 245 م . ا . ع .بأنّ :‌" المديون مسؤول بما يصدر من نائبه وغيره ممّن إستعان بهم على إجراء الإلتزام كما لو صدر ذلك منه وله عليهم الرجوع حيث ما يجب قانونا " ، كما جاء بالفصل 24 من قانون الشركات المهنيّة ما يلي : ّوتكون في هذه الحالة الشركة المهنيّة التي يباشر فيها المعني بالتعويض عمله ضامنة وملزمة بأداء المبالغ المستحقّة إذا أثبت عدم قدرة المدين على الوفاء جزئيّا أو كليّا ولها حقّ الرّجوع عليه بالدرك".
وكذلك نجد مايشابه ذلك التنصيص بالقانون الألماني الذي نصّ صلب المادة 378:" يكون المدين مسؤولا عن تقصير نائبه الشرعي وتقصير الأشخاص الذين يستخدمهم لتنفيذ تعهّدهم كما لو كان ذلك ناتجا عن تقصيره الشخصي ".
وبالنظر إلى غياب أساس واضح لتلك المسؤولية فقد تعدّدت الأراء والنظريات بغية تحديد ذلك الأساس ( الفقرة الأولى ) والتي سنتولى تقدير قيمتها في( فقرة ثانية ).
الفقرة الأولى : النظريات المحددة لأساس هذه المسؤولية
تراوحت هذه النظريات بين من يعتبر خطأ المدين الشخصي أساس هذه المسؤولية في ظل القوانين التي لا تقر مبدأ عامّا لها ومن أبرز هذه النظريات نظرية الخطأ ضد المدين لسوء الاختيار والرقابة ونظرية الإلتزام بتحقيق نتيجة ونظرية النيابة ونظرية القوة القاهرة و بين من لا يعتقد بالخطأ الشخصي للمدين كأساس لهذه المسؤولية في ظل القوانين التي لا تضم مبدأ عامّا ، ومن أهمّ هذه النظريات التي تمّ الإشارة إليها وتبنّيها سواء من قبل المشرع التونسي صلب الفصل 245 م . ا . ع .أو من قبل المشرع الالماني في المادة 378 و اللّذان أقرّا مبدأ عامّا للمسؤولية العقدية عن فعل الغير وهي : أولا : نظرية تحمل التبعة: ومفادها أنّ أي شخص يلجأ إلى إستخدام الأشخاص ليستعين بهم في تنفيذ إلتزامه يكون مسؤولا عن أفعالهم التي تسبّب ضررا للطرف الذي ينفذ الإلتزام لصالحه بالنظر لما يعود على الشخص المستخذم من نفع، ممّا يقتضي تحمّل تبعة الأفعال الضّارة الناجمة عن النشاط المشترك عملا بقاعدة الغنم بالغرم، لهذا ففي صورة الفصل 44 من قانون مهنة المحاماة فإنّ المحامي يعتبر مدينا ومسؤولا ومتحمّلا لتبعة نشاط من إختارهم تحقيقا لمصالحه الخاصة.
ثانيا : نظرية الضمان الضمني : تذهب هذه النظرية إلى القول بأنّ المدين يضمن ضمنا ما يسبّبه مساعدوه و42.تابعوه من أضرار للطرف الآخر وفي ذلك يقول الفقيه "Renaud " أنّ ذلك لم يأت بصراحة القانون، وإنّما ينبغي الرجوع إلى إتّفاق الطرفين المتعاقدين الدائن والمدين، فإذا كان الاتفاق يحتوي على بند يلقي عبء المسؤولية عن أفعال الغير على المتعاقد نفسه، فلا جدوى من إثارة موضوع المسؤولية العقدية عن الغير عندئذ أمّا إذا سكت العقد عن ذلك كان بالامكان إعتبار هذا الضمان متوافرا في أي عقد وافتراض أنّ المدين يتحمل الضمان. ثالثا : نظرية الضمان القانوني : يرى أصحاب هذه النظرية ( ) أنّ الأساس الحقيقي للمسؤولية عن فعل الغير هوالقانون نفسه، وأنّ الإعتبارات تنشأ عن الحرص على تحقيق العدالة والمصلحة العامة، فإعتبارات العدالة تقتضي إقرار هذا الضمان، لأنّ من يستعين بهم المدين غالبا ما يكونون معسرين و يعجزون عن الوفاء بمبلغ التعويض الذي يحتمل أن يحكم به عليهم وضمان حقوق المتضررين أمر تقتضيه المصلحة العامة، فالمدين وهي صورة المحامي هو الاجدر بتحملّ تبعة أفعال تابعيه الضارة بإعتباره مستفيد من أعمال من هم تحت إشرافه .
وكما سبق أن أشرنا فإنّ المشرع التونسي قد أقرّ مبدا عامّا للمسؤولية العقدية عن فعل الغير وذلك صلب الفصل 245 م . ا . ع .والذي حسب رأينا يقوم على أساس تحمل التبعة ونظرية النيابة وذلك بقوله حرفيا: " المديون مسؤول بما صدر عن نائبه وغيره ممّن إستعان بهم على إجراء الإلتزام كما لو صدر ذلك منه "، فهناك من ناحية إتّحاد بين شخص المدين والغير الذي يكون التنفيذ لفائدته، فإذا لم ينفذ النائب الإلتزام إعتبر ذلك خطأ عقديا كما أقرّه في إطار تنظيم الشركات المهنيّة للمحامين صلب الفصل 24.
الفقرة الثانية : تقدير هذه النظريات
الواقع أنّ جملة النظريات الواقع بسطها، قد تعرضت إلى جملة من الانتقادات جعلها لا تصمد أمامها. فبالنسبة لنظرية إلتزام المدين بتحقيق نتيجة قول لا ياخذ بعين الإعتبار طبيعة إلتزام المحامي العقدي، ذلك أنه وإن كان في جانب من إلتزاماته محمولا عليه بتحقيق نتيجة، إلاّ أنّ تلك الإلتزامات تنطوي على بذل عناية، وقد قيل عن فكرة النيابة بأنّها متعسفة وذلك بقولها بأنّ خطأ الغير يعتبر خطأ عقديا صادرا عن المدين قولا لا يسقيم مع قواعد المسؤولية العقدية و يبدو مؤسسا على فكرة الضمان، أمّا بالنسبة لنظرية تحمل التبعة لا تحقق العدالة في دائرة المسؤولية عن فعل الغير ولمن تسبّب في ضرر لغيره بواسطة نائبه ، لأنّ هذه النظرية قد جانبت الصواب لما أحجمت عن فكرة رجوع المدين على الغير الذي صدر عنه الفعل الضار، وهو أمر أقرّه المشرع التونسي في الفصل 245 م . ا . ع بقوله :"وله عليهم الرجوع حيث ما يجب قانونا". كما أنّ نظرية الضمان الضمني واجهت انتقادا مفاده قيامها على افتراض الرضا وعلى تحميل الارادة اكثر ممّا تعنيه وفي القول بالضمان القانوني ما يغني عن ذلك، بالرغم مما قيل في شأن هذا الاخير بكونه لا يصلح كأساس قانوني للمسؤولية العقدية عن فعل الغير، بل أنّه أساس اقتصادي حسب زعمهم، وفي الاخير وبالنظر إلى الانتقادات التي وجّهت إلى تلك النظريات،فإنّ نظرية الضمان القانوني ظلت صامدة و بدت أكثر وجاهة في تحديد أساس المسؤولية العقدية للمحامي عن فعل أعوانه وبدلائه من محامين وغير محامين، إذ نورد في هذا الصدد قولة بيكيه ( ): " الحقيقة أنّ القانون والقانون وحده هو الذي يفرض على المدين ضمان أفعال الغير أراد المدين أم لم يرد، وإذا كان من الممكن للمرء الحديث عن الضمان فإنّ هذا الضمان ليس إلاّ ضمانا قانونيا ".
وهو أمر يتّفق مع ما أقرّه المشرع التونسي صلب الفصل 245 م ا ع و الفصول 35 و 44 من قانون 1989 المنظم لمهنة المحاماة والفصل 24 من قانون الشركات المهنيّة.
الفرع الثاني : شروط مسؤولية المحامي العقدية عن أعمال غيره
بما أنّ المسؤولية العقدية عن الغير هي فرع من المسؤولية العقدية عن الفعل الشخصي فينبغي حينئذ توفر نفس الشروط المتعلقة بالاخيرة والتي سبق أنّ تعرضنا إليها في إطار المبحث الأول وذلك أوّلا وجود عقد صحيح بين الدائن الذي أصابه الضرر والمسؤول وأن هناك رابطة سببية بين الضرر وفعل الغير الذي يسال المدين عنه، كما يجب أن يقع عدم التنفيذ والعقد لازال قائما، وثانيا أن يعهد المدين إلى غيره تنفيذ الإلتزام أو أن يمارس الغير حقا من حقوق المدين برضاه الصريح أو الضّمني، وعندما يتسبّب ذلك الغير بنشاطه ضررا للدائن يكون مسؤولا عن هذا الضرر تطبيقا لأحكام الفصل 244 م . ا . ع .الذي يجعل المدين مسؤولا عن خطأ نائبه وخطأ الأشخاص الذين إستعان بهم لتنفيذ تعهده كما لوكان ذلك تقصيره الشخصي، ونفس هذه الشروط نجدها منطبقة تمام الانطباق على المحامي الذي يكون مسؤولا عن فعل وكيله المحامي وهو موضوع (الفقرة الأولى) وعن فعل أعوانه من غير المحامين( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : شروط مسؤولية المحامي العقدية عن فعل وكيله المحامي و من هم تحت إشرافه :
خوّل الفصل 27 من قانون مهنة المحاماة مباشرة المهنة بصفة منفردة أو بالاشتراك مع غيره من محامين أو ضمن شركة مدنية مهنية كما جاء بالفصل 44 من قانون 1989:" إن المحامي له أن ينيب عنه من يراه من زملائه وتحت مسؤوليته الشخصية"، كماأنّ قانون 1998 المتعلّق بتنظيم الشركات المهنيّة للمحامين قد أورد نفس ذلك الإتّجاه، يتضح من خلال هذا النص أن الاصل هو جواز التوكيل لغيره من المحامين بشرط أن يكون المحامي الوكيل مرخصا له في ذلك ومرسّم بالقسم الأول الخاص بالمحامين لدى التعقيب والقسم الثاني الخاص بالمحامين لدى الاستئناف وذلك من الجزء الأول من جدول المحامين، أما بالنسبة للمحامين المتمرنين فهم حسب منطوق الفصل 44 الفقرة الثانية يجوز لهم الحضور بالنيابة عن المحامين المشرفين عنهم أوغيرهم ولكن دون إمكان تعهدهم بمكتب المحامي والاشراف عليه. إنّ المتمعّن جيّدا في أحكام الفصل 44 فقرة أولى يلاحظ أنّ المشرع لم يشترط حصول إذن من الموكّل في إنابة غيره من المحامين، ولكن يظل دوما مسؤولا عن خطأ ذلك الغير في حين أنّ الأمر يختلف في عقد الوكالة، هذا إذا سلّمنا جدلا بنظرية عقد الوكالة، ذلك إنّ الفصل 1127 م . ا . ع نصّ على أنّه: "ليس للوكيل أن يوكّل غيره إلاّ إذا جعل له الموكّل ذلك أو اقتضاه نوع التوكيل أو مقتضيات الحال". فالاصل هنا عدم الجواز والاستثناء هو الاستطاعة بشرط الإذن وهو ما يختلف مع منطوق الفصل 44 الذي عكس الآية وجعل الاصل هو الجواز والاستثناء هو شرط الإذن، ولكن تظل دوما مسؤولية المحامي عن فعل الغير قائما سواء أكان مأذونا أو غير ذلك، وهو أمر يتعارض أيضا مع أحكام الوكالة في فصلها 1129 الذي نص على أنّ: الوكيل مسؤول كمن وكّله إلاّ إذا كان مأذونا بتوكيل غيره"، وكذلك الفصل 24، وهذا أمر يعزز مقولة أنّ عقد المحاماة هو عقد من نوع خاص و يخرج عن الطبيعة القانونية لعقد الوكالة، ونضيف في هذا السياق بأنّ المحامي يظل دوما مسؤولا تجاه موكّله عن أخطاء وكيله على غرار ما نصّ عليه الفصل 1130 م . ا . ع .الذي جاء به:" وعلى كل حال فإنّ نائب الوكيل مسؤول مباشرة للموكل نفسه وله ما للوكيل من الحقوق". وتجدر الأشارة هنا انه في صورة الفقرة الثانية من الفصل 44 من قانون المحاماة أي أنه إذا عهد المحامي بمكتبه إلى أحد زملائه، كان عليه أن يعلم منوبيه بذلك الأمر فهل يظل مسؤولا بعد حصول الإذن والاعلام لموكّله عن أفعال وكيله المحامي؟.
لقد سكت المشرع في هذا الصدد واكتفى بعبارة " تحت مسؤوليته الشخصية " أي أنّ المحامي يظل مسؤولا عمّن وكّله بإذن أو بغير إذن تجاه الغير، فهو مسؤول حينئذ عن خطأ غيره أو عن خطئه في اختيار نائبه أو عن خطئه فيما أصدره من تعليمات وهو أمر يتماشى مع أحكام الفقرة 2 من الفصل 1129 م . ا . ع .حينما نص: " فلا يضمن إلاّ إذا إختار من لم يصلح أن يكون وكيلا أو إختار الصالح و أذنه بما جلب المضرة أو لم يراقبه ".
وقد ذهبت محكمة التمييز المصرية في هذا الاتجاه بقولها: " للمحامي المنتدب كل سلطة المحامي الموكّل في الحدود التي يقتضيها إبتداءً، فله بمقتضى المادة 33 من قانون المحاماة أن ينيب عنه في الحضور أو في المرافعة محاميا آخر تحت مسؤوليته دون توكيل خاص ".
وأخلص ممّا تقدّم إلى القول أنّه إذا تسبّب أي من المحامين الذين يستعين بهم محام آخر سواء أكان وكيلا أو بمحام يعمل معه في مكتبه أو محام تحت التمرين والاشراف، في ضرر لعميله فإنّ هذا المحامي يكون مسؤولا عن أفعال أعوانه طبق للمبدأ العام في المسؤولية العقدية عن الغير المقرر صلب الفصل 245 م . ا . ع والفصل 44 من قانون المحاماة.
الفقرة الثانية : شروط مسؤولية المحامي العقدية عن فعل اعوانه من غير المحامين:
عادة ما يستعين المحامي بموظفين أو مستخدمين كالسكرتير والكاتب وذلك قصد إعانته على حسن سير المكتب، و يظلّ هؤلاء تحت إشراف المحامي ويخضعون لتوجيهاته عند أدائهم لمهامهم ويكون المحامي مسؤولا عن الشخص الذي يستعين به في تنفيذ إلتزامه العقدي سواء أكان تابعا له أو لم يكن، وهو ما يجعل المسؤولية العقدية للمحامي عن فعل الغير أوسع نطاقا من المسؤولية التقصيرية الخاصة بمسؤوليته المتبوع عن فعل تابعه.
والرّأي عندنا هوأنّه كلّما تمّ إدخال أعوان أو مستخدمين في تنفيذ إلتزام المحامي العقدي يجعل المسؤولية الملقاة على عاتق المحامي عن أخطاء المساعدين هي من قبيل المسؤولية العقدية، ففي صورة مثلا فقـدان السكرتيرة لمؤيد مهمّ أنتج عنه ضياع فرصة إثبات حقّ العميل أمام القضاء فمسؤولية المحامي هنا هي مسؤولية عقدية عن فعل الغير بالأساس ( )
و في مثال أوردناه سابقا يتمثل في عدم تبليغ مستندات التعقيب في آجالها المحدّدة بسبب تأخر الكاتب في إضافتها لعطب في سيارته حال دون ذلك، و تسبّب ذلك في حرمان المعقّبة من حقّها في التقاضي وفقدت حظوظها في نيل القضية، جعل مسؤولية المحامي العقدية عن فعل الغير قائمة واتّجه التعويض على معنى الفصل 278 م . ا . ع .( )
وتجدر الإشارة في الأخير إلى وجود خلط بين المسؤوليتين العقدية والتقصيرية في دائرة المسؤولية عن فعل الغير، خصوصا في فرنسا وذلك لغياب نص قانوني واضح كما هو الشأن في القانون التونسي 245 م . ا . ع .والقانون الالماني إذ عادة ما يلجا القضاة في فرنسا إلى تطبيق الفصل 1383 من القانون المدني والمتعلق بالمسؤولية التي تحكم المتبوع التقصيرية على العلاقات التعاقدية وهو أمر عارضه الفقهاء ، وقال في شأنها الاستإذ سافاتيه ما يلي :" للحكم بهذه المسؤولية العقدية عن فعل الغير كانت المحاكم تلجأ إلى المادة 1383 أحيانا التي تجعل المتبوع مسؤولا عن أعمال تابعيه، وهذا خلط ، فالنص غريب عن المسؤولية العقدية ( )
لذلك وجب التمييز بين تلك المسؤوليتين لما في ذلك من أهمّية وذلك من عدَة نواح: أولا : إنّ المسؤولية العقدية عن الغير تتطلّب وجود عقد يولد إلتزاما في ذمّة مدين لم ينفّذ بسبب فعل شخص آخر، يكون المدين مسؤولا عنه، كما لو أناب المحامي زميلا له لرفع إستئناف أو حضور مرافعة للدفاع عن عميله، وتأخّر المحامي المناب حتى إنقضى أجل الاستئناف أو تخلّف حضور المرافعة، أمّا المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير فلا تتطلب وجود رابطة عقدية بين المحامي و عميله. ثانيا : يشترط توافر علاقة تبعية بين المدين والغير في المسؤولية التقصيرية عن فعل الغيرولا يشترط تحقّقها لترتّب المسؤولية العقدية عن فعل الغير أثارها، ففي المثال المذكور آنفا لا يشترط أن يكون المحامي تابعا للمحامي الذي أنابه لترتّب المسؤولية العقدية عن الغير. ثالثا : تترتّب على عدم إشتراط توافر علاقة التبعية بين المدين والغير ترتَب المسؤولية العقدية عن الغير ، إنّ نطاق هذه المسؤولية يكون أوسع حسب رأينا من نطاق المسؤولية التقصيرية عن الغير وهو أمر أكَده المشرع التونسي صلب الفصل 245 م ا ع ، ويستشفّ ضمنا من أحكام الفصل 85 م اع، حينما إقتصر الحديث عن مسائلة الدولة والبلديات عمّا يقع من مستخدميها من غش أو خطأ جسيم لا يمكن التمسك به، إلاّ بعد إثبات إعسار المستخدمين ممّا يجدر بنا القول أنّ القانون التونسي قد قرّر المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير ولكنه قصر تطبيقها على نطاق ضيّق وجعلها مسؤولية إحتياطية ، ولمزيد تبين أوجه الاختلاف بين كلا المسؤوليتين سواء عن خطأ المحامي الشخصية أو الصادرة عن فعل الغير لابدّ من التعرّض إلى التكييف القانوني الثاني والقائل بكون مسؤولية المحامي هي مسؤولية تقصيرية ( الفصل الثاني ).
الفصل الثاني : المسؤولية التقصيرية للمحامي:
يذهب بعض الفقهاء الفرنسيين( ) إلى القول أنّ مسؤولية المحامي تقصيرية ويبنون اتجاههم هذا على انتقاد تكييف علاقة المحامي بعملائه بأنّها رابطة تعاقدية, وينكرون ترتّب المسؤولية العقدية على المحامي وإن إرتبط بعقد مع حريفه ويؤسّسون نظرية المسؤولية التقصيرية المبنية على الإخلال بواجب قانوني وليس على الإخلال بإلتزام تعاقدي , وهو أمر سنتعرض إليه إبّان الحديث عن الأساس القانوني للمسؤولية التقصيرية للمحامي عن أخطائه المهنية والشخصية, مع ذكر أركانها وذلك في إطار ( المبحث الأول ) ثمّ نعرج للحديث في معرض ثان عن مسؤولية المحامي عن فعل الغير وتجاهه في إطار ( مبحث ثان ).
المبحث الأول : مسؤولية تقصيرية للمحامي عن أخطائه المهنية :
إنّ القائلين بهذا التكييف القانوني للمسؤولية المدنية للمحامي عن أخطائه المهنية يعتبرون أن أساسها القانوني يتمثّل في الإخلال بواجب قانوني ألا وهو عدم بذل العناية الواجبة من قبل شخص معتاد وملتزم بأصول المهنة والنزاهة في التعامل، وهو ما سنتعرض إليه في إطار (الفرع الأول) تحت عنوان أساس المسؤولية التقصيرية للمحامي عن أخطائه المهنية ثم نتنأول اثر ذلك و في اطار( فرع ثان ) أركان تلك المسؤولية.
الفرع الأول : أساس المسؤولية التقصيرية للمحامي عن أخطائه المهنية
إنّ الفقهاء الرافضين لإعتبار إلتزامات المحامي عقدية وأن الإخلال بها ينشأ المسؤولية التعاقدية معتبرين في هذا الاتجاه إنّ مبنى وأساس تلك المسؤولية للمحامي هو خطأ تقصيري يتمثل أساسا في الإخلال بواجب قانوني ( الفقرة الأولى )، إلاّ أنّ تبريرات الأساس التقصيري للمسؤولية المدنية للمحامي، ولئن إتفقت حول فكرة دحض النظرية العقدية، إلاّ أنّ الحجج المعتمدة في تأصيل وتحديد طبيعة هذه المسؤولية قد تعدّدت وهو ما سنتعرض إليه في إطار حديثنا عن مسألة تقييم الحجج المقدّمة من قبل أنصار المسؤولية التقصيرية للمحامي ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى : الإخلال بواجب قانوني هو أساس هذه المسؤولية :
يرى أصحاب هذه النظرية إلى أنّ الاعمال الادبية والعلمية لا يمكن أن تكون محل تعاقد ملزم وأنّ المحامي لا يسأل عقديا في مواجهة العميل وإعتبر أنّ واجب المحامي( ) ذو طبيعة خاصة فهو يلتزم بتكريس خدمته ومعارفه المهنية للدفاع عن قضية معينة سبق وأن تحدّدت عناصرها وأنّ مساعدته لن تؤدي بالضرورة إلى كسب القضية، بمعنى أنّ إلتزامه إلتزام يبذل عناية وليس بتحقيق نتيجة، لأنه في الغالب لا يشتكي العميل من عدم التنفيذ بل من التنفيذ المعيب، ولمّا كان إلتزام المحامي إلتزاما يبذل عناية ، فإن المسؤولية المترتبة عن الإخلال بواجب قانوني لا يمكن أن تكون سوى تقصيرية مادام العميل مكلّفا بإثبات عدم بذل العناية الواجبة من قبل المحامي ، ويرى فوس أنّ أساس مسؤولية المحامي هو الخطأ التقصيري لوحده والمتمثل في الإخلال بإلتزام بذل العناية وذلك بالنظر إلى طبيعة المهنة، ويرى في هذا الخصوص الفقيهان Rau et Aubry ( ) أنّ المحامي الذي يعد بالدفاع عن قضية والطبيب الذي يعد بالمعالجة لا يمكن إجبارهما على تنفيذ وعودهما مدنيا.
وقد حاول فوس التوفيق بين رأيه الرافض لفكرة العقد والنتائج القانونية المترتبة على تسليمه بوجود إتفاق إرادي بقوله:" إنّ بالامكان مقارنة وضع المحامي بالأوضاع المنصوص عليها في القانون المدني تحت إسم غير مناسب هو أشباه العقود ".إنّ عقد الوكالة كان يمكن أن يقدم لنا خير تفسير للمشكلة المطروحة لولا أنّ بعض أحكام هذا العقد تحول دون القول بإعتبار هذا العقد مصدر إلتزامات المحامي، ولكن القانون المدني الفرنسي يقرر وضعا قانونيا في هذه الحالة لا تتوافر فيه عناصر وآثار التوكيل ، ذلك هو الفضول ، فالمحامي يأخذ على عاتقه قضية عميله دون أن يلتزم بنتيجة في المستقبل ولمَا كان يقوم بخدمة فمن العدل أن يكافأ بأتعاب عادلة ".( )
ويمضي فوس إلى القول أنّ المسؤولية الناشئة في دائرة أشباه العقود ذات الطبيعة الخارجية عن التعاقد تكون تقصيرية ، ولمّا كان المحامون لا يستطيعون الارتباط بتعهدات ضيقة وإنّما يتقيدون بقواعد مهنتهم فان مسؤوليتهم تكون ذات طبيعة تقصيرية.
ويختم فوس رأيه بالقول: "إنّ الفضالة التي تعدو أن تكون تطبيقا لنظرية الكسب غير المشروع والتي يكمن أساسها في أنّ مبادئ القانون الطبيعي تبدو مناسبة لتحديد وضع المحامي ومسؤوليته، وأن هذا المفهوم يسمح بتفسير حركة المرافعة من الناحية القانونية والقواعد التي تسبق دفع الاتعاب.
الفقرة الثانية : تقييم حجج أنصار مسؤولية المحامي التقصيرية في هذا التكييف
إنّ مناقشة آراء أنصار القائلين بأنّ مسؤولية المحامي هي تقصيرية بالأساس ستختلف في عرضها بحسب الحجج المقدمة فمنها من ينكر وجود الرابطة العقدية وهو ما سنعرضه أوّلا ومنها من يقول بأنّ مسؤولية المحامي هي مسؤولية تقصيرية بالرغم من إعترافه بوجود الرابطة العقدية ثانيا. أوّلا : بخصوص مناقشة رأي أنصار المسؤولية التقصيرية المنكرين لوجود الرابطة العقديةو ذلك بحجّة أنّ الاعمال العلمية والادبية لا يمكن أن تكون محلا لتعاقد ملزم هو قول حسب رأينا قد طواه الزمن ولا أساس له في الواقع، ولا نجد له تأييدا في التشريع أو الفقه أو القضاء فهو لا ينطبق على الواقع لأنّ المعروف بأنّ المهنيين من محامين وأطبّاء ومهندسين وغيرهم يبرمون عقودا مع عملائهم مقابل اتعاب عادلة ، إذ لا يدور في ذهن أي منهم عدم الإلتزام بها، ويتعزّز هذا الموقف بما أقرّه المشرع التونسي وغيره من التشريعات إلى إقرار حق المحامي في إستخلاص كلفة الخصام ، وقد تحدّث الفصل 40 من قانون 1989 على صورة الخلاف حول أتعاب ومقدارها، لذلك فإنّ ممارسة المحامي لعمله المهني من أجل الكسب أمر لا يمكن أن ننكره عليه أو نعيبه أو نقرر حرمانه من أجره أمام القضاء إذا لم يقم العميل بخلاصه طوعا، كما أنّ تصوّر عدم توافر شروط العقد في إتفاق المحامي وعميله وعدم ترتيب آثار العقد عليه للقول بأنّ ما يعد به المحامي حريفه من قيامه باداء الواجب المستند من علمه وتجاربه يكون على المجاملة لا على سبيل الإلتزام والتعاقد ، وأنّ له الحق في التخلّي عن القضية التي قبلها دون إمكان محاسبته هو قول وتصوّر غير صحيح، لاته إذا ما التزم محام بالدفاع عن قضية ما فعليه عدم التخلي عن نيابته في وقت غير مناسب وذلك ما إقتضاه الفصل 75م م م ت وعليه عند التخلّي أن يعلم موكلّه وأن يدلي للمحكمة بما يفيد وقوع هذا الاعلام وهو ما أكّده الفصل 33 من قانون المحاماة حين أقر بأنه: "إذا قرر المحامي التخلي عن النيابة في قضية ما فعليه أن يتقيّد بأحكام التخلّي المنصوص عليها م م م ت" . وفي صورة عدم الامتثال لمقتضيات هذه القواعد فإنّ المحامي يكون عرضة للعقوبات التاديبية فضلا عن مسؤوليته المدنية التي تنشأ عن تصرّفه هذا. ثانيا : بخصوص مناقشة راي أنصار مسؤولية المحامي تقصرية المعترفين بوجود الرابطة العقدية، وهو رأي إنفرد به الفقيه فوس والذي حصر قيام المسؤولية العقدية في حالة عدم تنفيذ الإلتزام دون سوء تنفيذ أو لتاخُر فيه بحجة أنّ الخطأ العقدي يتوافر عند عدم التنفيذ وهو أمر ينطوي على خطأ فادح ، ذلك لأنّ الخطأ العقدي إذا كان يتوافر عند عدم التنفيذ، فإنّ تحديده يتاثر بنوع الإلتزام، فإن كان إلتزاما بتحقيق نتيجة توافر الخطأ لمجرد عدم التنفيذ، وإن كان إلتزاما يبذل عناية كإلتزام المحامي عند الترافع مثلا فإنّ الخطأ لا يتوافر إلاّ بإثبات عدم بذل العناية الواجبة قانونا وأحوال المهنة، فضلا عن أنّ فوس قد ناقض نفسه في إعتباره مسؤولية المحامي تقصيرية إذا ترك المحامي القضية متجاوزا حقه في التخلي وكان ينبغي عليه أن يعتبر المسؤولية عقدية مادام يعترف بوجود رابطة عقدية بين المحامي وعميله ومادام التخلي يعني عدم التنفيذ .
كما أنّ فوس لم يكن موفّقا في مقارناته بين عمل المحامي وعمل الفضولي لوجود فارق هام بين عمل كل واحد منهما، ذلك أنّ المحامي يرتبط بعميله بعقد يرتب إلتزامات على عاتق الطرفين وتعوّل عليه المحاكم في تقرير مسؤولية من لم ينفذ إلتزامه أو ينفذه تنفيذا معيبا كأن يكون قد كلف بالمرافعة أو بتقديم مستندات استئناف أو تعقيب وتراخى في القيام بهذه المهمّة، ذلك أنّ الفضالة تقتضي قيام الفضولي بعمل ضروري لمصلحة شخص آخر ويقصد اسداء خدمة لربّ العمل، وأن يكون غير ملزم بالقيام بما قام به وشتَان بين وضع الفضوليوتوكيل المحامي.
والحقّ أنّ آراء فوس قد جانبت الصواب واختلطت عليه الامور إلى درجة دمج نظامين في نظام واحد وهو الأخذ بالمسؤولية العقدية عند عدم التنفيذ ونظام المسؤولية التقصيرية عند حصول وتقدير الضّرر، واتّخذ لذلك النظام عنوان أطلق عليه إسم المسؤولية ذات الطبيعة شبه التقصيريةResponsabilité de nature quasi-delictuelle الشيء الذي جعل مثل ذلك التوجه عرضة للنقد الشديد.
وفي الأخير نقول بأن الراي القائل بمسؤولية المحامي تقصيرية رأي فيه مجافاة للعدالة ذلك لأن هذه المسؤولية في أصلها تقوم على خطأ ثابت يجب على المتضرر إثباته في جانب المحامي، وهو أمر يعجز عنه المتضرر في الغالب عن إثباته ويعسر تبيانه فيستسلم المواطن ويتحملّ الضرر عن رفع دعوى في المسؤولية ضد محام مقصّر لأنه على بيّنة من مدى صعوبة المجابهة مع محام متمرّس وذا دراية قانونية .
وما دمنا في إطار الحديث عن خطأ وضرر فلابدّ أن نتطرق في إطار فرع ثان إلى أركان المسؤولية التقصيرية للمحامي عن أخطائه المهنية .
الفرع الثاني : أركان المسؤولية التقصيرية للمحامي عن أخطائه المهنية
إنّ المسؤولية التقصيرية تقوم على أركان ثلاثة ألا وهي: الخطأ والضرر والعلاقة السببية، ولمّا كنّا قد تعرّضنا إلى هذه الاركان بالفصل الأول فسنتكتفي في هذا الفرع ببيان أوجه الخلاف بين أركان المسؤوليتين العقدية و التّقصيرية، أمّا ما يتطابق فيه المسؤوليتان من أحكام فقد سبق بحثه، لذلك سنبحث عن الخطأ التقصيري في (فقرة أولى ) والضّرر في ( فقرة ثانية) والعلاقة السببية في ( فقرة ثالثة ).
الفقرة الأولى : الخطأ التقصيري :
عرّفه بلانيول " بأنه الإخلال بإلتزام سابق "، وعرّفه ديموج بأنه " اعتداء على حق يدرك المعتدي فيه جانب الاعتداء "، وعرّفه جوسران بأنّه "بأنه الإضرار بحق دون أن يكون في وسع المعتدي أن يعارضه بحق أقوى منه أو مماثل له "، وعرّفه سافاتيه " بأنّه الإخلال بواجب مع تبيّن هذا الإخلال"( ).
وسبب هذا التّباين في تعاريف الخطأ هو أن المشرع الفرنسي وكذلك باقي مشرّعي البلاد العربية عدا المشرع التونسي ترك تعريفه للشرَح بحسب تأثّرهم بالتطّورات الاقتصادية والاجتماعية التي تحدث في مجتمعهم، وقد عرّفه المشرع التونسي صلب الفصل 83 م . ا . ع .بما يلي :"الخطأ هو ترك ما وجب فعله أو فعل ما وجب تركه" .
فالخطأ التقصيري عموما يتحلّل إلى عنصرين أولهما مادي أو موضوعي وهو الإخلال وثانيهما معنوي أو نفسي وهو الإدراك .
أمّا الخطأ المهني للمحامي فيتمثل في إخلال المحامي بإلتزماته المتعلقة بواجب العناية والبذل وعدم الإهمال ويعتبر الفصل 17 من القانون الفرنسي المنظم لمهنة المحاماة الصادر بتاريخ 31 ديسمبر 1971 أنّ مسؤولية المحامي تعدّ قائمة بسبب الإهمال والأخطاء المرتكبة في نطاق القيام بالمهنة.
وقد تعرضنا فيما تقدّم بأنّ الخطأ العقدي للمحامي يقاس بمعيار المحامي العادي وهو معيار الرجل المهني الصالح Le bon professionnel ينطبق على الفعل الضار التقصيري، وقلنا بأنّ المحامي يسأل حتّّى عن خطئه اليسير دون الاقتصار على الخطأ الفادح لقيام مسؤوليته.
وللتفرقة بين الخطأ العقدي للمحامي والخطأ التقصيري نشير إلى أنّ الخطأ العقدي يقوم في حالة عدم تنفيذ المحامي لإلتزاماته المتولدة عن العقد الذي يربطه بحريفه، أمّا في حالة اقترافه لخطأ تجاه هذا الاخير ولم يكن مرتبطا بعقد يكون تقصيريا بالأساس ، ففي صورة تسخير محام من قبل المحكمة للدفاع عن متّهم في جناية أو انتدابه بموجب اعانة عدلية لا يكون المحامي مرتبطا بعقد، وإذا ما ارتكب خطأ لا يمكن وصفه بأنه خطأ عقدي بل هو خطأ تقصيري، ويكون الأمر كذلك كلما وقع الإخلال بواجب قانوني كواجب عدم إفشاء سر المهنة إذ نصّ الفصل 100 م م م ت على ذلك الإلتزام بقوله : " المحامون والاطباء وغيرهم ممّن تقتضي حالتهم إعتبارهم بصفة مؤتمنين على أسرار الغير لا يجوز لهم إذا علموا بموجب هذه الصفة بواقعة أو معلومات أن يشهدوا بها ولو بعد زوال صفتهم ما لم يطلب منهم ذلك ممّن أسّرها لهم ، بشرط أن لا يكون ذلك محجّرا عليهم بأحكام القوانين الخاصة بهم ".
وقد نصَ الفصل 39 من قانون المحاماة على ما يلي :" يحجّر على المحامي إفشاء سرّ منوّبه التي أفشى له بها أو التي إطلع عليها بمناسبة مباشرته لمهنته".
لقد فرض ذلك الفصلان على المحامي واجب الامتناع عن إفشاء سرّ المهنة وإذا ما أفشاه يكون قد ارتكب خطأ تقصيري ولا يمكن نفيه بإثبات أنّه بذل كل العناية لعدم الافشاءوإن أمكنه نفي مسؤوليته بإثبات السبب الاجنبي كسرقة مستندات تحتوي على أسرار من داخل مكتبه .
ويكون المحامي مقترفا لخطأ تقصيري كلّما أخلّ بواجباته القانونية المتمثّلة في الحضور والمدافعة في إطار الإعانة العدلية أو التسخير الجنائي، إذ أنّه وأمام غياب عقد رابط بين الطرفين فإن خطأ المحامي لا يوصف بأنه عقدي بل أنه تقصيري، فعلى المحامي المنتدب على معنى أحكام الفصل 36 من قانون المحاماة مباشرة الدفاع على الوجه الأتمّ .
وتجدر الإشارة هنا بأن القانون هو المصدر المباشر للإلتزامات وأن الخطأ قد افترضه القانون عند الإخلال بتلك الإلتزامات الناشئة عن النص مباشرة، لذلك نستشف في الختام بأن الخطأ الناشئ عن الإخلال بالإلتزام هو خطأ مهني وليس خطأ تقصيري أو عقدي والذي سبّب المضرة للعميل .
الفقرة الثانية : الضرر
هو "الأذى الذي يصيب الشخص في حق أو في مصلحة مشروعة له فقد يصيبه في جسمه أو ماله أو حريَته أو في عاطفته أو شعوره أو في شرفه" ( ).
فالضرر يكون على نوعين مادّي ومعنوي وقد نصّ الفصلين 82-83 م ا ع .على أنّ :"من تسبّب في مضرة غيره سواء أكانت المضرة حسية أو معنوية فهو مسؤول بخطئه إذا أثبت أنه هو السبب الموجب للمضرة مباشرة ".
فيشترط في الضّرر أن يكون محقّقا وليس محتملا وأن يكون مباشرا متوقعا كان أم غير متوقع على خلاف الضّرر في المسؤولية العقدية الذي يقتصر على الضرر المتوقع وقت التعاقد من حيث مقداره وسببه باستثناء صورة الغش أو الخطأ الجسيم حيث يسأل عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع . فالحريف المتضرر من خطأ المحامي حين افشائه للسرّ المهني له كامل الحق في المطالبة بالتعويض على أن يثبت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر .
الفقرة الثالثة : العلاقة السببية :
ينبغي أن تكون علاقة السببية بين الفعل الضار والضّرر علاقة مباشرة حتى تنهض المسؤولية التقصيرية وذلك ما عناه المشرع التونسي صلب الفصل 83 م ا ع .حين نص فيه على أنّه: "مسؤول بخطئه إذا ثبت أنه هو السبب الموجب للمضرة مباشرة " .
ولقد كان المشرع واضحا في هذا المجال وذلك بتحديد معيار السبب المنتج للمضرة بصفة مباشرة واضعا حدّا لنظرية تعدّد الأسباب أو نظرية تعادل الأسباب ، فالمحامي الذي تسبّب بخطئه التقصيري عن عدم رفع الاستئناف في خسارة القضية وكان لتلك الخسارة وقعا شديدا في إصابة الحريف بإنهيار عصبي فإنه لا يسأل إلاّ عن خطئه المسبّب للضرر المباشر ألا وهو خسران القضية دون إمكانية مسائلته مدنيا عن ضرر المتسلسل والمتمثل في الإصابة بالانهيار العصبي .
وفي الأخير لنا أن نشير أن مسؤولية المحامي التقصيرية لا تتعلق بأخطائه الشخصية فقط ، بل تتعداه لتشمل أخطاء غيره وكذلك تجاههم وهو ما سنتعرض له في الإبّان في إطار المبحث الثاني .
المبحث الثاني : مسؤولية المحامي تقصيرية عن فعل الغير و تجاههم
لقد إتّضح لنا من دراستنا لمسؤولية المحامي عن فعل الغير تكون عقدية في الحالات التي يرتبط فيها بعقد مع عميله ويصدر من أعوانه وبدلائه الذين لا تربطهم به علاقة تبعية فعل يلحق ضررا بالعميل أما إذا لم يكن المحامي مرتبطا بعقد أو قامت بينه وبين عميله رابطة عقدية وكلّف في الحالتين غيره من المحامين أو غير المحامين من كتبة والذين يخضعون لإشرافه وتوجيهه بتنفيذ إلتزامه وألحق فعل الغير بالحريف ضررا فإن تحديد طبيعة مسؤولية المحامي في هذه الحالات أثار خلافا، وإتجه فريق من الفقه والقضاء إلى القول بأن مسؤولية المحامي تقصيرية عن فعل الغير وتطبيق قواعد مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه وهو ما سنتعرض إليه في إطار ( الفرع الأول ) تحت عنوان مسؤولية المحامي تقصرية عن فعل الغير، كما أن تلك المسؤولية قد تكون تقصيرية تجاه ذلك الغير بالرغم من التمسك بالمبدأ الرائج المتعلق بحصانة المحامي في مواجهة الغير وهو موضوع ( الفرع الثاني).
الفرع الأول : مسؤولية المحامي تقصيرية عن فعل الغير
في إطار هذا الفرع سنقوم بتوزيع عملنا إلى فقرتين اثنتين، الأولى متعلقة بتحديد أساس تلك المسؤولية (أ) وفي فقرة ثانية نتعرض إلى شروط وتطبيقات تلك المسؤولية (ب).
الفقرة الأولى : أساس مسؤولية المحامي التقصرية عن فعل الغير
لقد اختلفت الأراء الفقهية حول ذلك الأساس كما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية العقدية عن فعل الغير وقد طرحت عديد النظريات بغية تأجيل تلك المسؤولية و لعل أهمّها : أولا : نظرية الخطأ المفترض : وهي نظرية تعتمد إفتراض خطأ المتبوع إفتراضا لا يقبل اثبات العكس وهو الخطأ في إختيار أو رقابة تابعه(1).
لم تصمد هذه النظرية طويلا أمام النقد الذي واجهته و ذلك لسبب بسيط وهو أنه يستحيل على المتبوع توقع أخطاء تابعه المستقبلية كما أنه مهما كانت الرقابة فإنه يصعب التوقّي من أضرار هذا الاخير بالغير لما تتوفر عليه من حرية أثناء أدائه لعمله . ثانيا: نظرية تحمل التبعة :وقد تعرضنا إليها في السابق والتي تقوم على فكرة الغرم بالغنم وقد انتقدت بالقول أن نشاط التابع قد لا يكون مصدر غنم المتبوع (2) ، وبالقول أنّ الاخذ بها يحول دون رجوع المتبوع على التابع وهو أمر يتعارض مع ما أقره القانون المنظم للشركات المهنية للمحامين بفصلها 24 والذي اقتضى في فقرته الثانية منه مثلا :" وتكون الشركة المهنية التي يباشر فيها المعني بالتعويض عمله ضامنة له وملزمة بأداء المبالغ المستحقة إذا ثبت عدم قدرة المدين على الوفاء جزئيا أو كليا و لها حق الرجوع عليه الدرك" .
وهذا التنصيص الصريح لم يرد بقانون المحاماة لسنة 1989 و إكتفى بالقول بأن: " المحامي له أن ينيب عنه من يراه من زملائه وتحت مسؤوليته الشخصية" (3) مقتصرا على فكرة النيابة بدون ترتيب أثار على ذلك .
ثالثا : نظرية النيابة : تعتبر التابع نائبا عن المتبوع وهو ما نطق به الفصل 44 ولكن لم يكن واضحا عن طبيعة الاعمال التي يقوم بها بمناسبة تلك النيابة هل هي مادية أم قانونية.إنّ التصرفات التي يقوم بها التابع سواء أكان من المحامين المرتبطين بعقد خدمات أو تعاون وذلك صلب شركة مهنية على معنى الفصل الأول من القانون المنظم للشركات المهنية للمحامين أو بمقتضى عقد إشتراك على معنى الفصل 27 من قانون مهنة المحاماة أو بموجب قضاء فترة التمرين على معنى الفصل 11 والذي أقر النيابة لدى جميع المحاكم الجزائية ولدى المحاكم والهيئات التي لا تكون فيها إنابة المحامي وجوبية باسمه الخاص، وفيما عدا ذلك لا تجوز له النيابة والترافع إلا بإسم المحامي الذي هو بصدد قضاء التمرين بمكتبه وتحت إشرافه ويحجّر عليه النيابة لدى محكمة التعقيب ولو بإسم المحامي المشرف على التمرين هي تصرفات مادية بحتة وليست أعمال قانونية .
رابعا : نظرية الضمان أو الكفالة : ومفادها أنّ التابع يكون معسرا وذلك لابدّ من وجود شخص مليء يكفله ليتمكّن المتضرّر من مطالبته دون أن يكون للضامن حق تجريد التابع، لأنّ الكفالة تضامنية في نطاق المسؤولية التقصيرية عند تعدد المسؤولين وهوما أقره الفصل 108 م ا ع والفصل 24 من القانون المنظم للشركات المهنية للمحامين مع إقرار حق الرجوع بالدرك إذ نص صراحة على مايلي :" ضامنة له وملزمة باداء المبالغ المستحقة إذا ثبت عدم قدرة المدين على الوفاء جزئيا أو كليا ولها حق الرجوع عليه بالدرك ".
وقد تكون هذه النظرية هي الانسب مع ما أقره القانون التونسي والذي يقرّ بالضمانوالكفالة متى ثبت عسر المدين وهو ما تضمنه الفصل 1478 م ا ع لمّا تعرض للكفالة إذ يعرفها بأنها: "عقد يلتزم بمقتضاه شخص بأن يؤدي للدائن ما إلتزم به المدين إن لم يؤده" .
ولكن ما يعاب على هذه النظرية إفتقادها لنظام موحد ينسحب على جميع المتدخلين في قطاع المحاماة من محامين أعوان أو محامين متمرنين أو كتبته أو مستخدمين وغيرهم، وبعد التعرض إلى أساس تلك المسؤولية والتي لم تستقر ملامحها على رأي موحد وأساس واحد وهو برأينا يرجع إلى طبيعة مهنة المحاماة وعدم وجود تصوّر قانوني متماسك ومتراص ، نمر بعد ذلك إلى الحديث عن شروط وتطبيقات تلك المسؤولية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الثانية : شروط و تطبيقات المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير
سنتعرض في إطار (المطلب الأول ) إلى شروط المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير ثم نخلص إثر ذلك إلى تحديد تطبيقات تلك المسؤولية في إطار ( المطلب الثاني ).
المطلب الأول : شروط المسؤولية التقصيرية عن عمل الغير
لقيام تلك المسؤولية لابد من توافر الشروط التالية : أولا : وجود علاقة تبعية بين التابع والمتبوع أي بين المحامي ومن هم تحت إشرافه وإستخدامه والذين سواء كانوا في تبعية إقتصادية أو قانونية إلاّ أنهم يتمتعون بحيّز من الحريّة أثناء مباشرتهم لعملهم وتنفيذه لأن المحامي الذي ينوب عن زميله في قضية ما ويترافع عن حريف ذلك الزميل، فإنه له الحرية في بسط وسائل دفاعه بالصورة والكيفية التي يراها صالحة طبعا دون الخروج الكامل عمّا أسند إليه من توجيهات. ثانيا: خطأ التابع لقيام مسؤولية المتبوع لابد من ارتكاب التابع عملا غير مشروع أو إقتراف خطأ سبب ضررا للغير . والملاحظ في هذا الخصوص أن المشرع التونسي لم ينص صلب مجلة الإلتزامات والعقود على خطأ التابع على غرار الفصل 245 م ا ع الذي تحدّث عن المسؤولية العقدية عن فعل الغير، كما أنّه وصلب القوانين المنظمة لمهنة المحاماة لم يكن صريحا بل إكتفى بالقول بأنّه: "له حق إختيار من يراه من زملائه لينوبه عنه وتحت مسؤوليته" (1). كما أنّ القانون الفرنسي لم ينص على ضرورة صدور خطأ من التابع لقيام مسؤولية المتبوع بالمادة 1384 فقرة 5 بل أنّ الفقه والقضاء من أجمع على ضرورته . ومهما يكن من أمر فإن خطأ التابع لا يكفي بل لابد من أن يسبب هذا الخطأ ضررا لان الضررهو محرك المسؤولية فإن إنتفى الضرر فلا عبرة بالخطأ . ثالثا : صدور خطأ التابع حال تادية وظيفته أو بسببها : رأى الفقه بأن الإخلال بأي واجب تفرضه الوظيفة أو يتصل بممارستها وله علاقة بها يعتبر خطأ، كما جرى فقه القضاء على عدم الاكتفاء بارتكاب الخطأ أثناء تأدية الوظيفة وإنّما إعتبر المتبوع مسؤولا عن الأخطاء التي يرتكبها تابعه ممّا تكون لها علاقة بوظيفته (2). رابعا : وجود النص التشريعي بخصوص هذا الشرط : فالملاحظ أن المشرع التونسي لم ينص على مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه كقاعدة عامة وإنما حددها بمسؤولية الدولة والبلدياتوالمؤسسات العمومية وذلك صلب الفصل 84-85 م ا ع وحدّد الضّرر الذي ينشأ عن تعدّي المستخدمين أثناء قيامهم بواجباتهم ، كما أجاز التخلّص من المسؤولية بالنسبة للمستخدم إذا أثبت أن ما صدر عنه ليس خطأ فاحشا وأنه لم يتعمد إرتكاب ذلك الخطأ. والملاحظ في هذا الخصوص أن هذه النصوص قد تفاوتت من حيث أحكامها فالقانون المدني الفرنسي قد حدد المسؤولين عن فعل الغير بالنص وذلك صلب الفصل 1384 والذي جاء به ما يلي : " لا يسأل المرء عن الاضرار التي تصيب الغير بفعله الشخصي فقط بل يسأل أيضا عن الاضرار التي تحدث بفعل غيره ممن يجب رقابتهم والأشخاص الذين يسألون عن فعل الغير هم الاب والام بالنسبة إلى أفعال أولادهم القصّر المقيمين معها ... و ربّ الحرفة بالنسبة إلى أفعال صبيانه ولمخدوم بالنسبة إلى أفعال خدمه والسيد أو المتبوع بالنسبة إلى أفعال تابعيه ". وقد أجمع الفقه والقضاء في فرنسا بأن هذا النص إستثناء من القواعد العامة لذا فلا يجوز التوسع في تفسيره . أما التشريع المصري فقد جاء بنص عام يتّسع لكل الحالات إذا إقتضت عبارات الفصل 174 الفقرة الأولى من القانون المدني المصري ما يلي: " يكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشروع متى كان واقعا منه في حال تأدية وظيفته أو بسببها " . وختاما لهذا المطلب نقول بأن المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير هي مسؤوليةاستثنائية تهدف إلى ضمان مصلحة المتضرر في الحصول على التعويض ولا يعين ذلك إمكانية مسائلة التابع إذا ثبت خطئه ولا يحول دون رجوع المتبوع عليه فيما دفعه (1)
المطلب الثاني : تطبيقات مسؤولية المحامي التقصيرية عن فعل الغير
سنوزع هذا العمل للحديث أولا عن مسؤولية المحامي التقصيرية عن أفعال أعوانه من المحامين، لننتقل ثانية للحديث عن مسؤوليته عن أفعال كتبته. أولا : مسؤولية المحامي التقصيرية عن أفعال أعوانه من المحامين : يتّجه الفقه إلى أن التعاقد مع أصحاب المهن إذا أدى إلى تبعيتهم فلا مانع من إعتبارهم مرتبطين بعقد عمل مع إحتفاظهم بالاستقلالية وهو أمر كرسه المشرع التونسي في إطار قانون الشركات المهنية حينما تحدث بالفصل الأول من ذلك القانون على الارتباط بعقد تعاون أو عقد خدمات، مع التأكيد صلب الفصل من نفس ذلك القانون على تمتع المحامي أثناء مباشرته للمهنة في نطاق الشركة المهنية للمحامين بالاستقلالية، وقد غاب مثل ذلك التنصيص على وجود التبعية بصفة صريحة سواء في إطار قانون 1989 أو صلب مجلة الإلتزامات والعقود فلا وجود لنص تشريعي يقرر مبدأ عامّا في مسؤولية المتبوع عن تابعه ذلك أن نص الفصل 84 و85 م ا ع يقتصر على مسؤولية الدولة والبلديات والمؤسسات العمومية على غرار المشرع المصري الذي نص على بشكل عام على متبوع وذلك بالفصل 174 من القانون المدني المصري مما يجعله يسري على المحامي عند توافر عنصر التبعية، لا سيما أن قانون المحاماة المصري لم يتضمن ما يمنع ذلك أو يقيده، وبالتالي فإن المحامي المتبوع مسؤولا عن أفعال المحامي التابع الخاطئة التي تسبّب ضررا لمن تولى المحامي المتبوع الدفاع عنهم دون أن يرتبط معهم بعقد أو لغيرهم، وقد أكّدت محكمة النقض المصرية (1) في قرار أكد قيام علاقة التبعية وأشار إلى العديد من مظاهرها كقوله: " العلاقة غير محدودة بالانتهاء من مهام معينةوتخصيص مكان للمحامي التابع في المكتب"، وعبارة،" له الحق في الرقابة و الاشراف ".
بقي أن نشير أن القانون التونسي قد تراوح بين تحمل تبعة التابع وذلك بالفصل 44ورفض مثل ذلك التحمل بالفصل 24 من قانون الشركات المهنية حينما نص على ما يلي:" كل شريك تسبّب في مضرة الغير أثناء مباشرته لاعماله المهنية كانت المضرة حسية أو معنوية يكون مسؤولا عن خطئه إذا كان الخطأ قصديا"، ثم يقره بالفصل 14 من نفس ذلك القانون حين نص: "على الشركاء في الشركة المهنية ذات الشكل المدني مسؤولون بالتضامن فيما ينشأ عن تصرف أي منهم أثناء مباشرته المهنة ". وبالنظر لعدم وضوح الموقف التونسي في بلورة رؤية واضحة لمسؤولية المحامي التقصيرية عن فعل أعوانه من المحامين نشير إلى أنه متى كان المحامي يعمل تحت إشراف محام أو شركة فإن مسؤولية المحامي المتبوع أو الشركة التي يعمل بها بموجب عقد خدمات أو عقد تعاون تعتبر قائمة وهي ما تضمنته عبارات الفصول 44 من قانون 1989 و 14 من قانون الشركات المهنية، أمّا إذا كان المحامي التابع قد تسبّب في مضرة حسية أو معنوية للغير بموجب خطأ تقصيري خارج عن إطار عقد الاستخدام أو التعاون (1) أو الانابة (2) فإنّ هذا الاخير يسأل شخصيا عن خطئه . ثانيا: مسؤولية تقصيرية للمحامي عن فعل كتبته لقد سبق لنا التعرض إلى هذه المسالة وذلك في معرض حديثنا عن المسؤولية العقدية للمحامي عن فعل غيره من مستخدميه وكتبته والذين يتقاضون أجرا ومرتبات شهريةويخضعون لرقابة واشراف المحامي ، ويطرح السؤال حول معرفة العلاقة القانونية الرابطة بينهما: هل هي علاقة تبعية ؟ ولمّا كان الأمر كذلك فهل يسأل المحامي عن تلك الاضرار التي يتسبّبون فيها؟ . لا شك في أنّ المحامي يكون مسؤولا عن الأخطاء التي يرتكبها تابعوه أثناء أوبمناسبة تأديتهم لوظائفهم متى كان هناك نص قانوني شأن ذلك شأن القانون المصري، والذي جاء بنص عام في مادته 174 الفقرة الأولى منه يفيد مسؤولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه،وكذلك نفس الشيء بالنسبة للقانون السوري المادة 175 والليبي المادة 177 واللبناني المادة 127. إلاّ أنّ المشرع التونسي وكما سبق أن قلنا بأنه قصر هذه المسؤولية الواردة بالفصل 84 م ا ع على مستخدمين وموظفي الدولة والبلديات والمؤسسات العمومية . وبالنظر لعدم وجود تنصيص صريح على تحمل المحامي للمسؤولية التقصيرية عن الفعل الخاطئ لكتبته، فإنه لا يسال عن أخطاء كتبته والذين يسالون مسؤولية شخصية وفق القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية و بمقتضاها يقع عبء إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينهما على عاتق المتضرر وذلك في حالة عدم إرتباط هذا الاخير بالمحامي برابطة عقدية، أمّا والأمر خلاف ذلك أي في صورة وجود رابطة عقدية بين المتضرر والمحامي فإنّ هذا الاخير يسال عن أخطاء اعوانه الكتبة مسؤولية عقدية عند توافر شروطها طبق أحكام الفصل 245 م ا ع .كما ذكرنا في بحث سابق . وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمسؤولية التقصيرية للمحامي عن أفعال الغير فما هيّ تجلّيات مسؤوليته تجاه ذلك الغير، علما وأنّ المبدأ هو حصانة المحامي في مواجهة ذلك الاخير. الفرع الثاني: مسؤولية تقصيرية تجاه الغير
يقصد بالغير في هذا البيان هو كل من كان غير مشمول بعقد المحاماة وهو خارج مجال تنفيذه وغير متدخل في إنجازه و لمّا كان المحامي في علاقته بحريفه يرتبط معه بعقد فإن الأمر غير ذلك في علاقته مع الغير وقد يرتكب أخطاء تؤدي إلى الاضرار بهذا الاخير وتثير مسؤوليته وقد إعتبر الفقهاء أنّ المحامي في علاقته مع الغير يتحمل مسؤولية تقصيرية (1). وأمام تكريس مبدا حرية الدفاع الذي يولي المحامي حصانة هامة في أقواله وكتابته تسمح له بالدفاع عن حقوق زبائنه، وجب عدم التعرض لحقوق الغير وذلك بغاية تحقيق العدالة وإلاّ فإنه سيتم تخطّي الهدف المرسوم لتلك الحرية وسيؤدي ذلك إلى اقرار امتياز غير مبرر للمحامي فإن الحصانة القانونية التي يتمتع بها هذا الاخير ( الفقرة الأولى ) تحدّها حقوق الغير و كراماتهم الذين لا يجب أن تطالهم ألسنة أو أقلام المحامين خاصة متى تضمنت تحقيرا لهم والفاظا شائنة بحقهم أو أخطاء تمس بمكاسبهم ( الفقرة الثانية ) .
الفقرة الأولى : المبدأ: حصانة المحامي في مواجهة الغير :
لقد جاء بالفصل 46 من قانون 1989 مايلي : "لا تترتّب عن المرافعات الواقعة أمام المحاكم والكتابات المقدمة إليها أية الدعوى من أجل الثلب أوالشتم أوالقذف أوالنميمة إلاّ إذا أثبت سوء النية ". وقد أورد الفصل 33 من ميثاق أخلاقيات مهنة المحاماة (1) والذي ورد به أنه: "على المحامي أن يعامل الاطراف المتنازعة مع حريفه باحترام وأن يتجنب الاساءة إليهم أوالتحقير من شأنهم أثناء الجلسة أو خارجها. وكان المشرع اللبناني يصبّ في هذا الاتجاه وذلك بالمادة 72 من النظام الداخلي لنقابة المحامي في بيروت والتي جاء بها : "على المحامي أن يمتنع عن إستعمال أي تعبير يشفّ عن الازدراء أو التحقير ويمس كرامة الخصوم أو شرفهم و ذلك ضمن حدود ممارسة حق الدفاع" . وعند الإخلال بتلك الواجبات يكون المحامي عرضة للعقوبات التاديبية المنصوص عليها في الباب السادس من قانون 1989 والذي نص صلب الفصل 64 على ما يلي:" يؤاخذ تأ ديبيا المحامي الذي يخل بواجباته أو يرتكب ما ينال من شرف المهنة أو يحط منها بسبب سلوكه فيها أو سيرته خارجها". بقي أن يشير بأنّ المحامي المكلف بالدفاع عن قضية عالقة أمام القضاء يملك بحوزته معلومات و مستندات غالبا ما تطال ذلك، وعليه ألاّ يفشي بهذه الأسرار إذا كانت تمس سمعة الغير أوشرفهم خاصة متى كانت لا تربطهم بالنزاع سواء صلة بعيدة ، فهل يجب حينئذ عدم البوح بهذه الاسرار حتى في الحالة التي يكون لها تاثير على نتيجة النزاع ؟. والاجابة حسب رأينا تكون بدون تردد في اتجاه اقرار الحصانة في هذا المضمار بإعتبار أنّ البحث عن الحقيقة هو النقطة الأهمّ في حقل العدالة ولا يمكن وضع ذلك المبتغى في مستوى واحد من الأهمّية مع مصالح الغير (1). وقد جاء في قرار لمجلس نقابة محامي باريس مؤرخ في 20 مارس 1844 أن:" الاعتدال في اللهجة هو إحدى موجبات المحامي المترافع الذي عليه إلتزام الهدوء والعقلانية والتسلح بالحقيقة، ولكن هذا الاعتدال يجب ألاّ يؤدي إلى إهدار حقوق الدفاع المقدس فثمّة قضايا تتطلب بل تفترض زخما معينا في الكلام وقساوة في اللهجة قد ينشأ عنها مسّا بكرامة الغير خاصة في القضايا التي تتناول الخداع أو الغش يجب نفي مسؤولية المحامي في هذه الحالات ، لانه إذا كان لا يستطيع أن يقول كل ما يريد لانجاح القضايا المعهودة إليه، فسيؤدي هذا الأمر حقا إلى افشال مهمته بسبب منع حرية كشف الحقائق تحت ستار تحقير الغير أو الخصم في المحاكمة ، إنّ حق المحامي بهذا الصدد لا يعكس حق المتقاضين الطبيعي الذي تفترضه العدالة (2) ومهما اطلقت يد المحامي ومهما توّفر عليه من حصانة فهذا لا ينفي وجود حدود تقلص من ذلك المبدأ أو تقر بقيام مسؤولية المحامي التقصيرية في مجابهة الغير (الفقرة الثانية)
الفقرة الثانية : حدود الحصانة
إذا كان المبدأ هو حصانة المحامي في مرافعاته الشفوية وكتاباته أمام المحاكم بشتّى درجاتها وأنواعها، إلاّ أنّ تلك الحصانة لا تمنع من قيام مسؤولية المحامي المدنية كلّما ظهر أنه ارتكب خطأ أدّى إلى إلحاق ضرر بالغير وثبتت العلاقة السببيّة بين الضّرروالخطأ المهني .
وقد عالج فقه القضاء العديد من القضايا التي أبرزت مسؤولية المحامي التقصيرية تجاه الغير، من ذلك وفي إطار قضية مدنية استئنافية تعهدت بها محكمة استئناف ليون تعلقت وقائعها بوجود خطأ أثّير ضد شركة محامين نشرت ضدها بمناسبة تحريرهم لكراس شروط بيع محل سكنى وقع السهو على تضمين أنّ المزايد مطالب بدفع الأداء على القيمة المضافة، وبعد وقوع البتّة طلبت إدارة الأداءات من المزايد دفع الأداء المذكور، عندها تولى القيام على شركة المحامين التي تولّت تحرير كراس الشروط ناسبا لها مغالطتها بعدم إعلامه بوجود هذا الأداء وعدم تضمينه بكراس الشروط مما تسبّب له في مصاريف إضافية وقد حكم ابتدائيا واستئنافيا بالتعويض لفائدة المتضرر وجاء بإحدى حيثيّات الحكم الاستئنافي ما يلي : "وقد ثبت ارتكاب خطأ واضحا يؤدي إلى إثارة مسؤوليته بإهماله البحث حول النظام الجبائي الذي يخضع له العقار وعدم إعلام المزايد بمقدار المبلغ النهائي الواجب دفعه(1). كما أنّ لفقه القضاء العديد من التطبيقات لحدود حصانة المحامي وأقرّت بثبوت المسؤولية التقصيرية تجاه الغير، من ذلك القرار التعقيبي المدني الفرنسي الصادر بتاريخ 30 أفريل 1985 تلخّصت وقائعه في قيام المعقّب ضدّها بقضية مدنية ضد محام قصد التعويض بسبب خطأ مهني تمثل في توليه تحرير عقد وعد بيع عقار ملكيته لزوجين خاضعين لنظام الاشتراك في الملكية دون إمضاء الزوجة على الوعد بالبيع واستصدرت حكما في إبطال الكتب وعلى أساسه طالبت المحامي بالتعويض وصدر حكم بتغريمه بالفارق في الثّمن بين قيمة العقار عند تحرير الوعد بالبيع وبين قيمته عند صدور الحكم بالتعويض .
ورغم أنّ خطأ المحامي كان واضحا وهو يتمثل في عدم المطالبة مسبقا وقبل تحرير الكتب بموافقة الزوجة على البيع وتعمّده تحرير الوعد بهذه الكيفية فإنّ هذا الحكم وقع نقضه لدى التعقيب بناءًا على أنّ حكّام الأصل من واجبهم البحث حول حقيقة الضّرر الحاصل ومدى تأثير الخطأ عليه دون اللجوء إلى وضع توقّعات تتمثل في أنّ المحامي كان بإستطاعته تفادي الخطأ لو استشار الزوجة مسبقا التي من المتوقع أن تعطي موافقتها على إتمام الوعد بالبيع( ) .
وتجدر الاشارة إلى أنه بالرّغم من حصانة المحامي إلاّ أنّ ذلك يعتمد بإمكانية المطالبة بالتعويض من قبل الغير الذي تضرّر من أخطاء المحامي الشخصية أو أخطاء غيره ممّن هم تحت اشرافه علما بأنّ تلك المسؤولية هي تقصيرية بالأساس . الخــــــلاصــــة ختاما نشير إلى أنّه وبالنظر إلى التفرقة التي توصل لها الفقهاء من إعتبار الطبيعة القانونية لمسؤولية المحامي المدنية تعاقدية في علاقاته بحرفائه وتقصيرية في مجابهة الغير، الأمر الذي جعل تلك التفرقة غير صامدة أمام الانتقادات الموجهة بسبب غياب تحديد قانوني واضح لتلك المسؤولية ووجود قواعد قانونية منضبطة تتماشى مع طبيعة مهنة المحاماة وتخرج المساءلة المدنية للمحامي في نطاق القواعد العامة للمسؤولية العقدية أو التقصيرية. لذلك نقترح أن تكون مسؤولية المحامي مسؤولية قانونية تنشأ عن نص القانون فيغلب فيها القانون صفة العلاقة القانونية على صفة العلاقة التعاقدية في الحالة التي يكون المحامي فيها مرتبطا بعقد مع عميله ( ) وتكون قانونية صرفة تنشأ عن نص القانون في علاقاته مع الغير، كما نقترح أن تكون مسؤولية المحامي من حيث طبيعتها محدّدة بحسب طبيعة إلتزامه فإن كان إلتزامه إلتزاما يبذل عناية وهو الإلتزام الذي يعتمد تنفيذه على الإجتهاد في الرأي، كانت المسؤولية قانونية ينشؤها القانون ويرتبها على خطأ مفروض في عدم بذل العناية الواجبة، ولكنّه خطأ يستطيع المحامي نفيه بإثبات أنّه بذل العناية الواجبة عليه قانونا وأصول المهنة، وإن كان إلتزامه بتحقيق نتيجة وهو الإلتزام الذي لا عذر للمحامي في عدم القيام به ولا يخضع تنفيذه للإجتهاد في الرأي والكفاءة العلمية، وإنّما تقتضيه أصول المهنة ويتطلبه شرفها وتقتضيه دورها في الحياة العامّة من حيث إقرار العدل وتحقيق العدالة ترتبت على عنصر الضرر وحده ترتّبا لا يستطيع المحامي نفيها إلاّ بإثبات السبب الأجنبي، فعدم تبليغ مستندات تعقيب في آجالها يسبّب ضررا مفترضا وعدم تقديم مطلب الإستئناف أو التعقيب في آجاله المحدّدة حتى فوات الآجال المحدّدة قانونا فكانت مسؤوليته قانونية ناشئة عن نص القانون دونما حاجة إلى القول بإقامتها على خطأ مفروض غير قابل للإثبات العكسي لأنّ عبء الاثبات ثقيل إذ كيف يتسنّى للحريف وهو في الغالب شخص جاهل بالأمور القانونية وبالاجراءات القضائية أن يثبت ذلك في مواجهة محام خبر في العلوم القانونية وإجراءات التقاضي .
الباب الثاني: النظام القانوني لقيام مسؤولية المحامي المدنية
في إطار هذا الباب المتعلق بالنظام القانوني لقيام المسؤولية لابدّ من التعرّض أولا إلى نطاق قيام المسؤولية المدنية للمحامي وذلك في إطار (الفصل الأوّل) بقصد الإلمام بجوانب تلك المسؤولية التي قد تقوم عند إخلال المحامي بواجباته أمام القضاء، من واجب بذل العناية خلال المحاكمة أو بواجب الحضور والدفاع أو خارج حرم القضاء، ثم ننتقل إثر ذلك للحديث في إطار (الفصل الثاني) إلى أحكام قيام المسؤولية المدنية للمحامي والذي ينقسم بدوره إلى ثلاث مباحث نتعرّض في مبحث أوّل إلى دعوى المسؤولية والتي تتضمن أطراف الدعوى وسبب وموضوع وتقادم تلك الدعوى، لنتعرض في مبحث ثاني إلى جزاء الإخلال بالمسؤولية المدنية وذلك بوجهيه المتمثلين في التنفيذ العيني الجبري والتنفيذ بطريق التعويض، ولنختم في الأخير إلى التّعرض إلى سقوط المسؤولية المدنية سواء بانتفاء العلاقة السببية أو بالإعفاء من المسؤولية سواء أكان الإعفاء اتفاقي أو بالتأمين على تلك المسؤولية .
الفصـل الأوّل : نطاق قيام المسؤولية المدنية للمحـامي
تقوم مسؤولية المحامي المدنية عند اخلاله بواجباته أمام القضاء ونعني بذلك عند اضطلاعه بواجباته خلال المحاكمة والتي تتمحور حول وجوب الحضور والدّفاع عن موكّله، كما تقوم تلك المسؤولية عند إخلاله بواجباته خارج القضاء، ونعني بذلك خارج فضاء المحكمة لذلك وقصد تحديد نطاق قيام تلك المسؤولية وجب علينا أوّلا التعرض إلى قيامها أمام القضاء (المبحث الأوّل) وخارجها (المبحث الثاني) .
المبحث الأول : قيام المسؤولية المدنية للمحامي عند اخلاله بواجباته امام القضاء
إنّ العلاقة بين المحامي وحريفه يحكمها عقد الوكالة من جهة، وقانون المهنة من جهة أخرى كما ذكرنا في السابق وهو ما اقتضاه الفصل 35 من قانون 1989 بأنّ :" المحامي مسؤول طبق لأحكام هذا القانون وغيره من القوانين فيما يرتكبه من أخطاء صناعية". وبهذا فإنّ الوكالة أو النيابة المعطاة للمحامي يمثل طرفا أمام القضاء في نزاع قضائي يلزمه في أن يتمّم كافة المعاملات والاجراءات القانونية في إطار نشاطه القضائي وهو ملزم ببذل العناية خلال المحاكمة وهو موضوع (الفرع الأول) وهو مسؤول عن حضور الجلسات والدفاع عمّن وكله وهو موضوع (الفرع الثاني) .
الفرع الأول : عند الإخلال بواجب بذل العناية وتحقيق نتيجة خلال المحاكمة
تقوم مسؤولية المحامي مدنيا كلما ثبت أن المحامي قد اخل بواجب بذل العناية (فقرة أولى) وتحقيق النتيجة خلال المحاكمة (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : عند عدم تحقيق نتيجة
المحامي ملزم بتحقيق نتيجة ومسؤولا عند عدم تحقّقها، وذلك كلما ارتكب خطأ مهنيا بتركه انقضاء أجل الاستناف أوالتعقيب وهو من الامور الاجرائية المحضة والتي يحمل على المحامي واجب احترامها ومعرفة خطارتها في مآل الخصومة وعدم امكانية تفادي إثارها كما أنّ للمحامي مسؤول عن عدم تبليغ مستندات التعقيب أو الاستناف في مواعيدها القانونية أو يتخلف عن تقديم جوابه في المهل المحدّدة والمقررة مثلا بالفصل 71 م م م ت
الفقرة الثانية : عند عدم بذل العناية الواجبة :
يعتبر المحامي مخلاّ بواجب بذل العناية كلما ثبت تقصيره في تحرير الطلبات أو غموض فيها أو عند عدم اعلام المحامي موكّله قبل الاجراءات القانونية أو القضائيّة بالمعلومات التي تتيح له تقييم وضعه وحقوقه والتي ترد على مزاعم خصمه ( ) أو إذا قصر في اتمام أعمال اجراءات المحاكمة اللازمة للدفاع عن مصالح موكله ( ) أو عندما لا يقدّم المحامي المشورة لموكّله عن شروط المراجعة القضائية المتاحة أمامه لتحصيل حقه ( ).
وفي إطار الحديث عن قيام مسؤولية المحامي المدنية نتيجة الإخلال بواجباته المهنية فقد نظر فقه القضاء الفرنسي في قضية رفعت ضد محام ناسبا إليه حريفه عدم مده بالنصحوالارشاد اللازمين في الإبّان في موضوع يتعلق بإبطال رهن أصل تجاري موجه ضده .
والملاحظ في هذا الصدد أنّه لابد أن يتثبّتوا القضاة في مسألة اضطلاع المحامي بواجب العناية وذلك كلما عرض لديهم أي نزاع وذلك بضرورة التثبت من خلال أوراق الملف هل أنّ الخطأ المنسوب للمحامي له تأثير على النزاع أم لا؟ وهو أمر طرح على القضاء الفرنسي وذلك في إطار قضية تولّى الحريف تكليف محام قصد الاعتراض على حكم وأهمل هذا الاخير القيام بإجراءاته وثبت فيما ما بعد أنّ الحريف ليس له أي دليل أو مؤيدات يمكن له معارضة الحكم الصادر ضده، و أنّ غايته كانت تهدف فحسب لربح الوقت لا غير، ففي هذه الحالة لا يمكن مجابهة المحامي بعدم بذل العناية الكافية وهي عناية المهني الصالح le bon professionnel وبذلك فإنّ الضرر غير موجود ولا يحقّ للحريف الطالبة بالتعويض ( )
الفرع الثاني : عند الإخلال بواجب الحضور والدّفاع أمام المحكمة
إنّ مهنة المحاماة بما تتّسم به من مبادئ نبيلة تفرض على المحامي واجبات عديدة تجاه من يدافع عنه أهمّها : واجب الحضور (الفقرة الأولى) وواجب الدّفاع وعدم الإضرار بمركز من يدافع عنهم (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: واجب الحضور
جاء بالفصل 44 من قانون المحاماة لسنة 1989 أنّ : "على المحامي أن يحضر بنفسه أمام القضاء" . من المعلوم في هذا الصدد أن المحامي ملزم بالحضور سواء على صعيد التحقيق أو أثناء المحاكمة ، ولكنّ ذلك الواجب يختلف بحسب نوع القضية المعروضة أمام المحكمة ، فالمحامي ملزم بالحضور أمام الدائرة الجنائية قصد الترافع على منوّبه، لما في ذلك الحضور من أهمّية وإلزاميّة ، كما نشير أيضا أنّ ذلك الواجب يتقابل مع حق الإضطلاع به ، فالمحامي كما هو ملزم بالحضور في القضايا التي أنيب فيها ، فله في المقابل الحقّ في الحضور أمام التّحقيق وأمام المحكمة وله الحقّ في الإطّلاع على الإجراءات التحقيقيّة مثلا في القضايا الجنائيّة لما في ذلك الحضور من حماية لحق الدّفاع المقدّس والضمانات التي يوجبها القانون للمتّهم ، فضلا عن تقوية معنوياته التي غالبا ما تكون ضعيفة بسبب الوضع النفسي الذي يسيْطر عليه في ذلك الوقت العصيب.
وحريّ بالإشارة أنّ القانون الجنائي التونسي قد ضمن للمحامي حقّه في حضور أعمال التحقيق وذلك كضمانة للمتّهم الموقوف أوالمتهم بحالة سراح، لذلك فإنّ المحامي ملزم بالحضور بنفسه أو بالنيابة. كما أنّ دور المحامي يزداد أهمّية في مرحلة المحاكمة والمرافعة لذلك كان واجب الحضور مؤكدا،إذ نصّ الفصل 70 م م م ت على واجب الحضور لدى المحكمة المدنية الواقع الاستدعاء لديها في تاريخه وتقديم الجواب والمؤيدات عن الدعوى في أجل أقصاه يوم الجلسة، وإلاّ فإنّ المحكمة تواصل النظر في القضية حسب أوراقها، كما أقرّ المشرع التونسي واجب الحضور في المرافعة في الجنايات ومكّن المتهم من حق الاستعانة بمحام، وهوما أكّدته محكمة النقض المصرية ذلك الاتجاه بقولها : "لقد أوجب الشارع حضور مدافع عن كل متهم بجناية أحيلت لنظرها على محكمة الجنايات" (1). لهذا فإنّ المحامي يكون مسؤولا شخصيا عن عدم حضوره سواء أكان ذلك بنفسه أو بالنيابة ممن يراه من زملائه .
الفقرة الثانية : واجب الدفاع وعدم الاضرار بمركز من يدافع عنهم
تقوم المسؤولية للمحامي مدنيا كلما ثبت أنه أخل بواجب الدفاع أو تعمد الاضرار بمركز من يدافع عنهم. لكن ما تجدر الإشارة إليه فإن كان عدم حضور المرافعة أو عدم المدافعة يشكل خطأ، فإنّ طريقة المرافعة وما تتضمّنه وأسلوبها لا يمكن أن يشكّل بأي وجه أساسا لاي مسؤولية لأنّ المحامي حرّ في ترتيب أسلوب دفاعه(2). ولكن كلّما ظهر للحريف أنّ محاميه قد أخلّ بواجب القيام بمرافعة التي تختلف بحسب المقدرة والحنكة، تضمن حقوقه، فإنّه يلتجئ إلى إثارة مسؤوليته وتتبّعه مدنيا، وكما سبق أن ذكرنا فالمرافعة تفترض حضور المحامي بالجلسة، وقد يفرض الحريف على محاميه في نطاق واجب تمثيله أمام القضاء حضوره شخصيا بالجلسة والترافع في القضية ، وإذا ما تخلف المحامي عن الحضور وخسرعميله القضية فإنّه باستطاعته تحميل نائبه مسؤوليّة ذلك .
وقد نظرت إحدى المحاكم الفرنسية بمناسبة قيام أحد الحرفاء على محاميه الذي تغيّب عن الحضور بالجلسة في نزاع نشب بين شركتين، وكان هذا المحامي يمثّل الشركة التي كلّفت خصيمتها بالقيام بأشغال لفائدتها، ولمّا حلّ أجل خلاص مصاريف هذه الأشغال إعترضت الشركة الأولى لوجود تأخير في إنجاز الأشغال ، وطالبت بغرامة تأخير ونشب النزاع بين الطرفين أمام القضاء الذي حكم لفائدة المقاولة المكلفة بانجاز الاشغال وضدّ الشركة التي يمثلها المحامي موضوع التتبع.
وقد كان هذا المحامي بعد صدور الحكم في القضية قد اعترف بخطئه المتمثل في عدم الحضور بالجلسة وتمثيل حريفه وتعهّد بتعويض المضرّة الحاصلة صلب كتبي اعتراف بدين، إلاّ أنّه لم يف بوعده ووقع القيام عليه بالاداء، وحكم ضده إبتدائيا، وبالطّور الاستئنافي قضت محكمة الاستئاف بالنقض وعدم سماع الدعوى معللة حكمها بأنه لم يثبت وجود علاقة سببية مباشرة بين عدم حضور المحامي بالجلسة وصدور حكم ضدّ الشركة التي يمثّلها ( ).
كما أنّ المحامي في مرافعاته ومستنداته محصّن من أي ملاحقة من خصم موكّله بالقدح و الثلب فيما يدلي به من وقائع وحجج ودفوع ،إلاّ إذا كانت الوقائع التي يدلي بها خارجة عن نطاق النزاع، بالاضافة إلى هذا فإنّ من واجب المحامي عدم الاضرار بمركز من يدافع عنه فإذا ادعى المتهم مثلا براءته، وتشبث بها ، فلا يجوز للمحامي القول بوجود بيانات كافية ضده، كما لا يجوز له في حالة الاعتراف الصريح الذي يدلي به المتهم أن يتخذ موقفا يضرّ المتهم الذي يتولى الدفاع عنه كأن يطلب التخفيف ويبرز ظروفه.
كما أنّ على المحامي أن يمتنع من إعطاء أي إستشارة لخصم عميله وعن الدفاع عن مصالح متعارضة، وهذا ما يؤكده قانون مهنة المحاماة فضلا عمّا تعارفت عليه تقاليد مهنة المحاماة منذ القدم
المبحث الثاني : قيام المسؤولية المدنية للمحامي عند الإخلال بواجباته خارج القضاء
وكالة المحامي هنا لا علاقة لها بالمحاكمة القضائية، بل هي لتمثيل الموكل في أمور قد تكون سابقة للنزاع كاعطاء إستشارة قانونية أو تتمّة لنزاع أوبعيدة عنه كتحريرعقود بصفة عامة أو عقود بيع عقارات مسجلة، وتتحقّق هذه المسؤولية عند افشاء السر المهني أو عند إخفاء أو إختفاء أوراق الدعوى، لذلك كان حريّ بنا أن نتعرض في إطار(فرع أول) إلى قيام المسؤولية عند الافتاء، وفي (فرع ثان) عند إفشاء السر المهني، وفي (فرع ثالث) عند إخفاء أو إختفاء ملف الدّعوى، وفي إطار (فرع رابع) وأخير إلى قيام المسؤولية عند تحرير العقود
الفرع الأوّل : عند الافتاء
الاستشارة هي الرأي الذي يطلبه الحريف من محاميه للوقوف على الوضع القانوني الصحيح لمشكلة أو وضعية تعترضه، والمحامي بوصفه صاحب إختصاص ودراية في ميدانه مطالب بإبداء رأيه في ما عرض عليه، إذ يتولى دراسة المسألة القانونية ويحدّد نتائجها المحتملة ويعطي الحلّ الذي يراه مناسبا، وغالبا ما يشعر الحريف بحاجة إلى طلب النصحوالاستشارة من قبل المحامي قبل الاقدام على أخذ موقف من مشكل يعترضه لما لهذا الأخير من إلمام بالقانون وحذقا للإجراءات وخيرة في الدفاع ، و قد إعتبرت الاستشارة بمثابة الاجراء الوقائي الذي يهدف إلى تقدير حضوض النجاح والفشل على حد السواء، وغايتها تجنّب تعريض حقوق الحريف للضياع بإعتبار أنّ هذا الاخير غير مختص وغير عارف بالميدان ووجبت حينئذ حمايته (1).
وتتناول الاستشارة عادة المواضيع القانونية المتعلقة بكيفية رفع الدعوى وكيفية تتبع الاجراءات وتحديد الموقف السليم لضمان أكثر حضوض النجاح وهو ما يتطلب خبرة قانونية ودراية بالحلول الواجب اقتراحها، وقد إعتبرها الفقهاء بمثابة الحق والواجب في الآن نفسه (2) فقد أكدت كثير التشريعات على حق المحامي في الافتاء والمشورة فقد نص الفصل 2 من قانون المحاماة لسنة 1989: "المحامي ينوب الأشخاص والذوات المعنوية ويساعدهم ويدافع عنهم لدى جميع الهيئات القضائية والادارية والتاديبية ويقدم الاستشارات القانونية ". والاستشارة كذلك هي واجب محمول على عاتق المحامي كلّما طلب منه حريفه المساعدة لجهله بالاجراءات القانونية.
وتبقى العلاقة التي تنشأ بين المحامي وحريفه عند القيام بالاستشارة خاضعة للمسؤولية العقدية التي تعد الاطار الطبيعي المنظم لهذه العلاقة، فالمستشار يكلف من طرف المستشير بإبداء رأي في مسألة معينة لقاء الحصول على اتعابه، وينشأ بينهما عقد استشارة بمقابل .وإنطلاقا من هذا المعيار، وعندما يرتكب المحامي خطأ كإعطائه استشارة غير صحيحة نظرا لتقصيره، ويتسبّب في إحداث مضرة تكون منطلقا لاثارة المسؤولية المدنية.
وقد رأى بعض الفقهاء أنّ مسؤولية المحامي على مستوى الاستشارة لا يمكن إثارتها إلاّ إذا توفر الخطأ الفادح " faute lourde ّ " لأنّ مراقبة الخطأ يتطلب مراقبة حضوض نجاح القضية (3) وقد استبعد قانون المحاماة الفرنسي الصادر في 31/12/1971 بفصله 27 كلّ نظرية تعتمد على تكييف الخطأ، واعتمد على النظرية العامة في المسؤولية وإعتبر أنّ كلّ خطأ
يرتكبه المحامي عند مباشرته لمهنته يثير مبدئيا مسؤوليته المدنية ( ) ،وسار فقه القضاء في نفس هذا الاتجاه . أمّاالقانون التونسي فإنّ طريقة تحرير الفصل 35 من قانون المحاماة الحالي يجعلنا نعتقد أنّه إعتمد كذلك النظرية العامة للمسؤولية المدنية في تحديد الخطأ، وترك لفقه القضاء حرية تكييفه، وطالما تعلق الأمر بإبداء رأي حول إشكال قانوني لتقديم النصح والتوجيه ، فإنّ واجب المحامي ينحصر في بذل عناية وليس في تحقيق نتيجة ، فإن أخطأ المحامي في تحديد الحل المناسب للمشكل المطروح ، فإنّ ذلك يعدّ مجرّد رأي أبداه عن حسن نية، ويرى الاستإذ سافيتي إنّه على المستشار أن يبذل العناية الكافية للاطلاع على جميع العناصر الواقعية والقانونية التي تنير رأيه وعليه إعطاء الحل المناسب بكل دقة، واعتمادا على ذلك فمن المفروض ألاّ يعطي إلاّ الاستشارة الصحيحة ( ) . وقد طرح الاشكال في هذا المجال هل بإمكان المحامي أن يتصرف بكل حرية في حق حريفه؟ وأن يلتزم مكانه كلّما ظهر له مصالح هذا الاخير مهدّدة ،أم هل أنّه مطالب في كل مرة بالرجوع لحريفه واستشارته وأخذ رأيه في أي إلتزام يقوم به ؟ .
لقد أجاب فقه القضاء الفرنسي عن هذا التساؤل في إحدى قراراته عندما وقع القيام على المحامي بقضية مدنية في التعويض من أجل خطأ مهني تمثّل في إعتبار أنّ المحامي خرق عقد الوكالة الذي يربطه بحريفه والتزم في حقه في نزاع دون استشارته مسبقا. وتتلخص وقائع القضية في وجود مشاورات بين حريف المحامي وبلدية المكان للقيام بتبادل مساحتي أرض بينهما، وتعطّل الاتفاق لاشتراط البلدية على معاقدها بناء سياج للعقار موضوع التعويض وبقي الموضوع على حالة من سنة 1958 إلى سنة 1974 أين إعتبر معاقد البلدية أنّ الاتفاق قد حصل، وتولى القيام على هذه الاخيرة لالزامها بإتمام الاتفاق، وبالجلسة أجاب محامي المدعي بأنّ حريفه يصادق على موقف البلدية المتمثل في قبولها لانشاء سياج وقتي للعقار وطالب بإتمام الاتفاق وهو ما صدر به الحكم، وعند قيام الحريف على محاميه لاحظ أنّه تجاوز وكالته، وقد قضت المحكمة بالتعويض لفائدة الحريف بناءا على وجود تهاون من المحامي أدّى إلى خرق عقد الوكالة ( ) . ونستشفّ من خلال موقف المحكمة أنّها تعيب على المحامي مبادرته بأخذ موقف في الموضوع دون إذن مسبق من حريفه رغم أنّه تمسك أمامها بأنه لا يلعب دور المحامي الذي يمثل حريفه أمام القضاء فحسب، بل هو مستشار ومرشد وله الحق في المبادرة حفاظا على مصلحة الحريف، لأن بناء سياج وقتي يعني بذل مصاريف أقل من تكلفة سياج نهائي وقد علق الاستإذ إيف أفريل على هذا الحكم مبرزا أنّ المحكمة تعتبر المحامي ليس بمتقاض عادي وتتناسى دور المسؤولية التأديبية ووجود تأمين وجوبي لتعويض الاضرار( ) . يبدو أنّ موقف المحكمة معيب لما في ذلك من تقليص لدور المحامي في الحفاظ على حقوق حريفه بوصفه مستشارا وعارفا وهي تنفي عنه دوره في إيجاد حل للاشكال المطروح لضمان حسن سير المرفق العام وتحدّ من دائرة عمله. يبقى في الختام القول بكون المحامي لا يطلب منه ضمان نتيجة قانونية محدّدة طالما أنّ وظيفته الاستشارية تقضي بتحليل الوضع القانوني والوقائع المكونة له فالمطلوب من المحامي المسشار أن يبذل عناية عادية في كتابة استشارية، وحتّى يتحمل خطأ مهني يجب أن يكون المحامي قد كتب الاستشارة بخفّة وعدم مراعاة القانون، أي أن يكون قد ارتكب خطأ عن إهمال
متعمّد، وهذا وضع المحامي الذي يخوض في مسألة معقدة، فيقدم رأيا وحلاّ دون تحفّظ طالما أنّه لا يضمن نفاذ هذا الراي ( ).
الفرع الثاني : عند الافشاء عن السر المهني
إنّ إلتزام السريّة واجب تفرضه الإلتزامات الاخلاقية لمهنة المحاماة ذلك أنّ أصول هذه المهنة وتقاليدها تحتم على المحامي عدم خيانة ثقة موكله وذلك بالمحافظة على سرية المعلومات والتفاصيل التي يحصل عليها من عميله من خلال توضيحه ملابسات القضية . وواجب المحافظة على سر المهنة بدأ واجبا أخلاقيا نابعا من تقاليد المهنة في جميع النظم القانونية، ومن ثمّ نفذ إلى أكثر التشريعات لأهمّيته، فقد نصّ قانون المحاماة لسنة 1989 صلب الفصل 39 على ما يلي : "يحجر على المحامي إفشاء أي سرّ من أسرار منوبه التي أفضى له بها أوالتي اطلع عليها بمناسبة مباشرته لمهنته". كما نلاحظ في هذا الصدد أنّ المشرع التونسي لم يعط تعريفا مدققا للسر المهني الأمر الذي يدفعنا للبحث عن تعريف لذلك، وقد عرّفه الفقه الفرنسي بأنّه: "كلّ ما يضرّ افشاؤه بالسمعة والكرامة عموما" (2). ويعدّ سرّ المهنة كما يقول الفقيه Charmantier من الموضوعات بالغة التعقيد والتي تثير مشكلات يتسع مداها من الناحيتين القانونية والعملية حتى أنّ أكاديمية العلوم السياسية
والاخلاقية في فرنسا رصدت للبحث فيه جائزة مالية عام 1925(1) . لقد بدا واجب المحافظة على السر المهني واجبا اخلاقيا تفرضه طبيعة نشاط المهنة ليصبح واجبا قانوني يترتب عن الإخلال به مسؤولية مؤتمنه، ولقد كان للقضاء قصب السبق في الاعتراف بالسرّ المهني للمحاماة، إذ أنّه أقرّ امتناع المحامين من الرد على أسئلة القضاة في الامور التي محل إئتمانهم. ولقد كان القانون التونسي ثابتا في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة يعدّ سرا بطبيعته فقد أقر صلب الفصل 31 من قانون 1989 مبدا عدم جواز شهادة المحامي ضد عميله، لأنّ ذمته ملتزمة بالسر الذي أودعه ايّاه، إذ ينص حرفيا : "لا يجوز للمحامي أداء الشهادة في نزاع أنيب أواستشير فيه ويجب عليه أن يمتنع عن أداء أية مساعدة ولو من قبيل الاستشارة لخصم موكله في نفس النزاع أو في نزاع مرتبط به إذا كان قد ابدى فيه رايا لخصمه أو سبقت نيابته عنه فيه ثم تخلى عنها، كما لا يجوز للمحامي النيابة على من تتعارض مصالحهم في قضية واحدة ". ولعلّ أهمّية السر المهني وكتمانه يزداد ثقلا كلّما مثل المحامي أمام حرم المحكمة لاداء اليمين القانونية والذي تضمن بدوره واجب الحفاظ على سر المهنة وهو ما نصّ عليه بالفصل الخامس من قانون 1989 بقوله: " أقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحاماة بأمانة وشرف وأن أحافظ على سر المهنة …". ويترتّب على إلتزام المحامي بالسرّ عدم استطاعته الترافع ضد موكله السابق إذا كانت القضية التي وكّل فيها ذات علاقة بقضية الموكّل المذكور أو بقضية استشاره فيها ذلك الموكل، وإذا أصبح المحامي خصما لموكله السابق امام القضاء، فإنّه لا يستطيع أنّ يستخدم أو يستعين بالوقائع التي عرفها أثناء ممارسته لمهنته، وعلى القاضي ألاّ ياخذ بما يدلي به المحامي في هذا هذا الخصوص فضلا عما يترتب على الافشاء من عقاب التشطيب من الجدول وحق الخصم الذي أفشى سره في التعويض إذا توفرت شروطه (1)، إضافة إلى إمكانية التتبع الجزائي بالفصل 254 من المجلة الجنائية (2) وواجب المحامي بالمحافظة على السرّ يستمر كما جاء في أحكام الفصل 31 حتى بعد إنتهاء القضية أو زوال صفة المحامي، وقد رأى الفقه وفقه القضاء بأنّ: "واجب عدم افشاء السرّ يتواصل حتّى بعد موت صاحب المصلحة إذ لا يجوز للوارث أن يحلّ المحامي من التمسك بالسر لأنّه حق غير قابل للانتقال من جهة، ولأنّ المورث لا يملك هذا الحق من جهة أخرى ، وعموما فإنّ ضمير المحامي هو الفصل فيما يعتبر ولايعتبر سرّا" (3). ويترتب على إلتزام المحامي بالحفاظ على السر المهني اعفاؤه من الشهادة أمام القضاء وهو ما نص عليه الفصل 31 بقوله:"لا يجوز للمحامي أداء الشهادة في نزاع أنيب أو استشير فيه". وجاء في الفصل 100 م م م ت تنصيص على ذلك إذ نص على ما يلي : "المحامون والاطباء وغيرهم ممّن تقتضي حالتهم إعتبارهم بصفة مؤتمنين على أسرار الغير لا يجوز لهم إذا علموا بموجب هذه الصفة بواقعة أو معلومات أن يشهدوا بها ولو بعد زوال صفتهم ما لم يطلب منهم ذلك من أسّرها لهم، وبشرط أن لا يكون محجرا عليهم بأحكام القوانين الخاصة بهم". من الملاحظ في هذا الصدد بأنّ إلتزام المحامي بالحفاظ على السر المهني ليس إلتزاما مطلق بل هو إلتزام نسبي ، وقد أورد عليه المشرع عدة استثناءات يجوز للمحامي بمقتضاها التحلل من السر المهني وهي التالية : أولا : يجوز للمحامي افشاء المعلومات إذا كان من أدلى بها إليه قد قصد منها ارتكاب جناية أو جنحة، ذلك أنّ القصد من الادلاء بها كما هو واضح مخالف للقانون وللنظام العام، فالمحامي الذي يسرّ إليه موكله مثلا أنّه اتفق مع أحد الناس على أن يشهد له زورا أو أنّه مصمم على قتل خصمه إذا حكم له، يكون من حقه لا بل من واجبه أن يبلّغ الأمر إلى الجهات المختصة لمنع وقوع الجريمة (1). ثانيا : يجوز للمحامي افشاء السر إذا إذن له صاحب المصلحة شرط ألاّ يتعارض هذا الإذن مع القوانين الخاصة، فإذا كانت هذه القوانين تمنع افشاء السر امتنع على المحامي افشاؤه ولو أذن له بذلك صاحب المصلحة فيه، وفي هذا الصدد نص الفصل 100 م م م ت على ذلك بأنّه يجب على المحامين أن يؤدوا الشهادة على تلك الواقعة أو المعلومات متى طلب منهم ذلك من اسرها إليهم على أن لا يخل ذلك بأحكام القوانين الخاصة. يبدو أنّ الفصل 31 من قانون المحاماة جاء قاطعا في هذا الخصوص بالنص على أنّه لا يجوز للمحامي أداء الشهادة في نزاع أنيب فيه أو أستشير فيه دون أن يستثني من هذا المنع حالة الإذن بالافشاء، وعلى هذا يمنع على المحامي افشاء السر المهني حتى ولو أذن موكله بذلك، وذلك تحت مسؤوليته الجزائية والتأديبية نظرا لتعلّق نظام المهنة بالنظام العام. غير أنّه لا يعتبر افشاء لسرّ المهنة متى أفشى المحامي أسرارا بغية الدفاع عن موكله خصوصا متى كانت هذه الاسرار ممّا يباح نشرها فيما بعد بطلب الموصي نفسه أي بطلب صاحب المصلحة . ثالثا : يجوز للمحامي افشاء السر دون أن يتعرض للمسؤولية إذا حصل خلاف بينه وبين موكله وخاصمه أمام القضاء ، ففي هذه الحالة يحق للمحامي أن يفشي المعلومات التي أسرّ بها إليه موكله إذا كان الافشاء من ضرورات الدفاع عن النفس، إذ أنّ حق الدفاع في هذه الحالة يعلو على واجب الكتمان وعلى الرغم من أنّ هذه لم يرد عليها نص بالنسبة للمحامي إلاّ أنّها مما تقضي به ضرورات الدفاع المشروع (2).
انّ السر المهني هو احدى القواعد الاكثر صرامة في مهنة المحاماة وأنّ مخالفتها تؤدّي ليس فقط إلى عقوبات مدنية أو تأديبية بل جزائية أيضا (1). والواقع أنّ هذا الراي هو السائد الآن في فرنسا، فقد قضت الدائرة الجنائية لمحكمة التعقيب الفرنسية في 22 ديسمبر 1966 بأنّ إلتزام السرّ المهني الذي تقيمه وتعاقب عليه المادة 378 من القانون الجنائي لكي يكفل الثقة الضرورية لممارسة مهنة معينة يقع كواجب عام ومطلق ولا يحق لاي شخص أنّ يخالف ما ينطوي عنه، وحسب هذا الراي لا يحق للعميل أن يعفي المحامي من الإلتزام بالسرّ المهني أو أن يبيح له الافشاء. ومع ذلك وكما ذكرنا آنفا بأنّ حماية السرّ المهني لا يمكن أن يتعارض مع مصلحة المجتمع إذ يقول الفقيه "فنستان هيلي" :"أنّ هناك مصلحة أخرى للمجتمع لا تقل قدسية عن مصلحته في اكتشاف الجرائم وهي سلامة العلاقات بين المواطنين(2). وفي هذا الصدد نورد وقائع قضية CLERK V STATE كمثال لاحدى تطبيقات تضييق المبدأ في الولايات المتحدة الأمريكية أنّ محاميا كان مستشارا قانونيا لعميل له في طلاق ضدّ زوجته وانتهت القضية بينهما بتسوية، وتلقى المحامي بعد ذلك محادثة تلفونية من عميله أنبأه فيها أنّه قتل زوجته طالبا مساعدته، فسأله المحامي في خلال المحادثة التليفونية فيما إذا كان قد تخلص من السّلاح وأشار عليه باخفائه إلى حين وصوله وقد سمعت عاملة التليفون المحادثة خلافا لتعليمات شركة التليفونات وأدلت بشهادتها، وقد أيّدت محكمة استئناف ولاية تكساس الجنائية قرار ادانة العميل وقضت بصحّة قبول البيّنة عن المحادثة التي دارت بين المحامي، وعميله، لأنّ ذلك لا يدخل في النّطاق المشروع للاستشارة وحفظ السرّ(3). وقد واجه قدسيّة السرّ المهني نقدا قاس في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل الفقيه بنشام(1) الذي دعا إلى الغاء تلك القاعدة التي تمنع شهادة المحامي بدعوى السرية لما في ذلك من فائدة أخلاقية لمهنة المحاماة، وإبعاد المحامي عن الدفاع عن قضية غير عادلة، ذلك لأنّ الذي يساعد مجرما على الافلات من حكم العدالة بنصيحته له يعتبر شريكا له في الاجرام. ومع ذلك فإنّ القاعدة ظلّت مؤيدة من قبل بعض الفقهاء منهم Wignore الذي ردّ على اعتراضات بنشام بقوله:"إنّ اعتراف المتهم لمحاميه يكون بمثابة ادانة للنفس "self incrimination " وأنّ قاعدة عدم جواز الزام الشخص بادانة نفسه تؤكد وجوب حماية السر لأنّ المذنبين سيستمرون في حالة رفع الحماية على استشارة محاميهم، ولكنهم سيكونون حذرين من الادلاء بما يدينهم وبالتالي لن يفيد الاتهام من ذلك ، كما أنّ الدفاع سيفقد عنصر التقدير المكفول له في بعض الاحيان وأنّ معارضة بنشام وتهكمه على القول بمنع الافشاء حتى لا يخون المحامي ثقة موكله تفوقها حجج القاعدة التي لا تخلو من وجاهة إذا استندت إلى راحة ضمير المحامي، ومع ذلك فإنّه يرى أنّ هذه القاعدة التي ينبغي الاحتفاظ بها لأسباب تتعلق بالسياسة العامة يجب عدم التوسع فيها وحصرها في أضيق حدود منسجمة مع منطق المبدأ في سبيل البحث عن الحقيقة (2). وفي الاخير نرى أنّ قاعدة عدم افشاء السر المهني وإن بدت من خلال اجماع النظم القانونية على اعمالها جديرة بالتأييد، إلاّ أنّ هذا يجب أن لا يكون مطلقا بل محدودا أو مشروطا بما يتماشى مع دور المحامي كمساعد فعال في اقامة العدالة عن طريق رعاية حقوق المتهمين دون تجنّ على حقوق المجتمع ولغرض تحقيق موازنة بين حق المتهم وحق المجتمع في ضوء واقع مهنة المحاماة يجب اقرار عدة استثناءات ترد على تلك القاعدة تهدف إلى حماية المصلحة العامة .
الفرع الثالث : عند إختفاء وإخفاء ملفّ الدعوى
ينقسم هذا الفرع إلى فقرتين سنتعرض في الأولى إلى مسؤولية المحامي المدنية عن اختفاء وضياع ملف الدعوى (الفقرة الأولى)، وفي مرحلة ثانية عند اخفاء أو احتباس أوراق الدعوى (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : عند اختفاء وضياع ملف الدعوى
إنّ الأوراق والمؤيدات التي يسلمها الحريف إلى المحامي في اطار معاملة قانونية سواء أتعلق الأمر بمرافعة أو بتقديم استشارة قانونية تكون مسلمة إليه على سبيل الوديعة، ويتحتم عليه المحافظة عليها وإعادتها إلى طالبها عند الإنتهاء من الغاية التي قدمت لأجلها. وقد عرف المشرع التونسي الوديعة على على هذا النحو: "الوديعة شيء منقول يتسلمه شخص من آخر بمقتضى عقد ليحفظه و يرده بعينه" (1). ويضيف الفصل 1005 م ا ع على أنّه: "على المستودع أنّ يعتني بحفظ الوديعة اعتناؤه بحفظ ملكه ". ويشتد ذلك الواجب ويضمن المستودع حتى أسباب الضياع والضرر التي يمكن التحذر منها إذا كان حفظه للوديعة بالاجر أو بمقتضى حرفته أو وظيفته (2). ونستشفّ من خلال عرض تلك النصوص أنّه وأمام غياب نص قانوني خاص صلب قانون المحاماة يعتني بمسالة قيام مسؤولية المحامي مدنيا عند ضياع ملف الدعوى، وتكون حينئذ القواعد العامة هي الملاذ الوحيد في ايجاد الحل القانوني السليم والمنطبق على هذه الوضعية . ولئن كان قانون المحاماة لسنة 1989 قد نص على ضرورة ارجاع المحامي للرسوموالوثائق التي سلمها له الحريف كلما طلب منه ذلك (1). هذا فإذا أضاع المحامي بعضها يكون مسؤولا عن الضرر الذي أصاب الحريف بنتيجة عمله هذا خاصة متى كانت الأوراق والمستندات الضائعة بدون مثيل. ويكون المحامي مسؤولا كذلك عما أضاعه من هم تحت اشرافه أو من كلفهم لإنابته أو من ترك لديه ملف الدعوى من زملائه وأضاعه، ويحمل الفصل 1006 م ا ع جوابا على ذلك " فإن سلمها للاجنبي بغير إذن ضمن". بقي أن نشير إلى أنّ مسؤولية المحامي في هذا المضمار تبقى قائمة حتى وإن أثبت المحامي أنّه اختار من يصلح لقبول الوديعة المتمثلة في حفظ ملف الدعوى وهو أمر يختلف مع باقي مقتضيات الفصل 1006 م ا ع . ولكن عبء الاثبات في هذه الحالة سيكون صعبا على الزبون ، إذ أنّ المحامي عادة لا يعطي ايصالا بالمستندات التي تسلمها وبالمقابل فإنّه يطلب اثباتا خطيّا من الزبون عندما يعيد الأوراق أو المستندات إليه، فبمجرد تصريح المحامي بأنّه لم يتسلم أية أوراق أو مستندات من الحريف كاف لاعلان عدم مسؤوليته في هذه الحالة وبدون حاجة لتحليفه اليمين القانونية (2)، حسبما ذهب إليه الفقه وفقه القضاء في فرنسا(3). إنّ هذا الموقف لا يتفق مع ما أقرّه المشرع التونسي صلب الفصل 1027 م ا ع الذي جاء به بأنّ:" القول قول المستودع بيمينه في نفس الايداع وفي عين الوديعة وفي ردّها لمالكها أو لمن له الحق في تسلمها ما لم يقبضها باشهاد أو بكتب بخط يد ، ولا عمل على اشتراط عدم التحليف في جميع الصور السابقة".
الفقرة الثّانية : عند اخفاء و احتباس أوراق الدعوى
الاشكال الذي يثار في هذا الاطار هل يحق للمحامي احتباس الملف بين يديه بحجة عدم تقاضيه اتعابه كاملة ؟
لقد جاء بالفصل 43 من قانون المحاماة لسنة 1989 ما نصه:" يمكن للمحامي أنّ يحتفظ بالتقارير والوثائق التي حررها أو أعدّها في نطاق نيابة وأن لا يسلم نسخا منها إلى منوبهولو على نفقته الخاصة إذا لم يقع خلاصه في اجرته".
لقد تحدثت الفقرة الأولى على امكانية ممارسة حق الحبس للتقارير والوثائق التي اعدها المحامي وحررها في نطاق نيابته دون اللجوء إلى القضاء لاستصدار إذن في ذلك، بإعتبار أنّ ما يقوم به المحامي من أعمال لا يمكن أن يطالب الحريف بالاطّلاع أو بالإنتفاع من مضمونها ما لم يدفع للمحامي أتعاب لقاء ذلك، ولقد عرّف المشرع التونسي حق الحبس صلب الفصل 309 م ا ع بقوله:" بأنّه الحق في حوز الشيء الذي يملكه المدين حتى يؤدي ما عليه للدائنولا يجري العمل به الا في الاحوال التي خصصها القانون".
بهذا فإنّ حق الحبس يشكل وسيلة مشروعة وفعالة للمحامي لتحصيل حقوقه هذا بطبيعة الحال إذا إعتبرنا الاتعاب دينا مدنيا صحيحا.
إنّ التلازم بين الملف المحتبس والاتعاب غيرالمدفوعة يشرّع الحبس كوسيلة اكراهية بيد المحامي لحين استيفاء اتعابه كاملة، والاجازة للمحامي بتحصيل اتعابه امام القضاء تتيح له بالوقت عينه اللجوء إلى الاساليب التي تساعده على ذلك( ) ، ومنها حق الحبس سواء اكان الحبس تلقائي لمحرراته أو قضائي لجميع الوثائق والمؤيدات التي استلمها من الحريف . ويبقى المحامي مسؤولا قانونا عما حبسه فعليه ضمان الاشياء المحبوسة وهو ما اقره الفصل 320 م ا ع الذي نص : "إذا اجرى الدائن حقه في الحبس فعليه ضمان الشيء على مقتضى القواعد المقرّرة في حق المرتهن" . لكن يكون من غير الجائز إعتبار المحامي الذي احتبس ملف تحت يديه وضمن حفظه وذلك بغاية اكراه زبونه على دفع أتعابه مسؤولا على أي صعيد مدني أو تأديبي أو جزائي.
الفرع الرابع : مسؤولية المحامي المدنية عند تحرير العقود
إنّ نطاق قيام المسؤولية المدنية للمحامي قد نجد لها مكان عند قيام المحامي بتحرير العقود التي قد تختلف بحسب موضوعاتها أو صيغتها، فقد أوجب القانون صيغة معينة في تحرير العقود بصفة عامة، وفرض طريقة خاصة عند تحرير عقود بيع العقارات المسجلة لذلك سنتعرض في اطار (الفقرة الأولى) إلى تلك المسؤولية عند تحرير العقود بصفة عامة ثمّ ننتقل في اطار (فقرة ثانية) إلى نطاق المسؤولية المدنية عند تحرير عقود بيع العقارات المسجلة.
الفقرة الأولى : مسؤولية المحامي عند تحرير العقود بصفة عامة
إنّ مهمة التوثيق تعتبر من المهام الاضافية التي يضطلع بها المحامي إلى جانب الدفاع والمرافعة، وهي مهمة في الاصل ارتبطت في السابق بمهنة الاشهاد إلاّ أنّ وبحكم تعقّد المعاملات المدنية والتجارية جعلت المحامي بحكم درايته القانونية وتجاربه القضائية جعلته اكثر تأهيلا من غيره، ولا نقصد بذلك أنّتقاصا لاي جهة كانت ولا تقليلا من حجمها المعرفي أو القانوني، ولكن الواقع الاقتصادي هو الذي فرض مثل ذلك اللجوء إلى المحامي مع استثناء بعض العقود التي لا يمكن له إبرامها لأنّها بقيت حكرا لعدالة الاشهاد التي تصبغ العقود بصيغة الرسمية فنذكر منها عقود الزواج وعقود المغارسة والوصية وغيرها من الحجج العادلة.
ولكن ما يمكن ملاحظته في هذا الخصوص أنّ تحرير العقود من قبل المحامي يغيّب مبدا المواجهة والخصومة بإعتبار أنّ المحامي يعامل الاطراف المتعاقدة على قدم المسأواةودون تمييز أو إنحياز لاي طرف كان .
ولتحقيق تلك الغاية واحتراما مبدا العدل والإنصاف والمساواة بين الاطراف فأنّه يتوجّب على المحامي توخّي الوضوح عند وضع بنود الاتفاق وتجنب استعمال الكلمات والالفاظ الغامضة تفاديا بذلك امكانية النزاعات في تأويلها .
وفي هذا المضمار فقد نص الفصل 9 من القانون الداخلي لهيئة المحامين الصادر بتونس في 29/7/1960 على ما يلي :" يجدر بالمحامين أن يتجنبوا في تحرير الكتائب والعقود استعمال عبارات أو صيغ أو شروط من شأنها إذا كانت ملتوية أن تثير نزاعا ينبغي عليهم فيه الاحجام عن تمثيل أحد الطرفين المتعاقدين" .
ولقد أصّل هذا النص القانوني مبدا هام وهو مبدا الحياد الذي يجب أن يتحلّى به المحامي وذلك قصد تحقيق التوازن التعاقدي بين أطراف العقد، وما تفاديه لتمثيل أحد أطرافه أمام القضاء بمناسبة نشوب نزاع إلاّ تأكيدا على اقرار مبدأ المسأواة ويتحمل المحامي بوصفه محرر للعقد مسؤولية كبرى لتحقيق رغبات الطرفين عند تحريره لشروط الاتفاق مما يستوجب منه
الدقّة والوضوح عند التحرير كما عليه أن يتحقق من أنّ مضمون الكتب سليم شكلاومضمونا ( ) .
فالمحامي عند تحريره للعقد لابد له من احترام المقتضيات الشكلية حتى يكون الكتب المحررمستجيبا للمتطلبات القانونية، ويكفل له الصحة والمطابقة، وقد تعرّض فقه القضاء الفرنسي لعدّة حالات تهمّ مسؤولية المحامي المدنية بوصفه محررّا للعقود من ذلك أنّه وقع إعتبار المحامي مسؤولا مدنيا تجاه حريفه عند تحريره لعقد بيع اصل تجاري لم يتضمن التنصيصات الوجوبية الواردة بقانون 29 جوان 1935 والمتعلقة بوجوب التعرض لرقم المعاملات والمرابيح وتضمنّت أرقام خاطئة حول وضعية الاصل التجاري وكان بإمكان المحامي مراقبة بسيطة معرفة عدم صحة تلك الارقام( ).
كما وقعت اثارة مسؤولية المحامي في نطاق كتب وقع تحريره بخط اليد أي بحجّة غير رسمية،والحال أنّ مثل هذه العقود يجب تحريره بحجّة رسمية ( )
كذلك الأمر المتعلق بتحرير عقد كراء وتصرف في أصل تجاري والحال أنّ مالكه فقد صفته كتاجر منذ 7 سنوات، وإعتبر العقد الذي حرره المحامي خارقا للفصل 4 من قانون 20/3/1956 ( ).
وتزداد مسؤولية المحامي المدنية خطورة كلما تعلق الأمر بتحرير عقود بيع مسلطة على عقارات مسجلة وذلك بالنظر إلى دقة وتعقيد صيغ التحرير والشكليات الواجب اتباعها.
الفقرة الثانية : مسؤولية المحامي عند تحرير عقود بيع العقارات المسجلة
العقار المسجل هو وحدة اقتصادية واجتماعية ذات بال، لذلك أولاه المشرع أهمّية بالغة من حيث طرق التعامل عليه وشروط وكيفية انتقاله، وأحاطه بشروط شكلية واجبة الاتباع عند التعاقد وتم تخصيص كتلة الاختصاص لمحرّرين على وجه الحصر، ونجد منهم المحامي وقد تم تحميله مسؤولية خاصة بإعتبار أنّه ثبت عمليا أنّ المشاكل المتولدة عن تحرير العقود قد أدّت إلى تجميد الرسوم والعقارات ،ممّا حدى بالمشرع إلى بعث لجان مهمتها تحيين ما تجمّد من تلك الرسوم بموجب قانون عدد 39 الصادر في 27 افريل 1992( ) . وقد أورد المشرع صلب مجلة الحقوق العينية جملة من الواجبات التي حملها على محرري العقود التي يكون موضوعها بيع عقارات مسجلة و من أهمّها أولا واجب الاطلاع (أ)وثانيا واجب اعلام المتعاقدين بالوضعية القانونية للرسم (ب) وثالثا واخيرا واجب ترسيم الكتب (ج) وعند ثبوت اخلال المحامي بتلك الواجبات فإنّ المسؤولية المدنية تصبح قائمة في جانبه
المطلب الأول : واجب الاطلاع
يمثّل ذلك الواجب في اطلاع المحامي بنفسه على الوضعية القانونية للرسم والذي يتطلّب منه التحول إلى مقر حفظه وايداعه بادارة الملكية العقارية وطلب الاطلاع عليه وأخذ نسخة منه إن رأى فائدة في ذلك. والغاية من ذلك الاطلاع هو التعرف على وضعية العقار القانونية والواقعية ومعرفة العمليات الجارية التي توظف على ذلك العقار والتثبت من البيانات والتنصيصات الواردة بالرسم الواجب تضمينها بالكتب وهي التي تعطي فكرة من كون المحامي قد تحول فعلا لمقر ادارة الملكية العقارية واطلع على الرسم كما أنّه وبمناسبة الاطلاع يتسلم وصلا يثبت أنّه فعلا قد اطلع. ويعتبر واجب الاطلاع على الرسم العقاري هامّا جدا كما ذكرنا وعدم احترامه قد يرتب المسؤولية في جانب محرر العقد كالمحامي مثلا، وذلك ما عناه المشرع صلب الفصل 377 ثالثا حينما نص صلبه على ما يلي :" يجب على محرر الصكوك أنّ يمضي في العقد وأن يعتمد في التحرير على ما يثبته رسم الملكية بالسجل المذكور وأن ينص بها على :...ثانيا: " أنّه إطّلع على رسم الملكيّة ، ويكون مسؤولا إزاء الاطراف عن مخالفته لأحكام هذا الفصل والأحكام التشريعيّةوالترتيبية المتعلقة بالترسيم ". لقد كان المشرع صريحا في ترتيب الجزاء القانوني لاخلال المحامي كمحرر للعقد بواجب الاطلاع وإعتباره مسؤولا مدنيا، ولعل أنّ ذلك التنصيص هو مفترض قانونا بإعتبار أنّ عدم الاطلاع قد ينجر عنه عدم الترسيم وهو كاف لقيام المسؤولية، إلاّ أنّ المشرّع قد ذكّر لعلّ الذكرى تنفع المحررين، وذلك بغية تحريض هؤلاء على الاطلاع بما في ذلك من مزايا في تجنّب تجميد الرسوم بسبب سوء في التحرير أو تحرير مغلوط ومعيب يتعطل بسببه الرسمو يخرجه من حلقة التعامل القانوني، و قد دعت وزارة العدل و وزار أملاك الدولة للشؤون العقارية إلى استصدار منشور تلفت فيه نظر محرري العقود حول تجاوزهم لشرط الاطلاع على الرسم و تذكيرهم بأنّ ذلك يؤدي إلى اثارة مسؤوليتهم (1) .
المطلب الثاني : واجب اعلام المتعاقدين بالوضعية القانونية للرسم
بالاضافة إلى واجب الاطلاع المنصوص عليه بالفصل 377 ثالثا من مجلة الحقوق العينية ينضاف إليه واجب الاعلام بالوضعية القانونية للرسم لجميع الاطراف المتعاقدة وبما اكتشفه برسم الملكية من ملاحظات ووضعيات لا يكونون على بينة منه ، وتتلخص هذه الوضعيات عادة في وجود رهن من الرهون على الرسم لفائدة مؤسسة أو شركة أو ادارة أو وجود بيوعات سابقة لم يقع ادراجها لسبب من الأسباب أو عدم ترسيم حجة من حجج الوفاة لاحد المستحقين بالرسم وهي ملاحظات يتم اكتشافها بالرسم بإعتباره يتضمن الهوية الكاملة لواقع العقار وما طرأ عليه من تغييرات وتفويتات . وواجب الاعلام يفرض على محرر العقد إعطاء رايه فيما اكتشفه و بيان تأثير ذلك على ادراج الكتب ومدى صحة البيع وهنا يظهر ويتجلى موطن الثقة التي يجب أنّ تتوفر في المحامي إذ يكفي لهذا الاخير أنّ ينص بالكتب على قيامه بواجب الاعلام حتى تنتفي مسؤوليته وما على المتضرر إنّ أراد إثارة مسؤولية المحامي مدنيا، أن يثبت أنّه لم يقع اعلامه بوضعية العقار الحقيقية وهو أمر قد يعسر بالنظر إلى اثبات الأمر السلبي هو أمر صعب.
المطلب الثالث : واجب ترسيم الكتب من طرف المحامي
يعتبر هذا الشرط تجديدا في القانون التونسي، ضرورة أنّ النصوص السابقة لم تضع على كاهل المحامي مسؤولية السعي في ادراج الكتب بالسجل العقاري واصبح ذلك الواجب ممكنا من الناحية النطبيقية بعد التحديث القانوني الاخير الذي حمل المحامي واجب التسجيل بالقباضة المالية ، كما هو الأمر بالنسبة لبقية المحررين كعدول الاشهاد الذين بعد قيامهم بتضمين الكتب صلب دفاترهم يتولون القيام باجراءات التسجيل ، ويظلّ الكتب دائما بحيازتهم الأمر الذي يجعل عملية الترسيم اكثر يسرا وهو ما عناه المشرّع صلب الفصل 377 ثالثا الذي تمّ إضافته بالقانون عدد 46 لسنة 1992 المؤرّخ في 4 ماي 1992 ولقّح بالقانون عدد 35 المؤرخ في 17/4/2001 والذي جاء به :" خامسا: أن يتولّى تقديم الصكّ ومؤيداته بما في ذلك سند الملكيّة نسلّما لصاحب الحقّ إلى قايض التسجيل ويقوم بالإجراءات اللاّزمة للترسيم" .
ولكن الاشكال يطرح عند تحرير المحامي لكتب البيع وقيامه بجميع الواجبات القانونية كالاطلاع والاشعار ويقوم في الاثناء بتسليم ذلك الكتب للتعريف بالامضاء عليه بإعتباره كتب غير رسمي ويتقاعس أحد أطراف الكتب على الامضاء عليه، فهل يمكن مسائلته مدنيا؟ تبدو الإجابة سهلة لأوّل وهلة بإعتبار أنّ عدم التعريف بالامضاء على الكتب يجعل العقد غير ثابت التاريخ وغير صحيح من الناحية القانونية، ولكن تتعقد الاجابة في صورة إمضاء الاطراف على العقد بعد مضي فترة طويلة بين تاريخ الاطلاع على الحالة القانونية والواقعية للعقار، وبين تاريخ التوقيع على الكتب والتعريف بالامضاء عليه وتغيّرت في الاثناء الوضعية القانونية، فهل يعتبر المحامي مسؤولا بوصفه محرر العقد لعدم قيامه بواجب اعلام المتعاقدين بالوضعية الجديدة للرسم؟ أنّ مختلف التساؤلات وتعدد الوضعيات التي يمكن أن تثار في هذا الاطار والتي قد تعرقل إجراء من إجراءات اتمام العقد قصد تهيئته للترسيم، يدفعنا للقول بأنّ المحامين غير مسؤولين عن الترسيم لتشعب اجراءات تهيئة الكتب و تجهيزه لكي يصبح قابلا للترسيم. ويجوز القول بأنّ الشرط الرابع الوارد بالفصل 377 ثالثا من مجلة الحقوق العينية يقتصر فحسب على العقود التي يحررها عدول الاشهاد لأنّ هؤلاء يضمنون كتائبهم بدفاتر يمسكونها ثم يتولى بنفسه تسجيلها، وبالتالي فإنّ الكتب يكون تام الموجبات الشكلية والقانونية وأصبح جاهزا للايداع قصد الترسيم. وطالما وقع التعرض لواجبات المحامي عند تحرير العقود عموما، فإنّ الاشكال يدفعنا للبحث حول طبيعة الإلتزام المحمول على عاتق المحامي اثناء التحرير؟ إنّ الإلتزام المحمول على عاتق المحامي هو من قبيل الإلتزام بتحقيق نتيجة ولا يبذل عناية ولا يعفى من هذه المسؤولية إلا إذا توصل المشتري إلى ترسيم عقده بالسجل العقاري، وتبقى الأسباب والصعوبات التي حفت بعدم ادراج الكتب ومدى مسؤولية كل طرف في ذلك الموضوع إثبات يرجع لتقدير المحكمة كلما وقعت إثارة المسؤولية المدنية أمامها، والأخطاء التي يمكن أنّ تنسب للمحامي و تثير مسؤوليته المدنية . بعد الفراغ من تحديد نطاق قيام مسؤولية المحامي ننتقل للحديث في اطار الفصل الثاني إلى أحكام قيام المسؤولية المدنية للمحامي.
الفصل الثاني : أحكام قيام المسؤولية المدنية المحامي
بعد البحث في نطاق المسؤولية المدنية وبيان إلتزامات وواجبات المحامين ومسؤوليتهم أثناء اطلاعهم بمهامهم سواء أكانت أمام القضاء أو خارجه، نخصص هذا الفصل للحديث عن أحكام هذه المسؤولية الأمر الذي يتطلب منا التعرض في مرحلة أولى إلى دعوى المسؤولية (المبحث الأول) وفي مرحلة ثانية إلى جزائها (المبحث الثاني) وأخيرا إلى سقوطها (المبحث الثالث) ،وسنفص ما يقتضي تفصيله و سنوجز بيان ما سبق التعرض إليه.
المبحث الأول : دعوى المسؤولية المدنية للمحامي
إن الحديث عن دعوى المسؤولية هي الدعوى التي يحق للحريف رفعها ضد المحامي الذي استعان به للدفاع عن حقه ومصالحه أمام القضاء بسبب الضرر الذي أصابه لعدم تنفيذ المحامي إلتزامه بالدفاع عنه أو لسوء تنفيذه أو التاخر في التنفيذ ليطالبه بالتعويض له عن ذلك الضرر أو بتفاديه، يقتضي منّا التعرض أولا إلى أطراف دعوى المسؤولية وهما المدعي والمدعي عليه (الفرع الأول) وأفرد ثانيهما للحديث عن سبب وموضوع وتقادم دعوى المسؤولية (الفرع الثاني).
الفرع الأول : أطراف دعوى المسؤولية
يقتضي لصحة أي دعوى توافر شروط تكون تلازمية وهي وجود المصلحة لرافعهاواهلية التقاضي و صفة الخصومة ووجود حق وهو ما عناه الفصل 19 م م م ت حينما نص على ما يلي :" حق القيام لدى المحاكم يكون لكلّ شخص له صفة واهلية تخولانه حق القيام بطلب ماله من حق ويجب أن تكون للقائم مصلحة في القيام". لذلك وجب على المدعي وهو الشخص الذي أصابه ضرر بسبب أخطاء المحامي في الدفاع عنه أو من ينوب عنه، أن يثبت توافر تلك الشروط حتى تسمع دعواه وتكون سليمة من الناحية الشكلية على الاقل، والتي تقام ضد مدّعى عليه من حجم الثقيل ألا وهو المحامي، لذلك سنقسّم هذا الفرع إلى فقرتين نتعرض في إطار (الفقرة الأولى) إلى المدعي وفي (الفقرة الثانية) إلى المدعي عليه .
الفقرة الأولى : المدعي
الأصل أنّ الشخص الذي لحقه ضرر هو الذي يكون مدعيا، فيرفع دعواه مطالبا بالتعويض لجبر الضرر الذي أصابه، وفي هذه الدعوى يكون المدعي هو الشخص الذي تولى المحامي الدفاع عن حقه بطريق النيابة الاتفاقية أو القانونية، أو القضائية فقد يكون المدعي نائب المتضرر كالولي أو الوصي أو الممثل القانوني لشركة ما، وقد يكون المدعي خلف عام أو خاص للمتضرر أو دائن لهذا الاخير، يتولى رفع الدعوى بإسم مدينه المتضرر ضررا ماديا بإعتبار أنّ الضرر المعنوي لا ينتقل للغير سواء اكان خلفا أو دائنا، كما يجوز أن يكون المدعي محاميا موكلا من قبل المتضرر، ويكون هنا المحاميان إطار دعوى واحدة بشرط احترام مقتضيات الفصل 30 من قانون المحاماة لسنة 1989 الذي نص على:" ضرورة اعلام رئيس الفرع الجهوي المختص الذي يرجع إليه المحامي المطلوب ". أمّا وفي حالة وفاة المتضرر ضررا ماديا فإنّ الحق في التعويض ينتقل إلى الورثة بقدر نصيب كل منهم في الميراث لأنّه يصبح جزءا من التركة عندئذ يصبح الورثة مدعين ولهم الصفة والمصلحة في المطالبة القضائية بالتعويض. وأخيرا فإنّ المحال له قد يكون مدعي(1) متى أحال المتضرر حقه في التعويض له وهو أمر لم يمنعه القانون بإعتبار أنّ الفصل 199 م ا ع قد اجاز تلك الامكانية إذ نصّ على ما يلي : "يجوز أنّتقال حق أو دين من الدائن الاصلي إلى شخص آخر بموجب القانون أو اتفاق المتعاقدين" .
الفقرة الثانية : المدعي عليه
إنّ المدعي عليه في دعوى مسؤولية المحامي المدنية هو المحامي المسؤول عن تعويض الضرر الذي اصاب المدعي وهو الموكل أو من ناب عنه المحامي نيابة قانونية أو قضائية ، وإذا حصل الضرر بفعل اشخاص تابعين للمحامي كمحامين أو كتبته، فإنّ الدعوى ترفع ضد هذا الاخير بإعتباره مسؤولا عن أخطائهم وهو ما أسلفنا الحديث عنه في اطار الباب الأول، وقد يكون المدعي عليه نائب المحامي أو من يحل محله كالوارث والتركة ستكون محل تعويض للضرر الذي أحدثه المحامي قبل وفاته طبقا للقاعدة التي مفادها : "لا تركة إلاّ بعد استيفاء الديون وإنّ الدائن يقدم على الوارث، ولا إرث إلاّ بعد اداء الدين" (1)، وترفع الدعوى على الخلف العام وهو الوارث هنا بإعتباره ممثلا للتركة.
وجدير بنا الذكر أنّه و على اثر سنّ قاون الشركات المهنية للمحامين بموجب قانون عدد 65 لسنة 1998 مؤرخ في 20 جولية 1998 فإنه يمكن تصّور شركة مهنية مدعى عليها ومقام ضدها من قبل المتضرر أو من ينوبه قصد تعويض الاضرار وتكون متضامنة في الاداء حسبما نص على ذلك الفصل 24 من ذلك القانون والذي اقتضت عباراته ما يلي :"وتكون في هذه الحالة الشركة المهنية التي يباشر فيها المعني بالتعويض عمله ضامنة له وملزما بأداء المبالغ المستحقة إذا اثبت عدم قدرة المدين على الوفاء جزئيا أو كليا ولها حق الرجوع عليه بالدرك" بقي أن نتسائل في هذا الخصوص هل أنّ عريضة الدعوى يجب أن تتضمّن التنصيص على رقم السجل التجاري الشركة المهنيّة وذلك متماشيا مع نقتضيات الفصل 6 جديد من قانون عدد 82 مؤرخ في 3 أوت 2002 . لم يتحدث قانون الشركات التجارية المهنية للمحامين على التسجيل بالسجل التجاري إذ أنّ الفصل 18 قد اكتفى بالحديث عن اجراءات الاشهار والايداع بكتابة المحكمة وبالفرع الجهوي للمحامين المختص دون التّعرض إلى واجب الترسيم وبالسجل التجاري . واضح أنّ المسؤولية القانونية التي ينشؤها النص القانوني يقتضي التنصيص على التضامن بين الشركاء أو المحامين المتعاونين في اطار عقد اشتراك، وذلك مع الاحتفاظ بحق الرجوع بالدرك إلى المتسبّب في المضرة، والغرض من ذلك هو تيسير حصول المتضررين على ما يستحقونه من تعويض وذلك استجابة لدواعي العدالة مع اشتراط أن تكون الدعوى المقامة ضد المحامي لها سبب وموضوع ولم يسر عليها الزمن .
الفرع الثاني : سبب و موضوع و تقادم دعوى المسؤولية
إنّ الالمام بهذا الموضوع يقتضي توزيعه على فروع ثلاثة نخصّص أولهما للكلام في سبب الدعوى ووسيلتها وثانيها للبحث في موضوعها، أما الفرع الثالث فسنتحدّث عن تقادم الدعوى . الفقرة الأولى : سبب الدعوى
إنّ سبب رفع دعوى المسؤولية من قبل المتضرر ضد المحامي هو اخلال الاخير بمصلحة مشروعة للمتضرر وهذا الإخلال هو الواقعة القانونية التي تثير موضوع الدعوى وهو المنشئ لها (1). ووسيلة الدعوى هي الاسانيد الواقعية والقانونية التي يعتمد عليها المتضرر في دعواه لاثبات خطأ المحامي عقديا كان أو تقصيريا ثابتا أو مفترضا، وبمعنى آخر فإنّ سبب الدعوى يجب أن يستند إلى نص قانوني وله ما يشدّه إليه، لذلك فإنّ المتضرّر يجب عليه أو يوضّح سبب الدّعوى لكي تكون مؤسسة ومتجهة ومستساغة من الناحية القانونية. ويثار التساؤل في هذا المجال حول معرفة هل بامكان المتضرر أن يغيّر سبب دعواه أمام محكمة الاستئناف ولو لأوّل مرّة، بمعنى إذا كان سبب دعواها مبنيا على خطأ عقدي فهل يجوز له أن يتحوّل عنه إلى إثبات خطأ تقصيري أو العكس بالعكس؟ الاجابة تكون بالجواز وذلك ما أقره الفصل 148 م م م ت حينما نص على ما يلي : "يمكن تغيير السبب المبني عليه المطلب إذا كان موضوع الطلب الاصلي باقيا على حاله بدون تغيير و كان السبب الجديد غير قائم على وقائع جديدة لم يقع طرحها لدى المحكمة الأولى". إنّ مثل تلك الامكانية تبقى متاحة لاطراف الدعوى دون امكان تخويل القاضي الاستناد إلى سبب غير السبب الذي تقدم به المتضرر، وإلاّ سيكون سببا في الطعن بالتعقيب خصوصا أنّ الفصل 175 م م م ت قد نص على أنّه بامكان الطعن بالتعقيب إذ صدر حكم نهائي بما لم يطلبه الخصوم. كما أنّ امكانية تغيير السبب المبنى عليه الدعوى غير ممكن أمام محكمة التعقيب لأول مرة، بإعتبار أنّ محكمة التعقيب هي محكمة قانون وليست محكمة اصل وتبقى الامكانية جائزة على صعيد الاستئناف وذلك طبق أحكام الفصل 148 م م م ت وهو أمر خالفه القضاء الفرنسي الذي اتخذ اتجاها اخر (1)، فقد رأى أنّ السبب في دعوى المسؤولية هو النص القانوني الذي يستند إليه المدعي المتضرر، وعليه فإنّ السبب في دعوى المسؤولية العقدية يختلف عن السبب في دعوى المسؤولية التقصيرية، كما أنّ السبب في المسؤولية الاخيرة يختلف باختلاف نوع الخطأ ثابتا كان أو مفترضا، و تترتّب على هذا الرأي نتائج مضادة للنتائج المترتبة على الراي الأول فلا يجوز للمتضرر التمسك بنوع من الخطأ لأول مرة امام محكمة الاستئناف، لأنّ ذلك يعدّ طلبا جديدا، كما أنّه لا يجوز للقاضي الحكم بالتعويض استنادا إلى وسيلة لم يتمسك بها المدعي . بقي أنّ نشير أنّه في صورة رفض الدعوى بعد استنادها إلى خطأ معين، فإنّ الحكم لا يحوز قوة اتصال القضاء بالنسبة إلى باقي أنواع الخطأ فيجوز رفع الدعوى من جديد على أساس نوع آخر من الخطأ، وهو أمر خالفته محكمة التمييز المصرية (1) في مناسبة أولى وخالفته في دائرتها الجنائية (2).
الفقرة الثانية : موضوع دعوى المسؤولية و اثباتها
إذا تم الاستعانة بمحام للدفاع عن قضية ما، وامتنع هذا الاخير عن تنفيذ إلتزامه أو تأخر في إنجازه أو نفذّه تنفيذا معيبا، فقد يبدو ولأول وهلة أنّ في وسع الشخص اقامة الدعوى على المحامي لمطالبته بالتنفيذ العيني لإلتزامه ولكن في الواقع أنّ هذه المطالبة تبدو عديمة، بإعتبار أنّ عمل المحامي هو عمل ذهني كما ذكرنا ، وأنّ اكراهه على تنفيذ إلتزامه لا يضمن للمدعي ما ينبغي من جديّة وإخلاص في التنفيذ، لذلك فإمكانية المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي لحقته تبقى الوسيلة الفضلى، بشرط أن يقع اثبات حقه في التعويض، وذلك بإثبات علاقته بالمحامي وهي غالبا ما تكون عقدية يسهل إثباتها بإثبات وجود العقد الصحيح الذي ارتبط به مع المحامي وبإثبات الضرر الذي لحقه وجودا ومقدارا وبإثبات علاقة السّببية يبدو في الغالب ميسورا. فإذا تعلّق الأمر بمسؤولية منشؤها العقد، فإنّه يشترط على المدّعي أن يثبت العقد وعدم تنفيذه إذا كان إلتزام المحامي إلتزاما بتحقيق نتيجة كلّما تعلّق الأمر بمادة الاجراءات مراعاة آجال الاستئناف أو التعقيب أو بإثبات عدم بذل العناية المطلوبة قانونا أو اتفاقا من قبل المحامي إذا كان الإلتزام إلتزاما يبذل عناية، أمّا إذا تعلق الأمر بمسؤولية تقصيرية المبنية على خطأ ثابت يجب على المتضرر اثبات جميع أركان المسؤولية وفي مقدمتها الخطأ بجميع طرق الاثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن ، لأنّ الاثبات ينصبّّ على وقائع مادية وهو عبء اثبات ثقيل، خصوصا أنّ الأمر في مواجهة محام يمكنه أن يدفع عن نفسه تلك المسؤولية وذلك بإثبات أنّ عدم تنفيذه لإلتزامه بعدم بذل العناية الواجبة يعود إلى سبب أجنبي، وهذا يقطع علاقة السبيبة، كما أنّه بإمكانه إن ثبت أنّه بذل العناية الواجبة أو أنّ العناية التي يدّعي المدّعي عدم بذلها ليست واجبة عليه . ويبقى للقاضي الحرية في تقدير وسائل الاثبات ومقدار التعويض دون امكان الحكم بأكثر ممّا طلبه الخصوم .
الفقرة الثالثة : تقادم دعوى المسؤولية
التقادم هو مضي المدّة التي حدّدها القانون لعدم سماع دعوى المطالبة بحقّ من الحقوق فإذا مرّت المدة المحدّدة ولم ترفع الدعوى خلالها سقط حق المدعي في إقامتها والذي يسقط بالتقادم هو حق إقامة الدعوى لمطالبة بالحق، أمّا الحق المطالب به فلا ينقضي وإنّما يتحّول إلى إلتزام طبيعي فقد وسيلة المطالبة به وهي الدعوى (1). إنّ مدّة تقادم المسؤولية تختلف بإختلاف طبيعة المسؤولية تقصيرية أو عقدية ، فبالنّسبة لدعوى المسؤولية التقصيرية فقد حدّد القانون المدني التونسي تقادمها في الفصل 115 م ا ع الذي نصّ على ما ياتي :" يسقط القيام بغرم الخسارة الناشئة عن جنحة أوما ينزل منزلتها بمضي ثلاثة أعوام وقت حصول العلم للمعدو عليه بالضّرر وبمن تسبّب فيه وعلى كل حال تسقط الدعوى المذكورة بعد إنقضاء خمس عشرة سنة من وقت حصول الضرر". أمّا دعوى المسؤولية العقدية فقد حدّد الفصل 402 م ا ع تقادمها بقوله :" كلّ دعوى ناشئة عن تعمير الذمّة لا تسمع بعد مضي خمسة عشر سنة عدى ما استثني بعد وما قرره القانون في صورة مخصوصة". يستخلص ممّا سبق بسطه أنّ دعوى مسؤولية المحامي على رأي من يقول أنّها تقصيرية يسقط بالمدة المحدّدة بالفصل 115 م ا ع، أمّا إذا قيل بمسؤوليته العقدية فإنّ الدعوى تسقط بمضي خمس عشرة سنةّ ، دون التنصيص صلب قانون المحاماة لسنة 1989 على آجال مخصوصة. بقي أن نشير في هذا الإطار إلى أنّ دعوى المسؤولية تقام كجزاء لإخلال المحامي بواجباته القانونية أو الاتفاقية .
المبحث الثاني : جزاء المسؤولية المدنية للمحامي
من المعلوم أنّ عدم تنفيذ المحامي لإلتزامه يترتّب عنه المسؤولية، وأمكن حينئذ للدائن أو للمتضرّر رفع الدعوى لجبره على تنفيذ عين ما التزم به ويسمّى التنفيذ في هذه الحالة التنفيذ العيني الجبري، وإن تعذّر ذلك فللدائن حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه ويعتبر التعويض جزاء المسؤولية المدنية للمحامي ووسيلة القضاء لمحو الضرر أو تخفيف وطأته. إنّ الإحاطة بهذا الموضوع يقتضي منّا التّعرض في مرحلة أولى إلى التنفيذ العيني الجبري (الفرع الأول) مع بيان ما إذا كان في الإمكان جبر المحامي على تنفيذ إلتزامه عينا وننتقل إثرى ذلك للحديث في مرحلة ثانية إلى التّنفيذ بطريق التعويض (الفرع الثاني) وذلك كلّما أصبح التنفيذ العيني الجبري غيرممكن ولم يعد من الممكن قهر المدين على الوفاء لما التزم به.
الفرع الأول : التنفيذ العيني الجبري
إنّ إجبار المدين على تنفيذ عين ما التزم به يسمّى بالتّنفيذ العيني الجبري وهو الأصل في الوفاء فإذا طالب الدائن مدينه بتنفيذ إلتزامه وامتنع الأخير أجبر على تنفيذه إن كان ممكنا، لأنّ تنفيذ الإلتزام إذا أصبح مستحيلا فإنّ المطالبة بالتّنفيذ العيني الجبري تكون عبثا. ولقد أشار المشرع التونسي إلى ذلك صلب مجلة الإلتزامات والعقود إذ نصّ صلب الفصل 273 م ا ع ما يلي :" إذا حلّ الاجل وتأخر المدين عن الوفاء فللدائن الحق في أن يغصب المدين على الوفاء إذا كان ممكنا وإلاّ فسخ العقد مع أداء ما تسبّب عن ذلك من الخسارة في كلا الحالتين فإن كان الوفاء لا يتيسّر إلاّ في البعض جاز للدّائن إمّا طلب الوفاء الجزئي أو فسخ العقد مع تعويض الخسائر في كلا الحالتين". يتّضح ممّا تقدم أن يشترط في التنفيذ الجبري أن يكون التنفيذ العيني ممكنا أي عدم إستحالته وعدم إمكان التنفيذ أمر متصوّر في جميع أنواع الإلتزامات عدا الإلتزام بدفع مبلغ من النقود (1)، كما يشترط إضافة إلى شرط عدم الامكان أن يكون إمتناع المدين عن التنفيذ أو تأخّره فيه غير مشروع وهو ما يستخلص من تقابل الإلتزامات تقابلا يحيز للمدين الامتناع عن تنفيذ إلتزامه إذا لم يقم الدائن بتنفيذ ما ترتب في ذمته من إلتزام عملا بأحكام الفصل 247 م ا ع، فإذا امتنع المدين عن تنفيذ إلتزامه حتى يستوفي ماله من حق إعتبر إمتناعه مشروعا لا يجبر بسببه على التنفيذ العيني . هذه هي الشروط الواجب توفرها لجبر المدين على تنفيذ إلتزامه تنفيذا عينيا، يحسن بنا هنا بعد عرض الإطار القانوني لمسألة التنفيذ العيني الجبري عما إذا كان في الوسع جبر المحامي على التنفيذ العيني لإلتزاماته؟ وبعبارة أخرى عمّا إذا كان للتنفيذ العيني الجبري مجال في دائرة إلتزامات المحامي؟. إنّ من إلتزامات المحامي ما يكون فيها التنفيذ العيني ممكنا وبالتّالي فإنّه يجبر عليه ولكن أكثر إلتزاماته لا تكون كذلك لأتّه يتسبّب بخطئه في إستحالة تنفيذها، فإلتزام المحامي بالدفاع عن موكله أمام القضاء إلتزام يبذل عناية، هي توخي الحيطة المطلوبة من المحامي المعتاد ومراعاة أصول المهنة المعروفة، فإذا لم يبذل العناية الكافية قانونا أو إتّفاقا يكون قد تسبّب بخطئه في إستحالة تنفيذ الإلتزم، ولا محلّ للتنفيذ العيني الجبري عندئذ، لأنّ تنفيذ الإلتزام لم يعد ممكنا. وإلتزام المحامي بتقديم مطلب استئناف أو بتقديم مستندات الاستئناف لا يقبل التّنفيذ الجبري العيني إذا لم ينفّذ إلتزامه في المواعيد التي حدّدها القانون لأنّ بإنقضاء أجل الاستئناف مثلا يعني إستحالة التنفيذ، وإلتزام المحامي بعدم إفشاء سر المهنة يكون تنفيذه مستحيلا إذا أفشى سر عميله، لأنّه أقدم على عمل التزم بالامتناع عنه. أمّا التزامه بتسليم المستندات والمبالغ التي تعود إلى منوبه وتكون في حوزته فإنّه يقبل التنفيذ العيني وهو ما اقتضاه الفصل 43 من قانون المحاماة الذي اقتضى نصّه ما يلي :" إنّه يجب عليه أن يرجع له الرسوم والوثائق التي سلمها له …ويجب عليه عند قبض أموال راجعة لمنوّبيه أن يسلمها لهم في ظرف شهر على أقصى تقدير وعند التعذر أن يودعها بأسمائهم .." فإذا لم ينفذ إلتزامه أجبر على التّنفيذ وجاز للمحكمة أن تحكم عليه بلزوم التسليم في صورة الامتناع، أمّا إذا أثبت ضياع الشيء أو تلفه، فيصبح التنفيذ الجبري غير ممكن، ويقع اللجوء إلى طلب التعويض عن ذلك . يفهم من هذا أنّه لا مجال للتنفيذ العيني الجبري في نطاق إلتزامات المحامي المهنية بإستثناء إلتزامه بالتّسليم، لأنّ تنفيذ أكثر إلتزاماته يصبح مستحيلا بسبب خطئه. وجدير بالذّكر حتى بالنسبة لإلتزام المحامي بتسليم الوثائق والأموال قد يصبح التنفيذ العيني الجبري غير ممكن كان إمتناع المحامي عن ذلك التسليم مشروعا، كأن يكون بسبب عدم التسليم للمستندات والوثائق هو عدم حصوله على أتعابه وهو أمر أقرّته الفقرة الأولى من الفصل 43 من قانون المحاماة لسنة 1989 بقولها:" إذا رأى في ذلك ضمانا لحقوقه" أي له حق الحبس لتلك الوثائق متى كان في ذلك ضمانا لحقوقه المادية، ويتعزّز ذلك الموقف بما نصّت عليه الفقرة الثانية من نفس ذلك الفصل حين نص على أنّه :" أن يخصم قبل الايداع أجرته إذا كانت محل اتفاق أو مسعّرة بصورة قانونية من قبل ". أمّا فيما عدا هذه الحالة فلا يجوز للمحامي الامتناع عن تسليم الأوراق والاموال التي قبضها، ويجوز التنفيذ العيني الجبري عليه قصد تسلّم تلك الوثائق والنقود. وحريّ بالذّكر في الختام، أنّ المحامي لا يسأل عن عدم قيامه برفع الدعوى إذا لم يدفع له موكله رسومها ومؤيداتها، لأنّ امتناع المحامي عن تنفيذ إلتزامه يعتبر في هذه الحالة إمتناعا مشروعا، لأنّ الموكل لم يقم بتنفيذ ما ترتب في ذمته من إلتزام وذلك بأن يقوم بالدّفع بعدم التنفيذ عملا بأحكام الفصل 247 م ا ع ، ولا يبقى للعميل في صورة عدم إمكان التنفيذ العيني الجبري من خيار سوى اللجوء إلى طلب التعويض عمّا لحقه من خسارة مع طلب فسخ العقد الرابط بينه وبين المحامي .
الفرع الثاني : التنفيذ بطريق التعويض
إذا امتنع المحامي عن تنفيذ إلتزامه طوعا ولم يكن من الممكن جبره أو غصبه على التنفيذ العيني، فيصبح التنفيذ بطريق التعويض الخيار الوحيد للحريف المتضرّر من عدم تنفيذ المحامي لإلتزامه أو من تنفيذه المعيب لذلك الإلتزام. ويعرّف التعويض بأنّه مبلغ من النقود كافية لجبر الضرر الذي لحق الدائن وتعادل المنفعة التي كان سينالها لو نفذ المدين إلتزامه على النحو الذي يوجبه القانون. ويشترط في التّنفيذ بطريق التعويض توفر شروط استحقاق التّعويض وذلك بتوفر أركان المسؤولية وهو موضوع (الفقرة الأولى) ويتولى القضاء مهمة تقدير التعويض وذلك ببيان عناصره (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : شروط استحقاق التعويض عند توافر اركان المسؤولية المدنية
إنّ استحقاق التعويض يشترط توافر أركان المسؤولية المدنية والتي كنّا قد تعرضنا إليها في السابق وهي الخطأ والضّرر والعلاقة السببية. وقصد الحصول على تعويض من جرّاء إخلال المحامي بإلتزاماته المهنية تجاه حريفه أو تنفيذه لإلتزامه تنفيذا معيبا، الأمر الذي سبّب له ضررا لابدّ أن يكون ذلك الضرر قابلا للتعويض وذلك بنوعيه المادي والمعنوي . ولقد اشترط الفقه في الضرر القابل للتعويض أن تتوافر فيه شرطين إثنين وهي : أولا : أن يكون الضرر محققا ويعني ذلك أن يكون الضرر ثابتا على وجه اليقين ويتمّ بالتالي استبعاد نظرية الضرر المستقبلي أو محتمل الوقوع، ويؤجّل طلب التعويض عنه إلى حين ثبوته ثبوتا قطعيا، فالمتضرّرعليه التحلي بالصبر في طلب التعويض نتيجة خطأ مهني ارتكبه المحامي في إطار دعوى ابتدائية، فإنّه على الحريف ألاّ يفوّت على نفسه أجل الاستئاف أو الاعتراض على الحكم الصادر ضدّه، وعليه القيام بالاجراءات الواجبة وكأنّ الخطأ لم يحصل، وبعدها يستطيع تقييم مدى فداحته ومدى الاضرار بحقوقه. ونسوق مثالاً عن الضرر الثابت ومستحق التعويض، صورة سهو المحامي عن القيام بالاعتراض على تنبيه تجاري في الخروج من محل إكتسب فيه منوبه أصلا تجاريا وأصبح بالتّالي محقا في طلب غرامة الحرمان، وانصرم الأجل المسقط للحق دون أن يكون هناك أي مبرّر واقعي أو قانوني، فالضّرر الحاصل للحريف ثابت، إذ سيقع القيام ضدّه بالخروج من المكرى ويحرم من التعويض من الأصل التجاري الذي كوّنه. ثانيا : أن يكون الضرر مبرّرا وهو كل من كان نتيجة طبيعية لعدم تنفيذ الإلتزام العقدي أو للتّأخر في تنفيذه أو الإخلال بواجب قانوني . وتعريف الضرر المباشر تناوله فقه القضاء الفرنسي مؤكّدا في كلّ مرّة على العلاقة السببية بين الخطأ والضرر وجعل من عدم توفّر هذه العلاقة سببا لرفض دعاوى التعويض الموجّهة على المحامي، وقد تناولت إحدى المحاكم موضوعا يتعلق بخطأ مادّي بسيط في الإسم إنجرّ عنه عدم الأخذ بعين الإعتبار لوجود رهن على آلة وتواصل بيعها بسبب عقلة تسلطت عليها، ومن أجل الخطأ المادّي في الإسم حرم الحريف من وجود الرّهن، فقام ضدّ محاميه طالبا تعويضه بالدّين موضوع الرّهن، فأجابته المحكمة المتعهّدة بقضية التعويض بأنّ بيع الآلة باطل لخرقه التشريع المتعلق بالقروض وأنّ هذا الموضوع له مساس بالنظام العام وكذلك الأمر بالنسبة لاجراءات الرهن، ورفضت طلب التعويض لأنّ العلاقة السببيّة بين خطأ المحامي والضّرر غير مباشر ( ). والضرر كما سبق أن قلنا يمكن أن يكون ضررا ماديّا والتعويض يصبح هنا قائما بسبب ضياع فرصة الحصول على غرامة، وكل ما يعمر الذّمة كغرامة تأمين أو غرامة إنتزاع، أمّا التّعويض المعنوي فيتعلّق بتعويض خطأ المحامي الذي أضاع على حريفه ممارسة حق وأصابه مثل ذلك الخطأ إضطراب نفسي يمكن أن يكون أكثر خطورة من ضياع فرصة Perte des illusions( ). بقي أن نشير في هذا الصدد أنّه لا يكفي توفّر الضرر كشرط لاستحقاق التعويض، بل لابدّ من حصول إنذار الدّائن المدين عند حلول الأجل الواجب في تنفيذ الإلتزام وذلك بغاية نفي قرينة سكوت الدائن وإستبعاد مماطلة الدائن في المطالبة بتنفيذ الإلتزام، وقد عرّفه الفقيه عبد الباقي البكري بأنّه:" دعوة المدين من قبل دائنه إلى تنفيذ إلتزامه ووضعه قانونا في حالة التأخّر في التنفيذ تأخّرا تترتّب عليه مسؤولية عن الأضرار التي تصيب الدائن نتيجة هذا التأخر" (3). إلاّ أنّ ذلك الشّرط قد إستبعده المشرع التونسي في حالات معينة ونصّ صراحة صلب الفصل 270 م ا ع على أنّه:" لا يجب على الدائن أن ينذر المدين في حالتين : أولهما : إذا إمتنع المدين عن الوفاء إمتناعا صريحا. ثانيها : إذا صار الوفاء غير ممكن". ومعنى ذلك أنّه في صورة الإمتناع الصّريح عن الوفاء أوعند ما يصبح تنفيذ الإلتزام تنفيذا عينيّا غير ممكن بفعل المدين سواء أكان محل الإلتزام نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عنه، فإنّ الإنذار يصبح غير واجب على الدائن،أمّا في غير الصورتين المذكورتين فأنّه لابد للدائن من إنذار مدينه حتى لا يعتبر سكوته قرينة على قبوله ورضاءه بتفصّي المدين من تنفيذ إلتزامه.
وفي ضوء ما تقدّم نستطيع القول بأنّ الإنذر ليس شرطا في أكثر الحالات التي يتعرض فيها المحامي للمسؤولية، ذلك لأنّ إلتزامه بالتسليم يقبل التّنفيذ العيني الجبري، ولا ضرورة لإنذاره عندئذ طبقا للقانون التونسي، ولأنّ إلتزام المحامي بتقديم الطعون في آجالها وبعدم إفشاء سرّ حريفه يحكمها قانون المهنة وأخلاقياتها.
أمّا بالنسبة لإلتزام المحامي بحسن الدفاع وهو إلتزام ببذل العناية، ففي صورة عدم بذل تلك العناية المطلوبة وأصبح بذلك تنفيذ إلتزامه تنفيذا عينيّا غير ممكن بفعله، فلا ضرورة لإنذار المحامي بذلك لإستحقاق التعويض عملا بأحكام الفصل 270 م ا ع . وتبقى مسألة تقدير التعويض وتحديد عناصره من إختصاص المحكمة التي تتعهّد بالنّظر في القضية.
الفقرة الثانية : تقدير التعويض
إذا توافرت شروط استحقاق التعويض وجب على القاضي تقديره والحكم به والتعويض بصورة عامّة تقدره المحكمة بالنّظر إلى ما لحق المتضرّر من خسارة وما فاته من ربح عملا بأحكام الفصل 278 م ا ع الذي إقتضت عبارته ما يلي :" الخسارة عبارة عمّا نقص من مال الدائن حقيقة وعمّا فاته من الرّبح من جرّاء عدم الوفاء بالعقد وإعتبار الأحوال الخاصّة بكل نازلة موكولة لحكمة المجلس،وعليه أن يقدّر الخسارة ويجعل فيها تفاوتا بحسب خطأ المدين أو تدليسه. كما نصّ الفصل 107 م ا ع الذي تضمّن عناصر التعويض وطريقة التعويض بقوله : "الخسارة الناشئة عن جنحة أو ما ينزل منزلتها تشمل ما تلف حقيقة لطالبها وما صرفه أو لابد أن يصرفه لتدارك عواقب الفعل المضر به والأرباح المعتادة التي حرم منها بسبب ذلك الفعلوتقدير الخسارة من المجلس القضائي يختلف بإختلاف سبب الضرر بكونه تغريرا أو خطأ". ويتّضح ممّا تقدّم أنّ هذه النّصوص التشريعية انصبّت على التعويض عن الضرر المادي، وأنّ هذا الضرر يتحلّل طبقا لأحكامها إلى عنصرين أوّلهما ما لحق الدائن من خسارة مالية وثانيهما ما فاته من ربح مالي. ويدخل في نطاق المسؤولية العقدية في تقدير الضرر الخسارة اللاحقة والكسب الفائت لا بسبب ضياع الحق، وإنّما بسبب التأخّر في إستيفائه كذلك، أمّا في دائرة المسؤولية التقصيرية فيدخل في ذلك التّقدير ما فات المتضرر من منافع الاعيان المقومّة بالمال وما ضاع عليه من أجر (1). أمّا الضرر المعنوي فيعدّ عنصرا قائما بذاته، ويتولّى القاضي تقديره وعليه أن يراعي فيما حكم به من تعويض أن يكون ترضية كافية للمتضرر قد لا تزيل الضرر وإنّما تخفّف منه. وقد يثير تقدير التعويض تساؤلا عن وقت تقدير الضرر بسبب وجود فترة قد تطول أو تقصر بين وقوع الضرر والنطق بالحكم وقد يكون الضرر من النوع الذي يتغير، فيزداد أو ينقص بمرور الزّمن خلال هذه الفترة فكيف يحدّد القاضي الضرر؟ ورائده في ذلك هو ردّ المتضرّر إلى الوضع الذي كان فيه لو نفّذ المدين إلتزامه.
الأصل أن يحدّد القاضي التعويض بقدر الضرر وقت حصوله، أمّا إذا كان الضرر متغيرا بمرور الزمن فيجب على القاضي أخذ ذلك بعين الإعتبار عند الحكم بالتعويض . إنّ تقدير التّعويض هو مسألة موضوعية لا يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة التعقيب، إلاّ أنّ العناصر التي تدخل في تقدير التعويض تعدّ مسألة قانونية يخضع فيها القاضي لهذه الرقابة، فلا يجوز أن يصدر الحكم مجملا يخلو من بيأن عناصر التعويض وإلاّ كان معيّبا وعرضة للنقض ، أمّا تقدير التعويض بعد بيان أسباب وتحديد عناصره من ضرر لاحق وكسب فائت، فالمسالة تخضع لسلطة القاضي التقديرية .
وقد قرّرت محكمة النقض المصرية في حكم لها ما يلي : "إنّ التعويض إنّما يكون بقدر الضرر، ولئن كان تقديره في المسائل الواقعية التي يستقلّ بها قضاة الموضوع فإنّ تعيين العناصر المكونة للضرر قانونا والتي يجب أن تدخل في حساب التّعويض في المسائل القاونية التي تهيمن عليها محكمة النقض لأنّ هذا التعيين من قبيل التكييف القانوني للواقع (1)".
ونفس ذلك الاتجاه ذهب فيه فقه القضاء التونسي وذلك بقوله في احدى القرارات:" إنّ استخلاص ثبوت الضرر أو نفيه هو من مسائل الواقع التي تستقلّ بها محكمة الموضوع بشرط أن يكون الدّليل الذي اعتمدته مقبولا قانونا ولمحكمة الموضوع استخلاص العلاقة السببيّة بين الخطأ والضرر بشرط أن يكون ذلك الاستخلاص سائغا وله دليل ثابت "(2)، وعلى كلّ فإنّه يمكن للمحكمة أن تلتجأ إلى أهل الخبرة عند تقدير قيمة التّعويض بالرّغم من معارضة بعض رجال الفقه لذلك (3)،غير أنّ فقه القضاء الفرنسي وفي عديد الحالات توخّى طريقة علميّة مضبوطة في تقديرالتعويض الناتج عن خطأ إرتكبه المحامي، وإلتجأت المحاكم إلى الخبراء لضبط مدى تأثير الخطأ المرتكب على مصالح الحريف، ففي احدى القضايا المنشورة ضد محام من أجل عدم قيامه باستئناف حكم جزائي في الأجل القانوني يتعلّق بتعويض عن ضرر حاصل من جرّاء حادث مرور، وقد صدر الحكم الابتدائي برفض طلب لتعويض الضرر البدني، وبفوات أجل الإستئناف أضاع المتضرر فرصة المطالبة بتعويض ذلك الضرر، فأجابت محكمة الإستئناف بأنّ تعويض الضرر الحاصل من جرّاء خطأ المحامي يتطلب عرض القائم بالتتبع على الفحص الطبي للتأكد من أنّه حصل له فعلا ضرر بدني نتيجة الحادث يستوجب المطالبة بالتعويض (1) .
كما تولت إحدى المحاكم تكليف خبير مختص في الشؤون العقارية نتيجة قيام أحد الحرفاء بقضية في التعويض ضد محاميه ناسبا له عدم مدّه بالنصح والارشاد اللازمين في الإبّان في موضوع يتعلق بإبطال رهن أصل تجاري موجه ضدّه وتطلّب الأمر تحديد الضرر الحقيقي الحاصل من خطأ المحامي (2).
إلاّ أنّ اللجوء إلى اختبار لمعرفة حقيقة الضرر الحاصل للحريف من جراء خطأ المحامي لم يكن يقع في كل الحالات بصفة آلية إذا ثبت في عديد القضايا أنّ القيام بالتعويض يتم بعد سنوات عديدة من توفر الخطأ لأنّ الحريف يبقى ساعيا خلال هذه السنوات إلى اثبات وجود الخطأ وحصول الضرر منه وهذه الوضعيّة أجبرت فقه القضاء على عدم اللجوء إلى الاختبار تفاديا لطول نشر القضية وتأخّر التعويض أكثر من اللازم لأنّ أجل القيام بلغ في بعض الاحيان 9 سنوات وفي غيرها 12 سنة(3) .
ولمّا كان جزاء مسؤولية المحامي المدنية هو التنفيذ بوجهيه العيني الجبري أو بطريق التعويض يشترط توافر أركان المسؤولية، ولكن عند إنتقاء أركان تلك المسؤولية أو الاعفاء منها تكون حينئذ بصدد الحديث عن سقوط تلك المسؤولية.
المبحث الثالث : سقوط المسؤولية المدنية للمحامي
تسقط مسؤولية المحامي ويفلت من جزائها بأحد أسباب ثلاثة أوّلهما إنتفاء العلاقة السببية بين خطئه وبين الضرر الذي لحق بموكله أو بمن يدافع عنه (الفرع الأول) وثانيهما الاتفاق عن الإعفاء من المسؤولية بعد تحقّق سببها (الفرع الثّاني) ، أمّا وبخصوص سقوط المسؤولية بالتقادم فقد سبق لنا أن تعرضنا إليه.
الفرع الأول : إنتفاء العلاقة السببية لقيام المسؤولية
إنّ نفي العلاقة السببية يتمّ بإثبات أنّ الضرر الذي أصاب الحريف نشأ عن سبب أجنبي ويقصد بالسبب الاجنبي كل فعل أو حادث لا ينسب إلى المدين تترتّب عليه استحالة منع حدوث الضرر (1). وقد نصّت المادّة 282 م ا ع على إثر السبب الاجنبي وعدّدت صوره بقولها:" لا يلزم المدين بتعويض الخسارة إذا أثبت سببا غير منسوب إليه منعه من الوفاء أو أخّره عنه كالقوّة القاهرة والأمر الطارئ ومماطلة الدائن". وفي هذا الخضم سنتولّى توزيع هذا الفرع إلى فقرتين نتعرض أوّلا إلى القوة القاهرة (الفقرة الأولى) وثانيا إلى خطأ المتضرر وفعل الغير (الفقرة الثانية)
الفقرة الأولى : القوة القاهرة
تعرّف القوة القاهرة بأنّها حادث غير متوقّع ولا دخل للإرادة في وقوعه ولا يكون في الإمكان دفعه أو درء نتائجه بما يجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا وما إقتضاه الفصل 283 م ا ع حينما نصّ على ما يلي :" القوّة القاهرة التي لا يتيسّر معها الوفاء بالعقود هي كل شيء لا يستطيع الإنسان دفعه كالحوادث الطبيعية من فيضان ماء وقلة أمطار وزوابع أو حريق وجراد أو كهجوم جيش العدو أو فعل الامير ولا يعتبر السبب الممكن اجتنابه قوة قاهرة إلاّ إذا أثبت المدين أنّه إستعمل كل الحزم في درئه وكذلك السبب الحادث من خطأ متقدّم من المدين فإنّه لا يعتبر قوّة قاهرة ". ويفرّق الفقه بين القوّة القاهرة والأمر الطارئ بالرّغم من أنّ كليهما حادث غير متوقّع يستحيل دفعه ولا دخل لإرادة الإنسان في وقوعه، بحجّة أنّ القوّة القاهرة حادث خارج عن الشيء خروجا ماديّا، وأنّ الأمر الطارئ يرجع إلى أمر داخلي في الشيء ذاته، وأنّ القوّة القاهرة وحدهاهي التي تعفي من المسؤولية . والواقع أنّ كلاهما تعبيران مترادفان، وإن كان الأمر يتعلّق ببحثنا هذا فإنّنا نشير إلى أنّ القانون المدني التونسي قد اقتبسهما من القانون الفرنسي الذي إعتبرهما يقومان على عناصر واحدة وهي بالفرنسية (L’imprevisibilité-irressistibilité et exteriorité) ويعني ذلك غير القابلية للمقاومة و الدفع و خروجه عن الارادة . وعلى العموم فإنّ القوّة القاهرة تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا فالمحامي الذي يتعهّد برفع إستئناف أو تعقيب خلال الأجل المحدد لرفعه وتعرّض إلى حادث مرور أدخله في غيبوبةولمدّة معينة إنقضى فيها أجل الاستئناف أو التعقيب وأتلفت المستندات والوثائق من جرّاء ذلك الحادث، يعتبر هنا غير مسؤول إذا تزامن رفع الاستئناف أو التعقيب والتّعهد بذلك في الأيّام الأخيرة في ذلك الأجل ويستحيل معه تعهيد غيره للقيام بذلك الاجراء خصوصا، وأنّ المؤيدات والوثائق المستوجبة لرفع الاستئناف قد أصابها التلف من جراء ذلك الحادث الذي يعتبر قوّة قاهرة يستحيل توقّعها ودفعها . كما أنّ المحامي الذي يحتفظ بمكتبه بمؤيدات حريفه وتمّت سرقة ذلك المكتب لا يكون مسؤولا عن سرقتها إذا كان قد بذل في حفظها عناية المحامي المعتاد لأنّ حادثة السرقة تعدّ قوة قاهرة . كذلك إذا كلّف برفع دعوى أو تقديم إستئناف وحدث فيضان جعل الوصول إلى المدينة التي يرفع الاستئناف أمام محكمتها أمرا مستحيلا حتى إنقضت مدّة الاستئناف لا يمكن مسائلته عن تفويت الفرصة لأنّ تفويت الفرصة نتج عن قوّة قاهرة ليس بالامكان دفعها.
الفقرة الثانية : خطأ المتضرر وفعل الغير
أمّا خطأ المتضرر فيعدّ سببا أجنبيّا أيضا إذا أثبت المدعى عليه أنّ المدّعي تسبّب بخطئه فيما أصابه من ضرر، وبذلك يكون خطأ المتضرر سببا أجنبيا ينفي علاقة السببيّة بين الضرر الحادث و بين خطأ المدعى عليه فالحريف الذي إستعاد أحد مؤيدات الدعوى من المحامي وفقده، فلا يكون المحامي مسؤولا عن ضعف الادلّة التي أدّت إلى خسارة الدّعوى نظرا لتسبّب العميل في فقد أحد الادلّة أو المؤيّدات الهامة لكسبها. أمّا خطأ الغير إذا أثبته المحامي المدعى عليه يعتبر سببا أجنبيّا،عليه أن يثبت أنّ الضرر الذي أصاب المتضرر كان بسبب خطأ شخص أجنبي عنه يستغرق خطأه فتنتفي معه العلاقة السببية بين خطئه والضرر الحادث ويعفى من المسؤولية التي يتحمّلها الغير وقتئذ، أمّا إذا إشترك خطأ الغير مع خطأ المحامي المدّعى عليه في إحداث الضرر، وتثبت العلاقة السببيّة بين خطأيهما، والضرر أصبح له سببان ويكون كلّ من الشخص الاجنبي والمحامي مسؤولان أمام الحريف وتوزّّع المسؤولية بينهما كلاّ بنسبة خطئه إن أمكن تحديد جسامة الخطأ وإلاّ قسّم التعويض بينهما بالتساوي (1).
وعلى محكمة الموضوع أن تبيّن توافر علاقة السببية وإلاّ كان حكمها معرّضا للنقض لأنّ إرتباط الفعل الضّار أو الامتناع عن الفعل بالضرر الناشئ، إرتباط السبب بالمتسبّب، يعتبر من المسائل القانونية التي يخضع فيه قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض، وقد جرى فقه قضائنا وفقه القضاء الفرنسي في هذا الاتجاه وقد قضت محكمة التعقيب التونسية في العديد من المناسبات بنقض الأحكام التي تهمل هذه الناحية ( ). ولعلّ سقوط المسؤولية كما ذكرنا آنفا يحصل بإنتفاء العلاقة السببية أو بالاعفاء منها، وذلك إمّا بالاتفاق على إستبعاد آثارها أو بالتأمين عليها.
الفرع الثاني : الإعفاء من المسؤولية
من المعلوم أنّ للإرادة كل السلطة في إنشاء وتعديل آثار المسؤولية في حدود ما يبيحه النظام العام والاداب العامّة، وأنّ دور تلك الارادة يبرز في حالتين أولهما الإعفاء الاتفاقي من المسؤلية (الفقرة الأولى) وثانيهما التأمين من المسؤولية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى : الاعفاء الإتفاقي من المسؤولية
قد يتّفق المحامي مع موكّله على الإعفاء من المسؤولية في صورة حدوث ضرر، ويقول البعض في هذا الصدد عن الاتفاقات المتعلقة بالإعفاء من المسؤولية بأنها:" تلك التي يقصد بها تنظيم آثار المسؤولية على غير الوجه الذي نظّمت عليه في القانون وتفرض من ثمّ توافر جميع عناصرها ( ) سواء أكانت المسؤولية ناشئة عن عقد أو عن عمل غير مشروع". إنّ هذا الموضوع محل خلاف في فرنسا نظرا لعدم وجود نص صريح يجيز ما يبرم من تلك الاتفاقات ، وقد كان القضاء الفرنسي إلى غضون سنة 1874 يقضي بتحريم إتفاقات الإعفاء من المسؤولية ثم إعترف بها عندئذ في حدود معينة ( ).
وقد إستقر الفقه ويسانده القضاء على التمييز بين العمد والخطأ الجسيم وبين الخطأ اليسير في نفاذ أثر الاتفاق على الإعفاء من المسؤولية( )، وذهب إلى عدم جواز الاعفاء من المسؤولية العقدية عن الخطأ العمد والخطأ الجسيم، وأكثرية الفقه والقضاء ذهبت إلى عدم جواز الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية التقصيرية عن الخطأ اليسير لتعلقها بالنظام العام، أمّا في مجال المسؤولية العقدية فقد أجازت الاكثرية الاتفاق على الاعفاء منها، أمّا الاقلية وأيّدها العديد من الأحكام فقد رأت صحة الاتفاق، غير أنّ ما يترتّب عليه ليس رفع المسؤولية وإنّما قلب عبء الاثبات بحيث يرفع عن المدين مسؤولية عدم النفيذ وعبء إثبات السبب الأجنبي، إلاّ أنّ ذلك لا يعفيه من المسؤولية إذا أثبت الدائن أنّ عدم الوفاء يعود إلى خطأ المدين ولو كان يسيرا ( ). أمّا بالنّسبة للقانون التونسي فقد ورد في معرض حديثه في الباب الأوّل من المقالة الخامسة تحت عنوان" فيما يترتب عن الإلتزامت مطلقا" وتحديدا بالفصل 244 م ا ع على إمكانية الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية العقدية، دون أن نعثر على مثيل لذلك النصّ في إطار الحديث عن المسؤولية التقصيرية، وقد أورد ذلك النص مبدأ عام يقضي بجواز الاعفاء الاتفاقي من المسؤولية بإستثناء ما ينتج عن الخطأ الفاحش أو المتعمد إذ ورد به حرفيا: "لا يسوغ لعاقد أن يشترط عدم الزامه بما ينتج من خطئه الفاحش أو تعمده ". ونلاحظ من خلال هذا النصّ أنّه يجوز الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية في دائرة المسؤولية العقدية عن الخطأ الشخصي اليسير . كما نلاحظ أنّه وأمام غياب تنصيص مشابه في إطار المسؤولية التقصيرية فإنّه يبطل أي إتفاق أوشرط يقضي بالاعفاء من المسؤولية التقصيرية، سواء نشأ الضرر عن عمد أو خطأ جسيم أو يسير وسواء نشأ الضرر عن الفعل الشخصي أو عن فعل من يسأل عنهم. يتّضح من هذا النص، وفي ضوء الرأي القائل بمسؤولية المحامي العقدية صحة إتفاق الحريف ومحاميه على الإعفاء من المسؤوليّة الناشئة عن عدم تنفيذ إلتزامه في غير حالة غشّه أو خطئه الجسيم . وتجدر الأشارة هنا، أنّه مثل ذلك الاتفاق نادر الحدوث في روابط المحامي بحريفه لعدم الحاجة إليه، ذلك لأنّ إلتزام المحامي إلتزام ببذل عناية، ومتى بذل العناية المطلوبة حسب معيار المحامي الوسط ، يكون قد نفذ إلتزامه، لذلك فهو في غير حاجة إلى هذا الشرط ، هذا فضلا عن أنّ العميل ما قصده إلاّ ليبذل قصارى جهده في الدعوى، وكثيرا ما يخبر المحامون عملائهم بأنّ الاحتمال قوي في كسب الدعوى وقد يصل إلى درجة التأكيد على كسبها بقصد إجتذاب الحريف أو الحصول على أتعاب كثيرة تفوق ما هو محدّد في القانون . إنّ المحامي يستطيع أن يفلت من المسؤولية دونما حاجة إلى شرط الاعفاء هذا بسبب طبيعة إلتزامه وصعوبة إثبات خطئه . إنّ الاتفاق على الاعفاء في هذا المجال إتّفاق غير متكافئ لا يتّفق ومقتضيات العدالة حتى وإن سلّمنا بصحّة الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية على الخطأ اليسير، وأنّ ذلك لا ينسجم مع طبيعة مهنة المحاماة لأنّ ذلك الاعفاء يعطي إمتيازا لطرف قوي يتمتّع بالخبرة القانونية والعلمية، يفرض بمقتضاه شروطه على طرف يجهل أحكام القانون في الغالب إبتغاء التخلّص من المسؤولية الناشئة عن فعله الشخصي دون تلك الناتجة عن الأخطاء الصادرة عن أعوانه وحبّذا لو أنّ المشرّع ينصّ صراحة في إطار قانون المحاماة على منع الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية بإعتبارها وسيلة لاستغلال الجانب القويّ للجانب الضّعيف، أمّا إذا ترتّبت المسؤولية بتوافر عناصرها وجب على المسؤول تعويض المتضرّر عمّا لحقه من ضرر، جاز الاتفاق على تعديل آثار المسؤولية فيستطيع المتضرر أن يعفي المحامي المسؤول من كلّ التّعويض الذي يستحقّه أو من جزء منه أو أن يستبدله بعوض آخر يرتضيه أو يطلب زيادة عمّا يستحق في حالة رضاء المسؤول ليتفادى إجراءات التقاضي .
إنّ هذا الاتفاق الذي يتمّ بين المسؤول والمتضرّر يكون قد أبرم بعد وقوع الضرر وترتّب المسؤولية، ولذلك يعتبر إتّفاقا صحيحا ويعد من قبيل الصلح (1) الذي يحسم به الطّرفان الخلاف نهائيا. إنّ هذا التنازل عن التعويض كلاّ و بعضا أو الاتفاق على تعديله لا يسقط المسؤولية وإنّما يعفى المحامي من آثارها، فالمسؤولية هنا تقوم وتترتّب وتنتج آثارها، إلاّ أنّ إرادة المتضرر إتّجهت إلى إعفاء المحامي من تعويض مقدّر في ذمّته، وهو يقرب من التبرّع ويتطلّب الأهلية الواجبة لنفاذه .
الفقرة الثانية : التأمين من المسؤولية
التأمين من المسؤولية عقد يبرم بين المؤمَّن والمؤمّن له يلتزم المؤمّن بمقتضاه تعويض المضار عما ألحقه المؤمّن له من ضرر نظير ما يدفعه الأخير له من أقساط بشكل دوري . ويهدف هذا التأمين أيضا لمجابهة الخسارة التي تلحق المؤمّن له وذلك بإعتبار ما يثقل كاهله تجاه الغير من ديون متتالية من الأحداث التي تحمله المسؤولية تجاه الغير، فالضرر المؤمّن منه في هذه الحالة لا يصيب مكاسب المؤمن له مباشرة وإنّما يصيبها بطريقة غير مباشرة، إذ هو يصيب ذمّته التي تصبح عامرة نحو المتضرّر بسبب من أسباب المسؤولية سواء كانت مسؤولية خطئية أو شيئية أو تعاقدية أو مدنية أو غيرها من المسؤوليات التي ورد بها القانون مثل مسؤولية الأباء عن أفعال أبنائهم في حالات معينة (الفصل 93 مدني) ومسؤولية
المعاقد نحو معاقده عمّا يصدر من نائبه وغيره ممّن إستعان بهم على تنفيذ الإلتزام (الفصل 245 م ا ع) ومسؤولية الوكيل عن توكيل غيره وذلك تجاه الموكّل (الفصل 1129 م ا ع) . ويكثر تأمين المسؤولية في مختلف المهن التي يضطرّ أصحابها للاستعانة بغيرهم في إنجاز الخدمات التي يتعهّد بها وهو أمر ينطبق على خدمات المحامي أو الطبيب أو المهندس وغيرهم(1) . والتأمين من المسؤولية إذا كان يشابه الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية في أنّ المسؤول عن الضرر ليس هو الذي يتحمّل عبء التعويض في كليهما، إلاّ أنّهما يختلفان في أمر هام أدّى إلى إباحة التأمين من المسؤولية ووقوف القانون موقف المتشدّد حيال الاتفاق على الاعفاء منها، هو أنّ المتضرّر يحصل على التعويض في حالة التأمين ويحرم منه في حالة الاعفاء وشتّان بين نظام يهدف إلى إعفاء المسؤول وحرمان المتضرر وبين نظام التأمين الهادف إلى التأكيد على المسؤولية وزيادة الضمان للمتضرّر . إنّ نطاق التأمين من المسؤولية هو المسؤولية المدنية ولا يتعدّاها إلى المسؤولية الجنائية التي يكون فيها الجزاء في صورة عقوبة شخصية، أمّا المسؤولية فتهدف إلى إعادة التوازن الاقتصادي في المجتمع . والملاحظ في هذا الصدد ، بأنّه ولئن قبلت بعض مؤسّسات التأمين في معظم الدول العربية تأمين بعض الأخطاء المهنية كالخطأ الطبّي، فإنّ أغلبها يرفض تأمين الخطأ الصناعي للمحامي عكس ماهو عليه الأمر لبعض القوانين في الدول الغربية، ويمكن أن يفهم رفض تأمين هذا النّوع من الخطأ بعدم إمكانية تقدير الأخطار التي قد تنجم عن خطأ المحامي خاصّة وأنّ قسط التأمين الواجب دفعه من المؤمّن له في عقد التأمين يجب أن يكون من حيث المبدأ متناسبا مع الخطر المحتمل حدوثه (2). ولقد ذهب المشرّع الفرنسي إلى وجوب تأمين المسؤولية المدنية للمحامي وذلك بالقانون المؤرّخ في 31 ديسمبر 1971 والأمر المؤرخ في 27 نوفمبر 1991 .
وبالرّجوع لأحكام ذلك الأمر نجد أنّه خصّص عدّة فصول للتّأمين فلقد إقتضى الفصل 205 منه ما يلي :" إنّه على كل محام أن يكون مؤمّنا عن النتائج المالية لمسؤوليته المهنية المدنيّة مثلما نصّت عليها الفقرة الأولى من الفصل 27 من القانون المؤرّخ في 31 ديسمبر 1971 الذي ينصّ على وجوب إكتتاب المحامي بعقد تأمين سواء بمفرده أو مع غيره من المحامين وذلك عن إهماله أو أخطائه بخصوص الأموال الواجب عليه دفعها لمنوّبيه أو بخصوص أي أشياء أخرى راجعة لهم ولها قيمة مالية" (1).
أمّا في أنقلترا فيوجد صندوق لتأمين العملاء من الأضرار التي تصيبهم بسبب أخطاء المحامين .
أمّا في الولايات المتّحدة الأمريكية نصّت القوانين على إلزام المحامي بإبرام هذه البوليصة على أن يكون حاملا شهادة من كليّة حقوق في جامعة أمريكية بإنهاء دراسة القانون الأمريكي وهذا شرطان لممارسة مهنة المحاماة .
وإذا كانت شهادة الحقوق لا تجدّد، فإنّ عدم تجديد بوليصة التأمين هو سبب لوقف ممارسة مهنة المحاماة وبالتالي لا يحقّ للمحامي الذي لم يبرم بوليصة تأمين أن يجدّدها ضدّ
هذه المخاطر، أن يمارس مهنة المحاماة ( ).
وبما أنّ هذا النوع من التأمين يخدم مصالح الطرفين كما ذكر أي المحامي وموكّله فالحاجة ماسة وأكيدة إلى وجوب أن يصدر المشرع التونسي قانونا ينص على تغطية أخطاء المحامي الصناعية ونتائج إهماله دون تفرقة بين المحامي الذي يباشرالمهنة بمفرده أو داخل شركة محاماة وذلك لضمان خلاص المتضرّر، خاصة وأنّ المحامي قد يكون عاجزا عن دفع التعويض المحكوم به لجسامة الخطأ، كما قد يكون عاجزا عن أداء الأموال الراجعة لحرفائه والتي قد تخرج من يديه نتيجة ضياعها أو سرقتها منه. والملاحظ أنّ المشرّع التونسي قد أوجب التأمين على المسؤولية المدنية على المحامي الذي يباشر فقط في إطار شركة محاماة، إذ ورد بالفصل 29 من قانون عدد65 لسنة 1998 مؤرخ في 20 جويلية 1998 المتعلّق بالشركات المهنية ما يلي: "يجب على الشركة المهنية للمحامين أنّ تبرم عقد تأمين يغطي مسؤوليتها المدنية والمهنية الناتجة عن نشاطها وعليها أن تودع نسخة من ذلك العقد وكذلك ما يفيد خلاص التأمين سنويا لدى الهيئة الوطنية للمحامين وبكتابة المحكمة الابتدائية التي تمّ بها إيداع العقد التأسيسي". ولقد ألزم المشرّع شركات المحامين التأمين على الخطأ الصناعي لدى مؤسسة تأمين وهو أمر إيجابي في إعتقادنا، حماية لصاحب الحقّ، وعليه فهي تحل محله باعتبارها مؤمّنته عند المطالبة بالتعويض. أنّنا نعتقد لمثل ذلك التأمين الوجوبي في إطار قانون 1989 أمرا جيّدا، ونأمل أن نرى مثل ذلك التنظيم ينسحب على المحامي الذي يمتهن بمفرده أي خارج نظام الشّركات المهنية، بما في ذلك من ضمان لحقّ الحريف المتضرّر وإعلاء لشأن المحاماة وتأكيدا على التّوازن الإقتصادي والتّضامن بين أبنائها .
الخــــــــــاتمــــــة
ممّا لا شكّ فيه أنّ المحامين يضطلعون بمهام بالغة الخطورة في المجتمع، وإنّ مهنة المحاماة تبدو أحد العناصر الرئيسية التي ترتكز عليها العدالة وأنّها تشارك القضاء في تحقيقها وإن قصّرت في أداء مهامها فإنّ مسؤوليتها تصبح قائمة.
إنّ المسؤولية المدنية للمحامي لم تحظ بالإهتمام الذي تستحقّه من قبل المشرّعين فبالرغم من أنّ المحامين يختلفون عن الأشخاص العاديين من حيث طبيعة المهنة وهدفها ، وأنّ ما يطلب منهم من حرص وعناية أكثر ممّا يطلب من الشخص العادي ، إلاّ أنّ الفقه والقضاء أخضعاها إلى القواعد العامة في المسؤولية المدنية التقصيرية في رأي الأقلية ، وعقدية في رأي الأكثرية ، وحمّلا المتضرر عبء إثبات خطأ المحامي، ولمّا كان إثبات الخطأ عبء ثقيل فقد أدى ذلك إلى إفلات كثير من المحامين من قبضة العدالة وإلى حرمان المتضرّرين من التّعويض ، ممّا جعل الشكاوى من تصرّفاتهم تتزايد المرفوعة للهيئة الوطنية للمحامين للنظر فيها ولمّا كان سبب ما تعرّضت إليه هذه المهنة التي قيل فيها بأنّها أجلّ مهنة من إنتكاسات ومضايقات على مرّالعصور يعزى إلى ضعف الضوابط القانونية، لذلك وقع اختياري على موضوع مسؤولية المحامي المدنية عن الأخطاء المهنية كموضوع لرسالة تخرجي التي أرجو أن يكون لها نصيب كبير من التقييم.
والله ولي التوفيق./.
المــــراجـــع
I/ مراجع باللغة العربية أ - المراجع العامة 1-القرآن الكريم 2- محمد بن الأصفر تاريخ المحاماة في تونس 3-أحمد أبو الوفاء : المرافعات المدنية و التجارية مطبعة دار المعارف 1965 4-عبد الباقي محمود سواري : مسؤولية المحامي المدنية عن أخطائه المهنية مكتبة دار الثقافة للنشر و التوزيع طبعة 1996. 5-محمد زهير جرانة : المحاماة و آدابها و تقاليدها مجلة المحاماة المصرية لسنة 1990. 6-حسن محمد علوب : إستعانة المتهم بمحام في القانون المقارن دار النشر للجامعات المصرية القاهرة 1980. 7-عبد الرزاق أحمد السنهوري : الوسيط في شرح القانون المدني جزء 1 طبعة دار النهضة العربية القاهرة 1964. 8-عبد الرزاق أحمد السنهوري الوجيز في شرح القانون المدني نظرية الإلتزام بوجه عام 1966 دار النهضة العربية بالقاهرة. 9-عبد الباقي البكري : شرح القانون المدني العراقي الجزء الثالث تنفيذ الإلتزام مطبعة الزهرة بغداد 1971. 10-عبد المنعم فرج الصدة : مصادر الإلتزام دار النهضة العربية بيروت 1971. 11-عبد المجيد الحكيم : الموجز في شرح القانون المدني الجزء الأول مصادر الإلتزام الطبعة الرابعة مطبعة العاني بغداد 1974. 12-عبد المجيد الحكيم : الجزء الثاني أحكام الإلتزام الطبعة الثالثة دار الحرية للطباعة بغداد 1977. 13-عبد الحي الحجازي مصادر الإلتزام الجزء الثاني مطبعة نهضة مصر 1954. 14-سليمان مرقس : شرح القانون المدني في الإلتزامات 1964 المطبعة العالمية في القاهرة مصادر الإلتزام و آثاره و أوصافه و انقضائه والنظرية العامة للإثبات. 15-سليمان مرقس : المسؤولية المدنية في تقنيات البلاد العربية القسم الأول الأحكام العامة أركان المسؤولية الضرر و الخطأ و السببية معهد البحوث و الدراسات العربية 1971 جامعة الدول العربية. 16-حسين عامر : المسؤولية المدنية التقصيرية و العقدية الطبعة الأولى 156 مطبعة مصر. 17-عبد اللطيف الحسيني : المسؤولية المدنية عن الأخطاء المهنية دار الكتاب اللبناني 1987.
ب/ الرسائل و المقالات : 1-محمد زهير جرانة : حصانة المحامي مقالة مقدمة إلى المؤتمر الثالث لاتحاد المحامين العرب مطابع فتى العرب دمشق 1985. 2-محمد بن الأصفر : حسين الجنرال أول محامي تونسي مجلة الإتحاف و اللجنة الثقافية الجهوية بسليانة العدد 73 نوفمبر 1996. 3-محمد بن الأصفر : محاولة لكتابة تاريخ المحاماة في تونس مجلة المحاماة التونسية عدد 1 – 2 لسنة 1994. 4-مشروع النظام الداخلي المنظم لمهنة المحاماة المقدم بالجلسة العامة الإستثنائية و الإنتخابية يوم 6/10/2000. 5-المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين الجزء الثاني : منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان 2000. 6-إسماعيل غانم محاضرات في القانون المدني مع التعمق في المسؤولية العقدية ألقيت على الدراسات العليا بكلية الحقوق عين شمس عام 1985. 7-علي بن عون : الهيئة الوطنية للمحامين رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 1994. 8-يوسف الغزواني : مسؤولية المحامي رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق. كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس 1995. 9-المنجي الغريبي و أحمد بن شعبان : حقوق المحامي في قانون المحاماة الجديد محاضرة ختم التربص. 10- الطاهر المنتصر : واجبات المحامي في التشريع التونسي و اللبنانيم ق ت السنة 8 عدد 6 و 7 جوان و جويلية 1966. 11- حلمي بهجت بدوي : الأساس القانوني للمبدأ في المسؤولية العقدية عن فعل الغير في القانون الألماني : رسالة تخرج بباريس 1986. 12- عباس الصراف : المسؤولية العقدية عن فعل الغير في القانون المقارن رسالة دكتوراه جامعة القاهرة سنة 1954 دار الكتاب العربي لمصر. 13- سليمان مرقس : محاضرات في المسؤولية المدنية في تقنيات البلاد العربية القسم الثاني الأحكام الخاصة 1960 المسؤولية عن فعل الغير و المسؤولية عن فعل الأشياء ألقاها على طلبة قسم الدراسات القانونية معهد الدراسات العربية العالمية جامعة الدول العربية. 14- سليمان مرقس : مسؤولية الطبيب و مسؤولية إدارة المستشفى، مجلة القانون والإقتصاد السنة 7. 15- شفيق شحاتة: نظرية النيابة في القانون الروماني و الشريعة الإسلامية مجلة العلوم والاقتصادية العدد الأول جانفي 1956. 16- عبد اللطيف المامعلي : محاضرات في التأمين ألقيت بالمعهد الأعلى للقضاء سنة 2002. 17- الدكتور عبده جميل غصوب : محاضرات في المسؤولية المدنية للمحامي منشورة بالمجموعة المتخصصة بالمسؤولية القانونية للمهنيين منشورات الحلبي الحقوقية بيروت لبنان 2000. 18-مجلة المحاماة التونسية : تصدرها الهيئة الوطنية للمحامين قصر العدالة تونس.
ج/المجلات و القوانين: - مجلة المرافعات المدنية و التجارية التونسية مجلة الإلتزامات و العقود -مجلة الحقوق العينية مجلة الأحوال الشخصية -مجلة القضاء و التشريع -قانون المحاماة عدد 87 لسنة 1989 المؤرخ في 7/9/1989 قانون عـ65ـدد لسنة 1998 المؤرخ في 20 جويلية 1998 المتعلق بالشركات المهنية للمحامين. قانون عـ52ـدد لسنة 2002 المؤرخ في 3 جوان 2002 المتعلق بالإعانة العدلية.
II/ OUVRAGES EN FRANÇAIS
1) Jean Appleton traité de la profession d’avocat Paris Dalloz 1932. 2) Jean Appleton, traité élémentaire de droit civil par G.Ripert Tome 2, 11ème édition. 3) Henri et Leon Mazeau ; Responsabilité civile 5ème édition.. 4) Mazeau et Tunc traité de la responsabilité civile Tome 1. 5ème édition. 5) Robert Fosse ; la responsabilité civile des avocats université de Montpellier 1936. 6) A.K.R Kiralfy ; The English legal system 3rd, édition 1963 London ; Sweet & Makweel Limiter. 7) Ylpien Mandate Vel : la responsabilité des avocats.2ème édition 1983. 8) Mallot règles de la profession d’Avocat- 1842, 2ème édition. 9) Mallot et Liouville : Abrégé des règles de la profession d’avocats 1833. 10) Gresson : Usages et règles de la profession d’Avocat 3ème édition 1907. 11) Hamelin : les règles de la profession d’Avocat à l’usage du barreau de Paris 1975. 12) Yves Avril : la responsabilité d’Avocat – Dalloz 1981. 13) Guilloeard :traité de contrat de louage 2ème édition 1885. 14) Lalou : traité théorique de la responsabilité civile 4ème édition. 15) Aubry et Rau : cours de droit civil français 5ème édition 16) Savatier : traité de la responsabilité
civile Tome 2 2ème édition.

Aucun commentaire:

أقسم بالله العظيم أن أقوم بأعمالي في مهنة المحـامـاة بأمــانة و شرف و أحافظ على سرالمهنة و أن أحترم القوانين و أن لا أتحدى الاحترام الواجب للمحاكم و للسلط العمومية